قُتل شاب، أول أمس الأحد، في قرية الوفاق جنوب رفح، إثر انفجار عبوة ناسفة عُثر عليها أثناء تجهيز شركة مقاولات قطعة أرض لبناء تجمع تنموي ضمن خطة الانقلاب، وكان العمال عثروا بالقرب منها على عبوة أخرى لم تنفجر، تم تسليمها للقوات المسلحة بعد انفجار العبوة اﻷولى.

الواقعة جاءت بعد نحو أسبوع من مقتل طفلين، وإصابة ستة آخرين، الجمعة 31 مايو، إثر انفجار عبوة ناسفة داخل أرض زراعية في قرية الخروبة غربي مدينة الشيخ زويد، بحسب مصادر محلية وطبية، أكدت أن أحد المصابين حالته حرجة بعدما تعرض لبتر في قدمه، فيما ينتمي باقي الأطفال المصابين لعائلة الكوز التابعة لقبيلة السواركة.

بحسب المصادر القريبة من المصابين، كانت العائلة رحلت من القرية خلال سنوات الحرب على الإرهاب، واستقرت في مدينة العريش، وعقب السماح بعودة سكان القرى الغربية للشيخ زويد، عاد بعض أفراد العائلة إلى مسقط رأسهم، فيما اعتاد من قرروا البقاء في العريش، التجمع مع العائدين أسبوعيًا في «الخروبة»، وكان أحدث تجمع يوم وقوع الحادث.

في نهايات 2021 شكلت القبائل الرئيسية في شرقي سيناء، الرميلات والسواركة والترابين، حشدًا قبليًا تحت إشراف القوات المسلحة، ونجحت في القضاء على بقايا تنظيم ولاية سيناء في قرى الشيخ زويد ورفح، ما مَهد لعودة محدودة للنازحين، كانت القوات المسلحة وعدتهم بها مقابل حملهم للسلاح وتطهير أراضيهم. ومنذ بدايات تلك العودة، توالى سقوط المدنيين بفعل العبوات الناسفة التي خلّفها التنظيم.

مثلت العبوات الناسفة سلاحًا رئيسيًا لـ«ولاية سيناء» خلال المواجهة مع القوات المسلحة والشرطة في سنوات الحرب التي اندلعت في الربع الأخير من 2014 وانتهت في 2022. اعتمد التنظيم على زرع المئات منها على جوانب الطرق الرئيسية وحول مناطق تمركزه داخل القرى، ما أسفر عن مقتل عشرات من أفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، وفي بعض اﻷحيان قُتل أفراد من التنظيم أثناء زرعهم لتلك العبوات، بحسب اعترافات التنظيم في بيانات سابقة.

حين سُمح لأهالي القرى بالعودة، كان دور القوات المسلحة وفرقها الهندسية محدودًا في ما يخص تفكيك العبوات الناسفة، مقابل توسع دور شباب القبائل المنضوين تحت فرق مسلحة مختلفة يقودها شيوخ قبليين، في مهمة كشف وتفكيك العبوات الناسفة التي كانت تنفجر فيهم أحيانًا فيسقطون بين قتيل ومصاب، فضلًا عن اعتماد الأهالي العائدين على أنفسهم في عمليات تمشيط التجمعات القروية للبحث عن العبوات وتحديد مكانها، بحسب ثلاثة من السكان العائدين لقرى الشيخ زويد، تحدثوا لـ«مدى مصر».

من عادوا من اﻷهالي للقرى وجدوا المنازل مُهدمة بالكامل والمزارع جافة وأعمدة الكهرباء منهارة وآبار المياه تحتاج إلى إعادة تأهيل. وفي ظل تغاضي الجهات الحكومية عن القيام بدورها، اضطر الأهالي للعمل على استعادة بعضٍ من الحياة في القرى.

شاب من قرية الظهير قال لـ«مدى مصر» إن المسؤول عن تنظيف القرية من الألغام كان أحد ابنائها من قبيلة السواركة، ويدعى محمد منصور العوايضة، والذي تعاون مع القوات المسلحة ضمن المجموعة التي تشرف عليها «كتيبة الجورة»، وكان متخصصًا في الكشف عن العبوات الناسفة وتفكيكها، قبل أن يُقتل أثناء تفكيكه عبوة في قرية المقاطعة القريبة من «الظهير».

أضاف الشاب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه بمجرد دخول الأهالي للقرية في 2021، حرثوا مزارعها بالجرار الزراعي بحثًا عن أية عبوات في أراضيها، غير أنهم لم يعثروا على الكثير من العبوات بفضل عمليات التطهير التي سبق وقام بها العويضة، وإن انفجر عدد قليل من العبوات في الأهالي العائدين، ما أسفر عن مقتل طفلين بالقرية.

بحسب المصدر نفسه، عند العثور على عبوات، كان الأهالي يبلغون اتحاد القبائل ليأتي أفراده لتفجيرها أو تفكيكها.

شاب ثانٍ من القرية قال لـ«مدى مصر» إنه كان يجمع مخلفات الحرب، من ألغام ودانات مدفعية وصواريخ لم تنفجر، بجانب العشة التي بناها جوار منزله المهدم، «كل لمّا أجمع شوية أكلم الاتحاد أو الكتيبة ييجوا يشيلوهم، كانوا بييجوا بعربية نُص نقل يحملوا فيها الحاجة ويمشوا». 

ما قالته المصادر يتماشى مع ما كانت صفحة اتحاد قبائل سيناء تنشره من مقاطع مصورة تُظهر أفراده يفككون عبوات ناسفة بعد استخراجها من تحت الرمال، وكذلك مع منشورات أخرى للاتحاد عن مقتل مقاتليه أثناء تفكيك تلك العبوات أو البحث عنها.

بعد نحو عامين من السماح بالعودة المحدودة، ارتفعت أصوات قبيلتي السواركة والرميلات المطالبة بـ«حق العودة» الكامل لكل القرى، تحقيقًا لوعد القوات المسلحة الذي قطعته حين شُكل تحالف القبائل الذي خاض المعركة الأخيرة ضد ولاية سيناء. ومع ارتفاع الصوت المطالب بالعودة، بدأت الدولة تتحدث عن خطر العبوات الناسفة في القرى الذي يمنع عودة الأهالي.
في مطلع العام الماضي، طالب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإزالة العبوات الناسفة من مناطق العمليات العسكرية في شمال سيناء. «مش عاوز نخسر حد تاني، ولو عاوزين شهر أو شهرين لإنهاء مهمة الإزالة بالكامل بنسبة 100%، تجنبًا لحدوث أي شيء»، حسبما قال مخاطبًا رئيس الهيئة الهندسية، اللواء أحمد العزازي، على هامش فعاليات «اصطفاف المعدات المشاركة في تنفيذ خطة الدولة لتنمية وإعمار سيناء».

لم يتغير على أرض الواقع شيء، بحسب سكان محليين، فيما ارتفع الصوت المطالب بحق العودة أكثر، ليعقد قائد الجيش الثاني الميداني، اللواء محمد ربيع، اجتماعًا موسعًا في قرية المهدية في رفح، منتصف العام الماضي، حضره عدد كبير من أبناء «السواركة والرميلات»، أقر خلاله بخطأ قرار إدخال سكان القرى في 2021، الذي وصفه بـ«المتسرع»، كونه اتُخِذ قبل التأكد من تطهير القرى من العبوات الناسفة التي تركها تنظيم «ولاية سيناء».

«ده خطأ مني لأني ما عملتش اللي المفروض أعمله، إحنا تسرعنا في إدخال الناس للقرى جنوب الشيخ زويد، زي أبو العراج، وجِبنا الإعلام يصور علشان نوصل رسالة للإرهاب أننا انتصرنا عليه»، قال اللواء ربيع خلال الاجتماع.

وفي حين كشف ربيع عن مقتل تسعة أطفال نتيجة العبوات الناسفة بعد وقت قصير من السماح بالعودة في 2021، أعلن اكتشاف 7500 لغم أرضي في الشيخ زويد ورفح منذ التكليف الرئاسي بتطهير مناطق العمليات من العبوات الناسفة، وإصابة سبعة جنود خلال عملية البحث والتطهير.

وعرض قائد الجيش الثاني على حضور الاجتماع خريطة للمناطق الجاري تطهيرها من العبوات للسماح بعودة سكانها، قبل أن يشدد على أن توجيهات القيادة السياسية تمثلت في: «خُد وقتك وطهَّر الأرض وادينا التمام».

في فترة متزامنة مع الاجتماع، كانت وحدات هندسية من القوات المسلحة تمشط مناطق في رفح على وجه الخصوص، وتفكك العبوات التي وجدت بها، بحسب مصادر محلية، أشارت إلى أنهم فوجئوا لاحقًا بأن تلك المناطق التي تم تطهيرها عُبّدت وتحولت إلى طرق ضمن الشبكة التي تنشئها القوات المسلحة في المناطق الشرقية من شمال سيناء، فيما لم تدخل الفرق الهندسية إلى القرى التي عاد سكانها، أو باقي القرى، لتعيد عملية البحث عن العبوات.

بعد أربعة أشهر من اجتماع قائد الجيش الثاني، أُلقي القبض على القيادات القبلية التي كانت تطالب بحق العودة. وبالتزامن مع حبسهم، اختفى حديث الدولة والقوات المسلحة عن العبوات الناسفة وتطهير القرى، دون أن يتوقف انفجارها في الأطفال والمدنيين.

على مدار العام الماضي، انفجرت ثلاث عبوات داخل القرى، قتلت اﻷولى طفلًا وأصابت شقيقته وابنة عمه بجروح وكسور، حينما انفجرت فيهم أثناء لهوهم داخل مزرعة في قرية تفاحة، جنوب مدينة بئر العبد، فيما تعرض طفل لبتر في إحدى قدميه جراء انفجار الثانية في قرية «جرادة» غربي الشيخ زويد، كما أصيب طفل آخر ونفق الجمل الذي كان يمتطيه في قرية «أم شيحان» جنوب العريش بسبب الثالثة.

إشراك المدنيين في تفكيك العبوات الناسفة في شرق شمال سيناء، مثّل استكمالًا لاستراتيجية اتبعتها القوات المسلحة قبل نحو ثلاث سنوات، حين طردت «التنظيم» من قرى المثلث الاخضر في بئر العبد: «قاطية» و«إقطية» و«الجناين» و«المريح». ومع عودتهم، فوجئ سكانها أن قراهم تحولت إلى حقول من العبوات الناسفة التي زرعها «ولاية سيناء»، وتباعًا، بدأ سقوط المدنيين بين قتيل ومصاب معظمهم من النساء والأطفال، فيما كان مصدر من إحدى قرى «المثلث اﻷخضر» قال لـ«مدى مصر» آنذاك إن الجيش درّب بعض المدنيين ليتولوا كشف وتفكيك العبوات الناسفة التي كانت منتشرة في القرى عقب انسحاب التنظيم.

المشترك في ما حدث في غربي المحافظة وشرقها، أن دخول السكان لقراهم جاء بعد تطمينات من القوات المسلحة وشيوخ القبائل أنها تم تطهيرها من مخلفات الحرب خاصة العبوات الناسفة، وهو ما ثبت عدم دقته، بحسب مصادر تحدثت إلى «مدى مصر» سابقًا.

قبل الدخول للقرى، جمعت القوات المسلحة سكان كل تجمع قروي وعرضت عليهم نماذج من العبوات الناسفة والأجسام المتفجرة التي يمكن العثور عليها، وشددت على إبلاغ الجهات المختصة على الفور، بحسب أحد الأهالي الذين حضروا أحد هذه العروض.

سكان من قريتي الظهير والخروبة التابعتين للشيخ زويد، قالوا إن دور القوات المسلحة انتهى عند هذا العرض، فيما بات دور المجموعات القبلية المسلحة هو الأبرز في مواجهة العبوات الناسفة.

شاب من تجمع الغراء القروي التابعة لـ«الخروبة» أكد لـ«مدى مصر» أن اتحاد القبائل هو من تولى تمشيط والكشف عن العبوات الناسفة في قريته، وأضاف أنه اشترك في عمليات التمشيط والبحث عن العبوات والمتفجرات، بفضل علاقات صداقة بينه وبين أفراد الاتحاد.
وعن تلقيهم أي تدريبات من قبل متخصصين في القوات المسلحة في الكشف أو العثور على العبوات الناسفة أكد: «إحنا ولا مدربين ولا عندنا خبرة، إحنا ما حدش فينا بيفك شيء. مهمتنا نحط علامات ولما بنجمع خمس أو ست عبوات بنكلم اتحاد القبائل ييجي يفكها».

في مقطع مصور نشره الاتحاد في أغسطس الماضي، تطلب سيدة من دورية للاتحاد تمشيط منزلها تخوفًا من وجود عبوات ناسفة، فيما يوضّح المنشور المصاحب للفيديو أنهم قاموا «بتمشيط البيت ومحيطه وتفكيك بعض العبوات المعدة للتفجير في أحد جوانب البيت».

ونشر الاتحاد أكثر من مرة، آخرها في فبراير الماضي، تحذيرًا لأهالي القرى من التعامل مع الأجسام المشبوهة، مشددًا على متابعة الأطفال وحديثي السن أثناء لعبهم وتجولهم، مطالبًا الأهالي بإبلاغ الجهات المختصة حال العثور على أجسام مشبوهة.

مصدر في قرية الخروبة فسر زيادة عدد الضحايا من اﻷطفال في أنهم «مش مدركين خطورة الأوضاع، أول ما يدخلوا القرية بيجروا ويلعبوا في المزارع مثلما كانوا يفعلون قبل النزوح».

«أختي لقت الصفيحة قعدت تحركها وتدق عليها وفجأة انفجرت فينا»، ينقل طبيب في مستشفى العريش العام ما قالته له طفلة عمرها سبع سنوات أصيبت في انفجار عبوة ناسفة في مايو من العام الماضي، أدى الانفجار لبتر في أطراف الطفلة وشقيقتها، وأودى بحياة شقيقتهما الثالثة.

بحسب مصادر محلية وطبية في شمال سيناء، فمنذ يناير 2022 وحتى الآن، أنهت العبوات الناسفة حياة 15 شخصًا بينهم 12 طفلًا، وأصابت 28 آخرين بينهم 20 طفلًا، وتوزعت تلك الحوادث بين قرى «العبيدات»، و«الترابين» و«الخروبة» و«قبر عمير» و«الظهير» في الشيخ زويد، و«الطويل» في العريش، ورفح الجديدة و«شيبانة» في رفح، و«تفاحة» في بئر العبد.