تجاوز عدد حالات الوفاة في صفوف الحجّاج هذا العام 1126 حالة بحسب ما تم إعلانه مؤخرًا من السلطات السعودية، ومعظم الضحايا لا يحملون تصاريح للحجّ.

وبحسب حصيلة جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية من سلطات الدول المعنية ودبلوماسيين الجمعة، بلغ عدد وفيات الحجاج هذا العام 1126، أكثر من نصفهم من مصر، ونُسبت أعداد كبيرة من الوفيات إلى الحر الشديد.

وقال مسؤول سعودي للوكالة "نقدّر عدد الحجاج غير النظاميين بحوالي 400 ألف شخص غالبيتهم العظمى من جنسية واحدة"، يقصد مصر.

ونفى المسؤول السعودي منع استخدام حجاج غير نظاميين للحافلات، وقال: "ليس هناك منع من استخدام (الحجاج غير النظاميين) للحافلات، لكن هذه الحافلات معدة مسبقًا للحجاج النظاميين الذين نعرف أنهم قادمون".

 

وفاة 3000 حاج مصري

إلا أن أحد المواطنين العاملين في أحد فنادق المدينة قال إن عدد المواطنين الذين توفوا في الحج بسبب ارتفاع درجات الحرارة أعلى من ذلك بكثير.

وقال المواطن – الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه – إن مسئولين أمنيين تداولوا أن هناك أكثر من 3000 مصري ماتوا جراء الحر الشديد، وأن السلطات السعودية قامت بدفن معظمهم في إحدى مدافن الصدقات خارج حدود مكة.

وأضاف أن جثث الحجاج المتوفين كان يتم نقلهم عبر مبردات المراعي، وأن إحدى المصريات أتت للبحث عن زوجها فلم يتم إفادتها بشيء، وبعد يومين أخبروها أن هناك 300 جثة تم دفنهم في الصباح بأمر من السلطات السعودية، وقدموا لها كشفًا بالأسماء لتفاجأ بأن زوجها كان رقم 11 في هذه الكشوفات.

وتابع أن السلطات السعودية لا تظهر سوى أرقام قليلة جدًا تجنبًا لما قد يثيره هذا الأمر من غضب ذوي الحجاج المتوفين من جهة، وحتى لا يؤثر على صورة المملكة التي سوقتها لنفسها قبل وأثناء وبعد موسم الحج من جهة أخرى.

ويتأثر الحج وهو، أحد أركان الإسلام الخمسة، بشكل متزايد بالتغير المناخي بحسب دراسة سعودية أفادت بأن الحرارة في المنطقة ترتفع 0.4 درجة مئوية في كل عقد، لكن موعد الحج يتغير سنويًا بحسب التقويم الهجري مما يعني أنه يحل لسنوات أيضًا خلال فترة حرارة معتدلة في الخريف والشتاء، قبل العودة مجددًا للصيف القائظ.

وفي هذا الصدد، أفاد بيان مجلس الوزراء السبت بأنه تم عرض التقرير الصادر عن لجنة إدارة الأزمة المشكلة والذي أشار إلى أن "أسباب ارتفاع حالات وفاة الحجاج المصريين غير المسجلين يرجع إلى قيام بعض شركات السياحة بتنظيم برامج حج بتأشيرة زيارة شخصية، مما يمنع حامليها من دخول مكة".

وتابع البيان "يتم التحايل على ذلك عبر التهرب داخل دروب صحراوية سيرًا على الأقدام، مع عدم توفير أماكن إقامة لائقة، مما تسبب في تعرض الحجاج غير المسجلين للإجهاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة".

 

درجة حرارة أعلى من 51

وبحسب السلطات السعودية، فقد أدى 1.8 مليون حاج مناسك الحج هذا العام، وهو رقم مماثل للعدد المسجّل العام الماضي. ووفد 1.6 مليون من هؤلاء من خارج المملكة.

وكان التلفزيون الرسمي السعودي قد ذكر أن درجات الحرارة قد ارتفعت الإثنين (17 يونيو / حزيران) إلى 51.8 درجة مئوية في الظل بالمسجد الحرام في مكة.

وحذرت الجمعية من أن "استمرار هذا الارتفاع، يهدد قدرة الأشخاص على البقاء في تلك المناطق دون الحصول على تكييف الهواء".

كما تناولت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، دراسة نشرتها مجلة جيوفيزكال ريسيرش ليترز عام 2019، قالت فيها إن "تغيُّر المناخ سيرفع الإجهاد الحراري للحجاج إلى مستويات تتجاوز عتبة الخطر الشديد، وذلك في الفترة من عام 2047 إلى عام 2052 ومن عام 2079 إلى عام 2086".

 

السير عدة كيلومترات تحت الشمس

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن شهود قولهم إن "ارتفاع درجات الحرارة وصل حتى إلى الأماكن المكيفة، إذ اضطر الحجاج إلى نثر الماء فوق بعضهم البعض، في محاولة لتفادي الإجهاد الحراري".

وأضاف الشهود أن "بعض الحجاج، قضوا أو انهاروا أثناء سيرهم عدة كيلومترات تحت الشمس، وسط ارتفاع درجات الحرارة".

وقال الشهود إن "الحجاج غير المسجلين رسميًا، مُنعوا في بعض الحالات، من الوصول إلى الخيام المكيفة ومراكز التبريد الرسمية الأخرى، حيث يمكن لحاملي تصاريح الحج تفادي درجات الحرارة المرتفعة".

وذكرت الصحيفة نقلًا عن شهود عيان، أن "بعض الحجاج غير المسجلين الذين تعرضوا للمرض أو الإجهاد الحراري، لم يطلبوا المساعدة الطبية، خوفًا من أن تقوم السلطات السعودية بإبعادهم".

وقال أحمد بهاء، 37 عامًا، وهو حاج مصري يعيش في السعودية، إن "المولدات التي تشغّل مكيفات الهواء داخل الخيام توقفت في وقت ما عن العمل بسبب الحرارة".

وأضاف "قلت لصديقي، لا أستطيع التنفس، وأشعر أنني سأصاب بضربة شمس أثناء جلوسي في الخيمة".

وقال إن "السلطات شجعت الحجاج على البقاء في الداخل، لكن كل من كان يسيرون في الشوارع تقريبًا هم من الحجاج غير الحاصلين على تصاريح الحج الرسمية، لذلك كان وضعهم مفجعا".

وأفاد حجاج مصريون غير نظاميين لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع بأنهم واجهوا صعوبات في دخول المستشفيات، أو استدعاء الإسعاف لأحبائهم، وقد قضى بعضهم.

وتعذر على هؤلاء استخدام حافلات الحج الرسمية، وهي وسيلة النقل الوحيدة حول الأماكن المقدسة، من دون دفع رسوم باهظة على نحو غير رسمي.

وبعدما اضطروا للسير كيلومترات عدة تحت أشعة الشمس الحارقة، أفاد البعض بمشاهدة جثث على قارعة الطريق، وحجاج ينهارون بسبب الإرهاق الواضح.

 

تقصير حكومي

وذكرت أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، هالة منصور أن “التقصير الحكومي ظهر بشكل غير مباشر في وقائع وفاة الحجاج، لأن ترك تأشيرات الحج لقواعد العرض والطلب -التي أدت إلى ارتفاع أسعارها نتيجة تهافت المواطنين في غياب العدالة التنظيمية- خلق مبررات لمن خالفوا قواعد الحج، ودفع حجاج مصريون مبالغ مالية أكبر مقارنة بأسعار الحج في دول أخرى”.

وأكدت في تصريح أنه “في حال امتنع المواطنون عن أداء فريضة الحج لعام واحد فقط فإن جهات حكومية وخاصة سوف تعيد حساباتها، لأن الخدمات المقدمة إلى الحجاج المصريين لا تتناسب مع الأسعار التي دفعوها، وليس مطلوبًا من الحكومة دعم الحج، لكن تقليص المكاسب والرقابة بصرامة على شركات السياحة من العوامل التي تسهم في ثقة المواطنين بقدرتهم على أداء الفريضة عبر الطرق الشرعية”، وفقًا لصحيفة "العرب".

ولفتت إلى أن الخطاب الديني الذي يقوده بعض المنتفعين يشجع على السفر لأداء فريضة الحج، وإن لم يكن لدى الحاج الاستطاعة الكاملة كما أمر الدين، وغياب تطبيق المفهوم العادل للدين والتوسع في الدعاية للحج بالتقسيط وغير ذلك من وسائل التشجيع على أداء الفريضة دون معرفة تامة بالحقوق الشرعية تفضي إلى البحث عن كافة السبل غير القانونية، وتصويب هذا الخطاب مسؤولية جهات دينية حكومية.

ويتجاهل الخطاب الديني بمصر الأضرار التي يتسبب فيها المخالفون للقوانين وإلحاق الأذى بآخرين سلكوا الطرق الرسمية، كذلك عدم الاعتداد بقوانين الدولة المستضيفة. وأفتت دار الإفتاء المصرية بأن المخالفين تقبل حجتهم مع تأكيدها أنهم “آثمون شرعًا”، ما جعل الكثيرين يقتنعون بأن أداء فريضة الحج يبيح مخالفة القوانين.