منذ 7 أكتوبر، قتلت القوات الإسرائيلية المئات من العاملين في مجال الرعاية الصحية الفلسطينيين وسجنت آخرين في ظروف غير إنسانية. الهجمات المستمرة على الأطباء والممرضين والمساعدين الطبيين ومقدمي المساعدات، إلى جانب تدمير البنية التحتية الصحية في غزة، تعد عنصرًا أساسيًا في الإبادة الجماعية المستمرة.

وطوال هذه الفترة، شهدنا شجاعة وصمود الفرق الطبية في غزة، التي أظهرت براعة ملحوظة في تلبية احتياجات مرضاها، حتى في حين دمرت الضربات الإسرائيلية مستشفيات المنطقة.

لقد تم وصف الالتزام والثبات الذي أظهره العاملون في مجال الرعاية الصحية على أنه شكل من أشكال المقاومة. إن خدمتهم الدؤوبة وسط ظروف صعبة للغاية، بما في ذلك نقص المواد الغذائية والأدوية الأساسية، تستحق الثناء.

وقد تلقى الكثيرون تقارير مؤلمة عن مقتل أو جرح أفراد من عائلاتهم في الغارات الجوية الإسرائيلية، لكن ذلك لم يمنعهم من الوفاء بالتزاماتهم المهنية والأخلاقية.

وقد لعبت هذه المثابرة دورًا محوريًا في السماح لبعض المرافق الطبية بمواصلة العمل وسط الهجمات الإسرائيلية المتواصلة.

واستأنفت بعض المستشفيات التي تعرضت للغارات الجوية عملياتها بقدرة محدودة على الرغم من تعرضها لأضرار جسيمة. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد تم ترميم العديد من غرف العمليات في مستشفى الشفاء في يناير. لكن بعد شهرين فقط، اقتحمت إسرائيل المنشأة مرة أخرى، مما أدى إلى "خروجها عن الخدمة إلى الأبد"، وفقًا لرئيسها بالإنابة.

أثناء مداهمة مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي غزة في ديسمبر، ورد أن الجيش الإسرائيلي استخدم الجرافات لاستخراج الجثث المدفونة مؤخرًا في مقابر مؤقتة في فناء المستشفى واعتقل مدير المستشفى. وعلى الرغم من الصعوبات الهائلة، إلا أنه كان لا يزال قادرًا على العمل جزئيًا حتى شهر مايو الماضي، عندما قصفت إسرائيل المستشفى وحاصرته مرة أخرى، وأوقفت خدماته.

 

التزام لا يتزعزع

واستأنف المستشفى الإندونيسي في شمال غزة الذي تعرض لأضرار جسيمة وتوقف عن العمل بسبب القصف والحصار الإسرائيلي عملياته وسط احتفالات بهيجة من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية في شهر مايو.

وكان من بين المحتفلين مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية منير البرش، الذي فقد ابنته وأصيب في ظهره في غارة جوية إسرائيلية في جباليا. وعلى الرغم من انتقاله من مستشفى إلى آخر، واصل البرش العمل بلا كلل لمساعدة الجرحى الفلسطينيين، حتى عندما تعرضت هذه المرافق للهجوم وإغلاقها واحدًا تلو الآخر.

ويتأثر هذا التفاني الذي لا يتزعزع بشكل جوهري بالعوامل السياسية؛ حيث إن مقدمي الرعاية الصحية في غزة ملتزمون ليس فقط بالتمسك بأخلاقياتهم المهنية وخدمة مرضاهم ولكن أيضًا بإنقاذ سكان غزة.

وكما أشار الجراح غسان أبو ستة في مقابلة مع الجزيرة، فإن المسؤولين عن نظام الرعاية الصحية في غزة اتخذوا "قرارًا وطنيًا" بعدم إخلاء المستشفيات، لأن ذلك سيكون بمثابة المشاركة في جريمة التطهير العرقي.

وقد ردد العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية مثل هذه المشاعر. عدنان البرش، جراح العظام الفلسطيني البارز الذي توفي في سجن إسرائيلي في أبريل، كثيرًا ما كان يدلي بشهادات عاطفية تسلط الضوء على صمود زملائه في مواجهة الدمار الإسرائيلي.

وفي آخر منشور له على موقع X، تويتر سابقًا، كتب: "نموت واقفين ولن نركع". وفي 29 أكتوبر، وبينما كان مستشفى الشفاء محاصرًا، كتب: "صامدون. لن نغادر إلا إلى الجنة أو إلى بيوتنا كرامًا". 

وقال للجزيرة في وقت لاحق: "لقد غادرنا المستشفى بقلب مثقل، لكن لحسن الحظ أنجزنا مهمتنا".

وفي فبراير، نشر منير البرش على قناة X: "لن نترك ميدان الشرف رغم المجاعة والإبادة الجماعية بحق شعبنا الصامد".

 

"سنعيد البناء"

وكان محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء، قد أطلق سراحه مؤخرًا من السجون الإسرائيلية بعد سبعة أشهر من الاعتقال. واعتقلته القوات الإسرائيلية ضمن قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة كانت تنقل جرحى من المستشفى في نوفمبر الماضي بعد أن اقتحمت المنشأة.

وبعد إطلاق سراحه، نشر أبو سلمية على مواقع التواصل الاجتماعي: "تم اعتقالنا من مستشفى الشفاء، وسنعود إلى مستشفى الشفاء. سنعيد بنائه من الصفر، وبمشيئة الله سيكون أفضل لخدمة شعبنا".

وتحدث أبو سلمية أيضًا عن الوضع المزري للأسرى الفلسطينيين والجرائم التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضدهم. ولا يزال العديد من زملائه رهن الاحتجاز، ويواجهون ظروفاً قاسية وغير إنسانية.

بعد وقت قصير من إطلاق سراحه، عاد أبو سلمية إلى مستشفى ناصر لتخفيف المعاناة ودعم ما تبقى من نظام الرعاية الصحية في غزة. وقد جاء إطلاق سراحه بمثابة ارتياح للكثيرين، خاصة بعد الوفاة المأساوية لعدنان البرش وطبيب آخر، هو إياد الرنتيسي، في السجون الإسرائيلية، إلى جانب التقارير المتعددة عن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في مراكز الاعتقال الإسرائيلية.

وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، شهدنا شهادات لا تعد ولا تحصى من العاملين في مجال الصحة، بما في ذلك مديري المستشفيات، يعبرون عن رفضهم إخلاء المستشفيات وترك مرضاهم. ومن المؤسف أن مناشداتهم للمجتمع الطبي العالمي لم تكن مجدية.

وبالمثل، تم تجاهل مناشداتهم للجيش الإسرائيلي لتجنب عمليات الإجلاء التي من شأنها تعريض سلامة المرضى للخطر.

الاستهداف المتعمد للعاملين في مجال الصحة يعرض السلامة العامة وبقاء سكان غزة على قيد الحياة للخطر. كانت أوامر الإخلاء الإسرائيلية للمستشفيات في القطاع المحاصر مصممة بشكل استراتيجي لزرع شعور واسع النطاق بانعدام الأمن بين الآلاف الذين يبحثون عن ملجأ في هذه المرافق الطبية.

وقد أدى هذا الإجراء المتعمد، إلى جانب التدمير المتعمد للبنية التحتية الصحية الحيوية، إلى تقويض حرمة وأمن الأماكن التي ينبغي حمايتها بموجب المعايير الدولية.

https://www.middleeasteye.net/opinion/war-gaza-palestinian-healthcare-workers-are-true-heroes