تسعى حكومة الانقلاب إلى رفع سعر رغيف الخبز المدعم بثلاثة أو أربعة أضعافه، وفق مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه، وهو ما يعني أن سعر رغيف الخبز يمكن أن يصل إلى 20 قرشًا، وذلك بدءًا من العام المالي الجديد في شهر يوليو القادم.

وقال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الاثنين الماضي، إنه لا بد من «تحريك» أسعار الخبز لتتناسب مع ما وصفه بـ«الزيادات الرهيبة» في سعر التكلفة، لكنه أكد - خلال مؤتمر صحافي في مدينة الإسكندرية - أن الخبز «سيظل مدعومًا، لكن فاتورة دعمه أصبحت كبيرة جدًا».

والسبت الماضي، قال قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه مشروعات تنموية، إن الحكومة تدعم الخبز بمبلغ 130 مليار جنيه سنويًا (نحو 2.8 مليار دولار)، بينما يكلف رغيف الخبز الدولة 1.25 جنيه.

وحسب بيانات وزارة المالية، فإن دعم رغيف الخبز والسلع التموينية خلال العام المالي الحالي، الذي ينتهي في يونيو، يبلغ نحو 127.7 مليار جنيه (2.7 مليار دولار)، ومن المقرر ارتفاعه إلى 134.2 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) خلال العام المالي المقبل.

ووفق البيانات، فإن دعم رغيف الخبز يمثل النسبة الأكبر من إجمالي دعم السلع التموينية، إذ يبلغ في موازنة العام المالي الحالي نحو 91.5 مليار جنيه (1.9 مليار دولار)، فيما يبلغ دعم السلع التموينية نحو 36.2 مليار جنيه (762 مليون دولار).

 

رفع سعر الخبز المدعم

المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أوضح أن شعبة المخابز اجتمعت مع وزير التموين، على المصيلحي، مساء أمس، بهدف تعديل تكلفة الخبز المدعم التي تدفعها الحكومة لأصحاب المخابز في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، إلا أنهم فوجئوا بمقترح الوزير برفع سعر الخبز المدعم، طالبًا منهم تأجيل الترتيب لعملية رفع تكلفة الإنتاج إلى اجتماع لاحق، وفقًا لـ"مدى مصر".

وخلال الاجتماع نفسه، أعلن المصيلحي تراجع الوزارة عن مُقترح إدخال 20% من الذرة في الخبز، والذي كان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي طرحه، الأحد الماضي، لخفض استهلاك القمح، بعدما لفت أعضاء الشعبة نظر الوزير إلى أن هذا التحول يحتاج إلى استثمارات جديدة في المطاحن لتناسب طحن الذرة، فضلًا عن استيراد مصر معظم استهلاكها من الذرة، بالإضافة إلى سوء جودة وطعم الرغيف المخلوط بالذرة.

 

لماذا الآن؟

اعتبر المحللون والخبراء أن اتجاه الحكومة نحو زيادة سعر رغيف الخبز، يأتي في إطار ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي سيستمر حتى خريف العام 2026.

وقال الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إن رفع أسعار الخبز لن يلبي متطلبات الدولة فيما يتعلق بترشيد الدعم بشكل كبير، لكنه يأتي تنفيذًا "لاشتراطات صندوق النقد الدولي وروشتة الإصلاح"، وفقًا لموقع "الحرة".

وأضاف أن "الحكومة اتفقت مع صندوق النقد على إلغاء الدعم العيني، واستبداله بالدعم النقدي"، لافتًا إلى أن تصريحات المسؤولين تؤكد على أنه "لن يكون هناك دعمًا للسلع التموينية في المستقبل، ومن بينها الخبز".

وأكد هذا أيضًا، الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب، الذي قال إن "ما جاء من تصريحات بمثابة رسالة إلى خبراء صندوق النقد الدولي، تفيد بأن الحكومة مستعدة للمضي قدما نحو تقليص الدعم العيني".

وأضاف أن "الحكومة ممثلة في وزارة المالية تجري نقاشات مع خبراء صندوق النقد، بشأن ضرورة تقليص دعم رغيف الخبز"، لافتًا إلى أنها ستكون خطوة متزامنة مع "زيادة الدعم النقدي للمواطنين الأكثر احتياجًا".

واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022 وتعثر لعدة أشهر بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها، وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف.

ومن المقرر أن تجري بعثة لصندوق النقد الدولي، مراجعة ثالثة لما تم الاتفاق عليه من إصلاحات، بعد إتمام المراجعتين الأولى والثانية، قبل ثلاثة أشهر، وبموجبهما حصلت الحكومة على دفعة بنحو 820 مليون دولار. كما من المقرر أن تحصل على دفعة جديدة بذات القيمة في يونيو المقبل، بعد إتمام المراجعة الثالثة.

وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا.

 

تحقيق فائض أوّلي

رئيس وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وائل جمال، قال إن محاولات تقليص الإنفاق تنبع من اهتمام الحكومة بتحقيق فائض أوّلي لا يقل عن 3.5% من خلال سياسات تقشف عنيفة.

إلّا أن تحقيق فائض أوّلي لا مدلول حقيقي له، بحسب جمال، إذ أنه يدل على قدرة الحكومة على تغطية نفقاتها في حال عدم وجود ديون. «لكن عندما يكون عندك ديون تأكل أكثر من نصف الموازنة، مما يدل على أنه لن يكون للفائض أي فائدة تُذكر؟"، وفقًا لـ"مدى مصر".

ويرى أنه كان من الأجدر بالحكومة أنها تبحث في طُرق وتتفاوض من أجل أن تُعدّل سعر الفائدة، وأكد أن كل زيادة بنسبة 1% في الفائدة، تُكلّف الدولة 70-90 مليار جنيه. فلو نزلت الفائدة 1% فيمكن للدولة أن تغطي الدعم كله من دون أن تضغط على الناس".

ويتفق معه عبدالمطلب ويؤكد أنه "بالمقارنة مع عجز الموازنة الحالية، والعجز المتوقع خلال العام المالي المقبل، فإن تخفيضات دعم الخبز، لن يكون لها تأثير فيما يتعلق بأهداف وزارة المالية بشأن العجز المالي".

وأضاف: "حتى إذا تم إلغاء دعم الخبز والسلع التموينية بشكل كامل، لن يؤثر ذلك كثيرًا".

وحسب بيانات وزارة المالية، يمثل دعم السلع التموينية والخبز نسبة 3.3 بالمئة من إجمالي مصروفات موازنة العام المالي المقبل، التي تبلغ نحو 3.870 تريليون جنيه (81 مليار دولار).

وتستهدف وزارة المالية ، تخفيض العجز في موازنة العام المالي المقبل إلى 6 بالمئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، من 7 بالمئة متوقعة في موازنة العام المالي الجاري.

بدوره، يعتبر النحاس أن "الحكومة تريد أيضًا أن يدفع المواطن ثمن فساد المسؤولين في وزارة التموين المعنية بمتابعة بيع وتوزيع الخبز في السوق المحلية".

وتساءل النحاس: "هل المواطن يدفع ثمن فساد المسؤولين؟ وهل عليه أن يتحمل الفساد؟".

 

ليست المرة الأولى

ورفعت حكومات متعاقبة في مصر أسعار الخبز بشكل مباشر وغير مباشر خلال العقود الماضية وفق ما أكد الخبراء، إذ قال عبدالمطلب إن سعر رغيف الخبز "تضاعف 10 مرات منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى عام 1988، حينما تمت زيادته إلى 5 قروش، واستقر عند هذا المستوى منذ ذلك الحين".

ومع ذلك، فإن "السلطات زادت الأسعار بشكل غير مباشر من خلال تقليص أوزان رغيف الخبز أو تقليل أعداد المستحقين للدعم" حسب عبدالمطلب، الذي أضاف: "كان وزن رغيف الخبز نحو 135 جرامًا، وقُلص إلى 70 جرامًا أو أقل من ذلك في الوقت الحالي".

وتابع: "بالتالي الحكومة وجدت أنه لم يعد هناك إمكانية للتحايل على زيادة الأسعار من خلال تقليص حجم الخبز، ولم تجد أمامها سوى رفع الأسعار في المستقبل القريب".

وحسب بيانات وزارة المالية، انخفض عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز خلال 6 سنوات بنحو 11 مليونًا، ليصل إلى 70 مليون مستفيد بموازنة العام المالي الجاري من 81 مليونًا في موازنة العام المالي 2018/2019.

بدوره، أكد النحاس، أن "الدعم المخصص لرغيف الخبز والسلع التموينية انخفض خلال الأعوام الثلاثة الماضية، على عكس ما تقول الحكومة".

وقال خلال حديثه إن "دعم السلع التموينية في مصر انخفض فعليًا استنادًا إلى سعر صرف الدولار خلال الأعوام الثلاثة الماضية، من 6 مليارات دولار في العام المالي الماضي، إلى 4 مليارات العام المالي الجاري، ونحو 2.8 مليار دولار خلال العام المالي المقبل".

وأضاف: "ما تقوم به الحكومة يشير إلى أنها تريد تحميل المواطن فارق سعر الصرف بين الدولار والجنيه بعد الانخفاض الكبير في العملة المحلية منذ مارس الماضي".

وفي السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، إذ اقترب سعر الدولار في السوق المحلية من مستوى 50 جنيهًا، قبل أن يرتفع الجنيه تدريجيًا منذ ذلك الحين ويسجل حتى نهاية تعاملات، الثلاثاء، نحو 47.5 جنيه للدولار الواحد.

 

رد فعل الشارع

بدوره، اعتبر عبدالمطلب خلال حديثه أن "الدولة بمختلف أجهزتها ومراكز استطلاع الرأي تحاول البحث عن إجابة عن رد فعل الشارع المتوقع حال إقرار الزيادة في أسعار الخبز".

وقال إن "هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة لكل الحكومات، منذ فترة ليست بالقصيرة. لهذا إذا كان لديها يقين بنسبة 80 بالمئة بشأن رد الفعل، لكانت قد اتخذت خطوة زيادة الأسعار منذ عقود".

وذكر أن "ارتفاعات الأسعار المتلاحقة خلال الأشهر الماضية بفعل ارتفاع معدلات التضخم في السوق، قد تؤدي مجتمعة إلى ردة فعل غير متوقعة، تُحدث مشكلات سياسية واجتماعية وتؤدي على عدم استقرار".

وخلال إبريل الماضي، بلغ معدل التضخم في مصر، نحو 31.8 بالمئة، وفق ما تظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ومن المتوقع أن يظل أعلى من مستوى 25 بالمئة على مدار الأشهر المتبقية من 2024.

واختتم عبدالمطلب حديثه بالقول: "الحكومة لديها مخاوف من أن يكون رفع سعر الخبز، القشة التي قد تقسم ظهر البعير. لذا فإن هذه الخطوة حتى يُكتب لها النجاح تتطلب إجراء حوار وطني حقيقي لتهيئة الشارع إلى الإصلاحات المتعلقة باستبدال الدعم العيني إلى دعم نقدي".