في يوم ربيعي مشمس في محافظة بورسعيد المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وقفت امرأة في الطابق العلوي من منزلها، تراقب الجرافة وهي تهدمه، شرفة تلو شرفة.

وقالت "رجاء محرم علي"، أخصائية الأشعة الطبية، لموقع "ميدل إيست آي"، بعد أسبوع من انتشار مقطع فيديو يوثق الحادث عبر الإنترنت: "ما زلت لا أستطيع أن أصدق أنني على قيد الحياة. كان من الممكن أن ينهار المنزل وكنت سأموت".

وأضافت: "ولكن حتى لو نجوت، فإن طردي قسراً من منزل عائلتي هو بمثابة سلب حياتي". 

وفي يوم الخميس 14 مارس، تم هدم المنزل بالكامل.

وقال موقع "ميدل إيست آي" في تقرير كتبته "بسمة مصطفى"، إن "رجاء" هي من بين مئات من سكان حي الجميل في بورسعيد، الذين دمرت منازلهم أو من المقرر إزالتها لتمهيد الطريق للاستثمارات في الأرض الرئيسية المطلة على الشاطئ.

 بدأت عملية الهدم في أوائل فبراير وما زالت مستمرة بلا هوادة حتى وقت إعداد هذا التقرير. وبحسب السكان الذين تحدثوا مع موقع "ميدل إيست آي "، فقد تم هدم 290 منزلاً، ولا يزال هناك حوالي 25 منزلاً، ينتظر أصحابها نفس المصير.

 تم إنشاء حي الجميل بغرب بورسعيد عام 1978، عندما خصصت المحافظة 317 قطعة أرض تقع مباشرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد 10 كيلومترات من المدينة، لتخفيف الضغط على الأجزاء الأخرى المكتظة بالسكان بالمحافظة.

 وقام السكان ببناء منازلهم على الأرض بأموالهم الخاصة، وبترخيص من المحافظة، بموجب نظام حق الانتفاع. كما تعاونوا أيضًا في تقديم المرافق على نفقتهم الخاصة دون دعم حكومي، وفقًا لثلاثة من السكان الذين تحدثوا إلى موقع "ميدل إيست آي ".

حق الانتفاع هو الحق القانوني في استخدام الممتلكات بشكل مؤقت والاحتفاظ بأي ربح يتم الحصول عليه منها، وهو مستخدم على نطاق واسع في بعض البلدان النامية.

 وظل الوضع مستقرًا لنحو أربعة عقود، حتى عام 2019، عندما أعلنت محافظة بورسعيد انتهاء عقد إيجار الأرض من جانبها ورفضت استلام الدفعات السنوية الثابتة من السكان مقابل الوحدات، قائلة إنها أقل بكثير من القيمة الحالية للأرض.

ووصف محافظ بورسعيد "عادل الغضبان" الحي بأنه "حي عشوائي"، وقال إن عمليات الهدم جزء من خطط لجعل المدينة خالية من الأحياء الفقيرة وتطوير الجزء الغربي من بورسعيد.

وقال خلال مؤتمر مع عدد من الأهالي، اليوم الاثنين، "من حقنا تطوير هذه المنطقة، ليس لمصلحتنا، بل لكم ولأطفالكم".

 اتصل موقع "ميدل إيست آي" بمكتب الغضبان للتعليق على شكاوى السكان، لكنه لم يتلق ردًا حتى وقت النشر.

 

 "عمليات الإخلاء القسري غير القانوني"

 وقالت جماعات حقوقية وسكان إن قرار إنهاء العقد اتخذ من جانب واحد دون التشاور مع السكان.

 وذكرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، أن هيئة التخطيط العمراني، التي كلفها "عبد الفتاح السيسي" بتقديم البدائل، "منحازة" لقرار المحافظة بإخلاء السكان.

 ونُفذت عمليات الهدم أيضًا على الرغم من دعوات أعضاء البرلمان لاستكشاف حلول بديلة.

 وقد حصل موقع "ميدل إيست آي" على نسخ من ثلاثة بيانات قدمها نواب إلى الحكومة، والتي تطالب بالتعليق الفوري لأنشطة الهدم. ويدعوون إلى دراسة شاملة للبدائل التي يقترحها السكان، بما في ذلك رغبتهم المعلنة في شراء الأرض بقيمتها السوقية العادلة.

وقالت "مها أحمد"، محامية حقوق الإنسان في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن سكان الجميل يتعرضون "لعمليات إخلاء قسري غير قانونية".

وأضافت: "بدأت الحكومة عمليات الإخلاء القسري في الأول من فبراير، متجاهلة تمامًا الحلول التي اقترحها السكان لتطوير منطقتهم".

 تحظر المادة 63 من الدستور المصري صراحة أي شكل من أشكال التهجير القسري للمواطنين، وتعتبره جريمة جنائية لا تسقط بالتقادم.

وتابعت "أحمد": "ما يحدث حاليًا يشكل انتهاكًا لحق أساسي من حقوق الإنسان في السكن الآمن والملائم، مما أدى إلى نزوح مئات الأسر دون توفير البدائل".

وأضافت أن عمليات الهدم تشكل انتهاكًا لالتزامات مصر الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتعليق العام رقم 7 للجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي يتناول على وجه التحديد المادة 11-1 من العهد (المتعلق بالحق في مستوى معيشي مناسب، بما في ذلك الحق في السكن اللائق)، الذي يحظر عمليات الإخلاء القسري.

 

 "كدح والدي وذكرياتنا"

 قام الوالد ببناء منزل عائلة "رجاء" في أواخر السبعينيات. وبعد وفاته ورثت المنزل مع شقيقاتها الأربع.

 تروي "رجاء" أن والدها اضطر للعمل في الخارج لسنوات وتحمل الحنين إلى الوطن والوحدة لتأمين المال لأسرته لبناء هذا المنزل، غير مدرك أن ابنته ستواجه النزوح بعد أربعة عقود.

 وفي ديسمبر 2020، وافق المجلس الأعلى للتخطيط العمراني والتنمية على إعلان حي الجميل في بورسعيد منطقة إعادة تطوير. وهذا يعني، وفقاً للمادة 47 من قانون التخطيط العمراني رقم 3 لسنة 1982، أنه يجوز هدم العقارات في تلك المنطقة لأغراض التنمية والمنفعة العامة مع تقديم التعويضات لأصحابها وأصحاب الحقوق. هذا لم يحدث. ولم يتم تعويض أحد.

وعلاوة على ذلك، ووفقًا لشروط عقود الانتفاع بينهم وبين إدارة مجلس الحي، يجب على الحكومة تعويضهم في حالة إنهاء العقود. لكن لم يعرض عليهم أي مسؤول أي تعويض من هذا القبيل عن منازلهم.

 لكن "رجاء" قالت إن خسارتهم ليست مجرد تعويض مالي بل إن "قيمة المنزل ليست نقدية، إنها كدح والدي وذكرياتنا".

 لجأت "رجاء" وسكان الحي الآخرون إلى القضاء المصري كملاذ أخير لضمان حقوقهم المنصوص عليها في عقود الانتفاع.

وأوضح محامي عدد من الأهالي أن أراضي حي الجميل تم منحها على أساس عقود انتفاع سنوية قابلة للتجديد. ومع ذلك، بعد أربعة عقود من الاتفاقية الأولية، أنهت محافظة بورسعيد هذه العقود من جانب واحد دون استشارة السكان.

 كما رفضوا دفعات الإيجار السنوية للوحدات، زاعمين أن الحي أصبح حيًا فقيرًا ويتطلب إعادة التطوير.

 وأكد المحامي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن البدء في الهدم دون تعويض يخالف القانون المدني، وتحديدًا المادة 925. وشددوا على أنه طالما أن المحافظة سمحت بالبناء وأصدرت التراخيص، فإن الدولة ملزمة بتعويض المالكين.

 وقال العديد من السكان الذين تم إجلاؤهم لموقع "ميدل إيست آي " إنهم رفعوا دعوى قضائية أمام القضاء الإداري، لكنهم لم يتلقوا أي رد من المحكمة حتى الآن. وقد رفعوا القضية الآن إلى المحكمة الإدارية العليا.

 

 تكتيكات الإخلاء

 قال السكان، إن الحكومة استخدمت أساليب مختلفة بخلاف هدم المنازل بينما كان السكان لا يزالون بالداخل لإجلائهم قسرًا، بما في ذلك القطع المتعمد للكهرباء والمياه.

وقالت أم لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات في الحي، والتي اختارت عدم الكشف عن هويتها، إن زوجها احتُجز لمدة 24 ساعة للضغط عليهما لمغادرة منزلهما.

 وأضافت: "لقد كانت رسالة واضحة مفادها أنه إذا لم نغادر طواعية، فسيتم طردنا بالقوة".

وتابعت: "نحن ندرك أن المنزل قد يُهدم ولكننا نتمسك بلحظاتنا الأخيرة في هذا المكان".

وأوضحت أنه لم يبلغهم أي مسؤول بأي تعويضات. ومع ذلك، ناقش أحد المقاولين التعويض معهم، والذي تراوح بين 40 ألف جنيه مصري إلى 80 ألف جنيه مصري (850 إلى 1700 دولار أمريكي). وقالت إن المبلغ "غير عادل على الإطلاق".

وبحسب ساكن آخر، يتم استدراج الناس خارج منازلهم للتحدث مع المسؤولين المحليين، فقط لتبدأ الحفارات على الفور في الهدم عند مغادرتهم منازلهم.

ويقول الساكن الذي كان يعيش في فيلا خاصة به لمدة 42 عامًا لموقع "ميدل إيست آي": "لقد طلبوا منا الخروج لفترة وجيزة لإجراء محادثة، ولكن بينما كنا منخرطين في الحوار ونسعى للحصول على توثيق فيما يتعلق بأمر الهدم والإخلاء، صدمنا عندما شاهدنا الحفارات تهدم جزءًا من الفيلا الخاصة بنا".

كما اتهمت مواطنة، فضلت عدم الكشف عن اسمها، السلطات المحلية بالتخريب المتعمد لأنابيب المياه، مما أدى إلى فيضانات في الشوارع وإعاقة الحركة بشكل كبير.

وقالت: "لقد غمرت المياه الشوارع". 

ونشر سكان آخرون مقاطع فيديو وصورًا على مجموعتهم على فيسبوك تظهر أدلة على الأضرار.

 انهارت "رجاء" عندما هدمت الجرافات منزلها بالكامل يوم الخميس 14 مارس. وقالت لموقع "ميدل إيست آي": "كان هذا المنزل هو كل ما لدينا. نحن نحب بلدنا، ونتمنى لو لم يكن الأمر بهذه القسوة علينا".

https://www.middleeasteye.net/news/egypt-forcibly-evicted-residents-mediterranean-el-gameel-sell-land-port-said