بَيَّنَ الله- سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز أنَّ فَلاحَ المسلم وسعادته مُرْتَبِطة بتطهير نَفْسِهِ وتزكيتها، وهي غاية تتحقق بأمور عديدة، من أهمها ذكر الله الذي هو من أعظم العبادات على الرغم من سهولتها، لكن أجرها كبير وثوابها جزيل، وهي عبادة تقرّب العبد من ربه، وتشعره بالحضور معه، وتكفّر عنه الخطايا وتمحو السيئات، وهي من أكثر أسباب استجابة الدعاء، وسبب لدخول الجنة، والنجاة من النار.

ذكر الله تعالى في القرآن والسنة
وأشار القرآن الكريم إلى أهمية ذكر الله تعالى في العديد من الآيات، فقد أمر الله- جل وعلا- به خواص خلقه والمصطفين من عباده وعامة المؤمنين به، فقال لزكريا- عليه السلام- بعد أن بشّره بيحيى- عليه السلام: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) [آل عمران: 41].

وخاطب- سبحانه تعالى- نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم- بعد أن منَّ عليه بالنبوة والرسالة بقوله: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) [المزمل: 8]، وقال- جل وعلا-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف: 205].

ووعد الحق سبحانه الذاكرين المكثرين من ذكره وعودًا كريمة وأجورًا عظيمة، فقال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].

وقال- عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) [الأحزاب: 41-44].

وحذّرنا الله -عز وجلَّ- من صفات المنافقين، التي منها قلة الذكر، فقال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 142]، وحذرنا سبحانه من الانشغال بالأموال، والأولاد عن ذكره جل وعلا، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون: 9].

وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسير في طريقه إلى مكة فمرّ على جبل يقال له جُمْدان فقال: “سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون” قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: “الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات” (مسلم).

وفي مسند الإمام أحمد عن معاذ- رضي الله عنه- وعند الطبراني عن جابر- رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟”، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “ذكر الله عز وجل” (أحمد والترمذي).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عتق عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزًا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك” (البخاري ومسلم)، “ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” (البخاري).

فضل وفوائد ذكر الله
وفوائد ذكر الله تعالى عديدة، منها ما يلي:

سكينة النفس: يقول الله تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. فلا يحس مَن يذكر ربه إلا الأمن إذا خاف الناس، والسكون إذا اضطرب الناس، واليقين إذا شك الناس، والثبات إذا قلق الناس، والأمل إذا يئس الناس، والرضا إذا سخط الناس.
الله يذكر من يذكره: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عنه رب العزة: “يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً” (البخاري).
الله يُظهر فضل الذاكرين ويُبيّن مكانتهم: روى أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج على حلقة من أصحابه، فقال: “ما أجلسكم؟” قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا، قال: “آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟” قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: “أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل عليه السلام، فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة” (مسلم).
أربعة فضائل: وأصحاب مجالس الذكر اختصّهم الله- سبحانه وتعالى- بفضائل أربعة: تنزل الطمأنينة، وغشيان الرحمة، وإحاطة الملائكة بهم، وذِكْرِهم في الملأ الأعلى، وهذه الفضائل مذكورةٌ في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري- رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال: “لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده” (مسلم).
المغفرة والأجر العظيم: فطوبى لمن أشغله ذِكْرُ الله- عزّ وجل- عن كلّ ما سواه، أولئك الذين قال الله فيهم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35].
حياة القلب: ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النبيُّ- صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ”، وفي لفظ مسلم قال النَّبيُّ- صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ” (البخاري ومسلم).
الفوز بصلاة الله والملائكة: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 41 – 43].
عون من الله: روى ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله- عز وجل- يقول: “أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه”.
اقتداء بالنبي: روى مسلم عن عائشة قالت: “كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه”.
النجاة يوم القيامة: فيوم القيامة يصطفي الله تعالى الذاكرين بظلّه، ويكلؤهم بحفظه، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله”، وذكر منهم: “ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه” (متفق عليه).
أجر عتق الرقاب: فعن أبي أيوب- رضي الله عنه- قال النَّبيُّ- صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شـريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شـيءٍ قَدِيرٌ، عَشـر مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ” (البخاري ومسلم).
اعتباره عند الله تعالى من الذاكرين: فقد صحّ عن رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “مَن استَيقظَ مِن اللَّيلِ وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّيا ركعتَينِ جميعًا كُتِبا مِن الذَّاكرينَ اللَّهَ كثيرًا والذَّاكراتِ” (صحيح أبي داود).
نقاء القلب: قال أبو الدرداء- رضي الله عنه-: “لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل”.
خير من إنفاق الذهب والفضة: روى الترمذي وصححه الألباني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وذلك ما هو يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل”.
إن أفضل ما يَشغل العبد به وقته، هو ذكر الله تعالى، تلك العبادة الميسورة التي رتَّب الله عليها الأجر الكبير والثواب العظيم، وهو ما ينفع المسلم في الدنيا والآخرة.