تباطأ التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 32.5% في إبريل الماضي من 33.3% في مارس السابق له، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار 1.1% في إبريل، مقارنة مع 1% في مارس.

وتراجعت أسعار المواد الغذائية في إبريل 0.9% على أساس شهري، غير أنها ارتفعت 40.5% على أساس سنوي.

وكان استطلاع شمل 17 محللًا توقع في المتوسط أن ينخفض التضخم السنوي إلى 32.8% في استمرار لمساره الهبوطي الذي بدأ في سبتمبر الماضي عندما وصل التضخم إلى ذروة غير مسبوقة بلغت 38%.

وأقرت الحكومة، خلال الأشهر القليلة الماضية، جملة من القرارات الاقتصادية استطاعت السيطرة فيها على أسعار صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.

ورغم تثبيط الأسعار للسلع الأساسية، فإن المواطن لم يشعر بانعكاس هذا التراجع على نفقاته الشهرية المتزايدة، فيما ترسم الأرقام الإحصائية الرسمية صورة إيجابية.

 

الأرقام الإحصائية.. هل تعكس الواقع؟

يرى المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، وائل النحاس، أن "الأرقام الإحصائية الرسمية لا تعكس حقيقة أسعار السلع والخدمات في السوق المصرية".

ويؤكد أن هناك "حاجة لإعادة النظر في المعادلة الحسابية وسلة المستهلك التي تستخدم في القياس لدى الجهات الرسمية، معتبرًا أنه "من ناحية إحصائية قد تكون الأسعار تراجعت لبعض السلع عن مستوياتها القياسية"، لكن "مجمل سلة المستهلك الحقيقية ارتفعت بمعدلات أكبر بكثير مما تعكسه الأرقام".

ويشير إلى أنه يجب "احتساب التكاليف والأعباء بشكل حقيقي التي يتكبدها المواطن، فرغم الزيادات في رواتب الكثير منهم، فإنها تآكلت بسبب زيادة الأعباء في الإنفاق على الإيجارات والنقل والصحة، والكهرباء".

ويؤكد أن الجهات الرسمية استطاعت السيطرة على "سعر الصرف بشكل أكبر، والحد من التداولات في السوق السوداء"، وهذا قد انعكس بشكل طفيف على أسعار السلع، ولكن حاليًا بدأت الأسواق في مرحلة "ركود، حتى للسلع الموسمية، إذ لم تعد العائلات قادرة على شراء ما يلزمها".

ويعزو النحاس ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع تكاليف بعضها من المصدر المنتج لها، ناهيك عن "زيادات طرأت في أسعار الشحن".

ويقول إن الاعتماد على الأرقام الإحصائية وحدها "قد لا يكون كافيًا لقياس حقيقة ما يجري في السوق، إذ أن بعضها قد يصدر إرضاء لمؤشرات أو مؤسسات دولية تريد إثبات جدوى سياساتها، حتى وإن كان غير حقيقية".

ويقول البنك المركزي، إن التضخم "يقاس على أنه معدل الارتفاع العام في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي يجمع أسعار السلع والخدمات ويعالجها من خلال تخصيص أوزان لكل سلعة ومجموعة".

وشدد البنك المركزي سياسته النقدية، إذ رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس في السادس من مارس، وهو اليوم ذاته الذي وقع فيه على حزمة دعم مالي بـ8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، وسمح لقيمة الجنيه بالانخفاض.

واتسم العام المنصرم بارتفاع مطرد للتضخم، مدفوعًا إلى حد كبير بالنمو السريع في المعروض النقدي.

ويعيش ما يقرب من ثلثي سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وتواجه البلاد انخفاضًا في عائدات النقد الأجنبي، سواء من السياحة التي تضررت من وباء كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا.

وفي أواخر فبراير، أعلنت مصر عن صفقة مع القابضة "إيه.دي.كيو"، أحد صناديق الثروة السيادية الإماراتية، من شأنها أن تجلب للبلاد 35 مليار دولار على مدى شهرين، بما في ذلك 11 مليار دولار محولة من الودائع الموجودة بالفعل، بما يعرف صفقة "رأس الحكمة".

ومطلع مارس، تسلمت مصر الدفعة الأولى المتفق عليها من قبل البلدين والمقدرة قيمتها بـ15 مليار دولار، هي 10 مليارات تم تحويلها مباشرة إضافة إلى 5 مليارات تشكل جزءًا من وديعة إماراتية لدى البنك المركزي.

 

لماذا لا نشعر بانخفاض الأسعار؟

مدير مجموعة آفاق التنمية بمجموعة البنك الدولي، أيهان كوسي، قال في تصريحات: "هناك تباين واضح بين النمو العالمي وأسعار السلع الأولية؛ فعلى الرغم من الضعف النسبي لمعدلات النمو العالمي، من المرجح أن تظل أسعار السلع الأولية أعلى في الفترة 2024-2025 مما كانت عليه في السنوات الخمس السابقة على جائحة كورونا".

وأشار إلى أن هذا "يرتبط بأحد العوامل الحاسمة في حدوث هذا التباين باشتداد التوترات الجيوسياسية التي تبقي الضغوط التصاعدية على أسعار السلع الأولية الرئيسة، وتؤجج مخاطر حدوث تحركات حادة في الأسعار".

وحث البنوك المركزية بأن تتوخى المزيد من الحذر "إزاء الآثار التضخمية لارتفاع أسعار السلع الأولية في خضم التوترات الجيوسياسية المتزايدة".

من جانبه، يشرح الخبير في قطاع النفط، عامر الشوبكي، أن الأسعار شهدت أكثر من زيادة خلال الأشهر الماضية، مما جعل التضخم يرتفع عن المعدلات التي كانت تستهدفها البنوك المركزية أو الاحتياطي الفيدرالي.

ويلفت إلى أن المستهلك "يشعر بمزيد من الظلم أو المشاعر السلبية تجاه أسعار السلع والخدمات في 2024، وحتى عندما تعلن الدول عن تراجع في الأسعار، تبقى هذه المشاعر سائدة، وهذا يعود إلى أن المستهلك يريد الأسعار التي اعتاد عليها قبل موجة التضخم، لتعود لما قبل 2023 أو قبل ذلك.. ولهذا فإن أي تخفيض أو تراجع يعلن عنه في معدلات 2024 ستبقى تمثل زيادة للمستهلكين"، وفقًا لموقع "الحرة".

 

رفع معدل الفائدة لاحتواء ارتفاع الأسعار

ومن جهة أخرى، توقع الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، لجوء الحكومة لرفع أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية في 23 مايو الجاري، وذلك بغرض امتصاص التضخم".

وأوضح نافع، أن هناك أسبابًا لانخفاض أسعار السلع، منها زيادة المعروض، حيث أدى النقص الشديد في معروض الكثير من السلع نتيجة شح الدولار، لارتفاع الأسعار، لكن بعد توفير العملة تم استيراد السلع، ما تسبب في زيادة المعروض من السلع والذي أدى في النهاية لخفض بعض الأسعار نسبيًا، وفقًا لموقع "آي صاغة".

وأكد، أن التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة واحدة من الأسباب التي لها دور في انخفاض الأسعار والسيطرة على نسب التضخم.

وعلى الرغم من الإجراءات التي أعلنتها الحكومة لخفض أسعار السلع ووقف ارتفاع معدلات التضخم، لكن حتى الآن لم تنخفض أسعار السلع بما يتماشى مع توقعات المحللين الاقتصاديين أو الحكومة نفسها التي كانت تترقب انخفاضات كبيرة بأسعار جميع السلع عقب عيد الفطر المبارك.

وقبل أيام، توقع صندوق النقد الدولي تراجع معدل التضخم في مصر بشكل تدريجي مع انحسار شح النقد الأجنبي وفي ظل ترسخ تشديد السياسة النقدية. وأشار في تقريره حول الآفاق الاقتصادية الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا إلى أنه على الرغم من قيام السلطات المصرية بتشديد السياسة النقدية في وقت سابق من العام الجاري لخفض التضخم، فقد تكون ثمة حاجة لمزيد من إجراءات التشديد.

وقال إن شح النقد الأجنبي في مصر عرقل النشاط الاقتصادي إلى أن أجرت مصر تعديلات ضرورية مؤخرًا على سياسة الاقتصاد الكلي، في إشارة إلى قرارات البنك المركزي خلال اجتماعه الاستثنائي يوم 6 مارس الماضي بتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة الرئيسة بمقدار 600 نقطة أساس.