أجرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية، دراسة تؤكد أن مصر تدور بحلقة مفرغة من الأداء الضعيف، كاشفة أنه تجري معالجة الأعراض بصورة سطحية، بينما تبقى المشكلات الأساسية.

الدراسة الاقتصادية عُقدت في 29 من إبريل الماضي، بحسب ما نقله الكاتب الاقتصادي عادل صبري، وأكدت أن الأزمة الاقتصادية في مصر لم تنته بعد، وأن اتفاق القاهرة وصندوق النقد الدولي والدول الداعمة للحكومة، جميعها حلول مؤقتة لمشكلات اقتصادية مزمنة، فيما تحدثت الدراسة عما أسمته بالضعف الهيكلي المؤسسي للاقتصاد المصري، وفقًا لـ"عربي 21".

المثير، هنا أيضًا، أنه وبينما يتوقع تقرير "فيتش" ارتفاع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصر 16.2 مليار دولار في السنة المالية 2024 إلى 49.7 مليار دولار، وارتفاع احتياطيات العملات الأجنبية إلى 53.3 مليار دولار بحلول السنة المالية 2025، عاودت مصر طلب تمويلات بقروض جديدة.

وفي خبر حصري نشره موقع "الشرق مع بلومبيرج" الاقتصادي الخميس الماضي، أكد أن "المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة"، وافقت على طلب مصر بإتاحة 45 مليون دولار "بشكل عاجل" لاستيراد سلع، كما لفت إلى طلب القاهرة رفع حد الاقتراض من المؤسسة لاستيراد سلع تموينية إلى 500 مليون دولار سنويًا.

وهو الخبر الذي رأى فيه خبراء، مؤشرًا على استمرار أزمة السيولة المالية الدولارية في مصر، واعتبروه دليلًا على استمرار عمليات الاقتراض الخارجي بل والتوسع فيه، ما يضع بحسب رؤيتهم، الاقتصاد المصري في حلقة مفرغة وينزع عنه أية تأثيرات إيجابية لأية قرارات إصلاح تم الإعلان عنها، بل ويؤكد أن السيولة التي وصلت مصر عبر صفقة رأس الحكمة، أوشكت على النفاد.

 

صورة مضللة

وأعلنت وزارة المالية، الأسبوع الماضي، تحقيق الموازنة العامة للدولة، فائضًا أوليًا خلال فترة التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2024/2023، يتجاوز 8 مرات ونصف نفس الفترة من العام المالي السابق.

وقال وزير المالية، محمد معيط، إن الفائض الأولي وصلت نسبته إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 416 مليار جنيه، بمعدل نمو سنوي يتجاوز 8 مرات ونصف، وذلك رغم التأثر بالأزمات العالمية.

والتصريحات الحكومية عن تحقيق فائض أولي أثار تساؤلات بشأن دلالته وتأثيره، وعما إذا كان يعني تحسن الوضع الاقتصادي لمصر.

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة لافبروه البريطانية، كريم سليمان، إن "الفائض الأولي هو الفارق بين الإيرادات والمصروفات بعد استبعاد مصروفات الديون وفوائدها وليس قبلها"، موضحًا أن "المؤشرات الحكومية ليست دقيقة وتعطي في الغالب صورة مضللة عن تحقيق إنجازات وهمية، وهذا الأمر ليس في مصلحة أحد".

وأضاف أن "وزير المالية قال، في مارس الماضي، إن الفائض الأولي و50 في المئة من عائدات برنامج الاكتتاب الأولي سيتم تخصيصهما لخفض الدين وخدمته بشكل مباشر".

وتابع الخبير الاقتصادي أن "الوزير قال في حوار مفتوح حول مشروع الموازنة الجديدة مع ممثلي الاتحاد العام للصناعات وجمعية رجال الأعمال المصريين وغيرهما، في مارس الماضي، إن موازنة العام المالي المقبل استثنائية، وتهدف إلى تحقيق فائض أولي بنسبة 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي"، وفقًا لموقع "الحرة".

ويرى سليمان أن "هذا التصريح يعطي صورة مضللة عن الواقع" لأن "إجمالي الإيرادات المحلية يبلغ نحو 2.5 تريليون جنيه، بينما تبلغ النفقات العامة نحو 3.8 تريليون جنيه بمعدل نمو 23 في المئة".

وتحدث سليمان عن دلالة الفائض الأولي بشكل عام، قائلًا إنه "عندما نسمع في أي دولة عن تحقيقها لفائض في الموازنة، فهذا يعني أن الحكومة تنفق عند المستويات المتوقعة مع الوقت الذي تتماشى فيه الإيرادات مع التوقعات، لأن الفائض هو نتيجة لعنصرين أساسيين، الأول هو نجاح الجهود المبذولة لاحتواء التكاليف والإنفاق، والثاني تجاوز الإيرادات للتوقعات والتي نادرًا ما تملك الحكومة أي سيطرة حقيقية عليها باستثناء رفع الضرائب أو خفضها".

وأضاف أن "فائض الموازنة يعكس وجود اقتصاد صحي سليم قادر على الإنتاج وتخطي نفقاته، وأن الحكومة تُدار بشكل فعال وبالتالي معيشة أفضل لأفراد المجتمع".

وتابع "كما يمكن للحكومات في حالة تحقيق فائض أن تخُصصه لخفض الضرائب على الأفراد وتطوير البنية التحتية وتطوير برامج تحسين وضع الفرد مثل الضمانات الاجتماعية والرعاية الصحية".

لكن أستاذ الاقتصاد أوضح أن "ما يحدث في مصر هو العكس تقريبًا"، وقال إنه "من الممكن أن يكون هناك فائض في الموازنة في حالة خفض الحكومة الإنفاق وزيادة الضرائب، وهذه هي الحالة المصرية نظرًا للزيادة الكبيرة في القروض التي تحصل عليها الحكومة سنويًا لتعويض العجز بين الإيرادات والمصروفات، وسداد فوائد القروض السابقة، بالإضافة إلى رفع الدعم تقريبًا عن أغلب السلع الأساسية مثل الخبز والبنزين، وكذلك الكهرباء التي تشهد انقطاعات مستمرة".

 

الديون تلتهم الجزء الأكبر

وقلل الخبير الاقتصادي، محمد جلال فاضل، من أهمية التصريحات الحكومية عن تحقيق فائض أولي، قائلًا إن "الحكومة لا تقدم الصورة كاملة"، مضيفًا أنه "لا يجب إغفال ذكر الديون والفوائد التي تلتهم الجزء الأكبر من مصروفات الميزانية".

وأضاف أن "حجم الدين المحلي وصل إلى 6 تريليون جنيه في الربع الأول من عام 2023، كما ارتفع الدين الخارجي إلى 168 مليار دولار بنهاية الربع الأخير من العام 2023".

وتابع: "مصر لا تزال حتى الآن تقترض بشكل يزيد عن الفائض الأولي وذلك لتسديد فوائد الديون التي تأخذ حوالي 47.5 في المئة من مصروفات الموازنة العامة الحالية للدولة، بالإضافة إلى تطور إجمالي خدمة الدين كنسبة من الإيرادات الضريبية خلال السنوات الماضية والذي زاد من  55% في عام 2020 إلى  140% في عام 2023، وبالتالي في هذا الوضع، لا توجد أهمية كبيرة للفائض الأولي نتيجة تضخم حجم الدين".

وقال إن "فوائد الدين العام على مصر وصلت إلى حوالي 2.4 تريليون جنيه، في حين أن الإيرادات تبلغ 2.14 تريليون جنيه، وهذا يعني أن الإيرادات التي يُحققها الاقتصاد المصري أقل من التزامات الدين العام بمفرده".

وأوضح فاضل أن "الحديث عن تحقيق فائض أولي لا يعكس تحسن الوضع الاقتصادي أو عجلة الإنتاج في مصر، بل يعتبر نتيجة لعوامل خارجية مثل انخفاض أسعار بعض المنتجات والسلع التي تستوردها مصر بشكل أساسي من أوروبا مثل الغاز الطبيعي والقمح والأرز، أخذًا في الاعتبار أثر تحصيل 12 مليار دولار تمثل 50 في المئة من إيرادات مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة لصالح الخزانة العامة، التي تعد موردًا استثنائيًا غير متكرر، وصاحبها موافقة صندوق النقد على المزيد من القروض".

وبلغ معدل الفقر 29.7%، في آخر نسخة منشورة من «بحث الدخل والإنفاق»، الذي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في ديسمبر 2020، وكانت بياناته تغطي حتى مارس 2020، ما قبل انتشار فيروس كورونا.

وسبق أن توقعت مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هبة الليثي، أن يرتفع مستوى الفقر في عام 2022-2023، إلى 35.7%، مع ارتفاع خط الفقر إلى 1478 جنيهًا شهريًا، وارتفاع خط الفقر المدقع إلى 1069 جنيهًا شهريًا.