قال مراقبون إن مصر مقبلة على وضع مماثل لما شهدته البلاد في نوفمبر 2016 عقب التعويم الأول للجنيه، مضيفًا أن الدولار سيواصل الارتفاع في مواجهة الجنيه، وذلك حتى تتوفر لدى السلطة التدفقات الدولارية التي تمكنها من ضخ كميات كبيرة من الدولار للبنوك وعندها يحدث التوازن، ويتم توحيد السعر في السوق الرسمي والموازي، ووقتها تظهر القيمة الحقيقية للعملة ويستقر السوق.

وقال تقرير لوكالة بلومبرج أن مصر تحولت إلى دولة مدمنة للقروض والديون، عندما  حفرت لنفسها فجوة هائلة من الديون. حيث سيقدم صندوق النقد الدولي (IMF) قرضًا بقيمة 8 مليارات دولار للبلاد، وهو خامس حزمة مساعدات خلال ست سنوات، مع استمرار التدهور المالي. مضيفا كل العالم قلق على مايجرى فى مصر الا شعبها.

المؤسسات المالية الدولية، ومنها وكالة بلومبيرج الأمريكية صمفت 60 دولة حسب الدين العام وتكاليف الفائدة والعائد على السندات الدولارية، فاحتلت دولة مصر المركز الثاني عالميا بعد أوكرانيا التي تدور على أرض حرب وغزو روسي.

 


8 أثمان باهظة للقرض

ورصدت ورقة بحثة لموقع "الشارع السياسي" أثمان باهظة لقرض صندوق النقد تتمثل في 

قرارات غير مجدية للحماية الاجتماعية:
ففي أول فبراير أعلن السيسي زيادة الحد ألدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه وهو ما لم يجد صدى واقعيا عند العمال في المصانع والذين يزيد عددهم عن 30 مليون عامل وموظف في القطاع الخاص.

وسبق لحكومة السيسي أن أعلن في أكتوبر 2022 عن حزمة إنفاق اجتماعي بقيمة 67 مليار جنيه، ورفع الحد الأدنى للأجور الحكومية والمعاشات، بنحو 300 جنيه.

الصدمة كانت في إعلان البنك المركزي تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، أصدر قرارات أخرى تضمنت رفع سعر الفائدة 6 % على الإيداع والإقراض، بهدف مواجهة الارتفاع الجنوني للتضخم الذي سيحدث بعد انخفاض قيمة العملة.

وخلال الفترة المقبلة من المتوقع اتخاذ قرارات أكثر إيلاماً للمواطنين من قبيل زيادة أسعار البنزين والكهرباء والخبز المدعم وهو ما يقوض آثار الاجراءات الحمائية الحكومية لمواجهة انفلات الأسعار والتضخم بل إن مسئولين حكوميين، صرحوا بعدد من القرارات المقوضة لسلسلة الاجراءات الحمائية، من عينة عدم شمول موظفي القطاع الخاص باستحقاق صرف العلاوة الاستثنائية، أو الخضوع للحد الأدنى للأجور.

 

زيادات سعرية غير مسبوقة وغير منضبطة

وأشارت الورقة إلى أنه مع تزايد أعباء الديون والعجز في الموازنة، تبدو الحكومة عاجزة مستقبلاً عن تقديم الدعم الكافي للمواطن في ظل ارتفاع معدلات التضخم عالمياً ومحلياً، وذلك نتيجة تسخير أغلب إيرادات الدولة وتوظيفها في مخصصات أقساط الدين وفوائده على حساب المخصصات التي تلمس المواطن بالدرجة الأولى، كالدعم والأجور والصحة والتعليم.

ووسط تداعيات التضخم العالمي التي تنعكس على الأسعار في الداخل؛ تشهد السلع في السوق المصرية ارتفاعاً ملحوظاً، ومن ذلك أسعار الأعلاف المستورد وهو ما يعني ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم وتحرك موازي لأسعار مئات السلع لأعلى بنحو 30 % على الأقل، وخاصة السلع الغذائية والزيوت والمنظفات والأدوية وغيرها.

الكثير من الشركات أوقفت عملياتها التجارية والبيع، حتى اعتماد تسعيرة جديدة وفق أسعار الدولار المتزايدة أمام الجنية، ومنها شركات الحديد والصلب والسيارات والملابس وغيرها.


تأثيرات أكبر وأشد من قرار التعويم 

المراقبون وضعوا تصورا إلى أي مدى سيدفع المصريون ثمن القرض الجديد، والتعويم المرن الذي أقدمت عليه الحكومة، والذي يمكن توقعه مع مطالعة النتائج السابقة التي ترافقت مع قرض العام 2016، والذي وصلت قيمته إلى 12 مليار دولار وتضمن برنامج الصندوق الذي استمر 3 سنوات.

حيث بدأت مصر سريعاً في تنفيذ العديد من الإجراءات الصادمة، ومنها خفض دعم الطاقة، تحديد ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر صرف الجنيه المصري وتركه للعرض والطلب، ورفع سعر الفائدة بنسبة 3%.

وخفضت الحكومة قيمة الدعم على المشتقات البترولية التي تشمل وقود السيارات والمنازل.

ورفعت سعر تذكرة مترو الأنفاق والمواصلات العامة، وخفضت الدعم على الكهرباء سواء للأغراض المنزلية أو الصناعية.

وبناء على هذه القرارات فقد معظم المصريين قيمة مدخراتهم وانخفضت قيمة الدخل الأساسي إلى مستويات متدنية، ولا يمكن للأرقام والإحصاءات وحدها أن تصور كارثية تبني سياسات صندوق النقد الدولي على الأوضاع المعيشية للمصريين.

وأدى ما كان يدعى بالإصلاحات الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات التضخم خلال الشهور التي تلت قرار التعويم حتى وصلت إلى نحو 35%.

وفي 2016 ، بعد أن كان قيمة الدولار 8.86 جنيه قبل التعويم، هوى إلى 18.89 جنيه، وفي تقرير للبنك الدولي، أشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة المصرية منذ 2016 أثرت سلباً على الطبقة المتوسطة، وأدت إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 32.5% بعد أن كانت 27.7%، وأن هناك تفاوتات جغرافية كبيرة في معدلات الفقر جعلتها تصل في بعض المحافظات إلى نسبة 60%.

البنك الدولي قد أصدر بياناً في شهر مايو2019، يتناول فيه برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتم بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي منذ 2016، وقال إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

وأشارت دراسة للدكتورة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة بني سويف، هند مرسي، أن توزيع الدخل الحقيقي في مصر يظهر أن أكثر من 50% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر العالمي الذي يعادل ما يقرب من 31 جنيهاً يومياً للفرد.

وأشارت الدراسة إلى أن ارتفاع خط الفقر القومي في مصر يعود إلى تدهور قيمة الجنيه بسبب السياسات الحكومية منذ 2014، التي أدت إلى تدهور مستويات المعيشة، وتحول فئات من الطبقة الوسطى المصرية إلى فقراء، بارتفاع قيمة خط الفقر.

وانخفاض قيمة الجنيه يعني عملياً انخفاض القوة الشرائية للجنيه في مقابل السلع المختلفة محلياً وخارجياً. ما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، واتساع نطاق الفئات والطبقات المهمشة وزيادة فرص عدم المساواة الاجتماعية.


زيادة التضخم
ويتوقع خبراء أنَّ السماح بتحديد سعر الصرف بناءً على قوى السوق يمكن أن يساعد في جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي في مصر، يرجح المحللون أيضاً أنه سيزيد الضغط على التضخم، الذي وصل إلى أعلى مستوى له خلال أربع سنوات عند 15% في سبتمبر على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء وتكاليف الوقود.

وأشاروا إلى أن التكلفة قصيرة الأجل لتعويم الجنية هي مزيد من الألم للمستهلكين المصريين؛ نظراً لأن ضعف الجنيه يقوض قوتهم الشرائية، في ظل اعتماد السوق المصري على أكثر من 70 % من احتياجاته من الاستيراد من الخارج.

انهيار القوة الشرائية للجنية

وبقرار التعويم في 2022 بلغت نسبته حوالي 16%، ووصلن نسبة انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار خلال ذلك العام 46%، وجرى خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار في مارس  الماضي بنسبة 16%، واستمر الانخفاض التدريجي خلال الشهور التالية بحوالي 8%، حتى الخفض الذي جرى وهو انخفض أكثر مع التعويم الجديد.


زيادة تكلفة التمويل

ويظل الأثر الأكبر الأسعار بالأسواق، في ضوء استيراد مصر حوالي 60% من الغذاء في مصر، وكذلك كون الصناعة المصرية تعتمد على نسبة 61% من مكوناتها من خلال الاستيراد، حسب بيانات النصف الأول من العام الحالي، مما يعني رفع الأسعار المحلية، والذي سيدعمه رفع نسبة الفائدة 6 % مما يزيد من تكلفة التمويل أيضاً لدى الشركات.

ومع ارتفاع الأسعار يقوم الحرفيون ومقدمو الخدمات من أطباء ومحامين ومهندسين وغيرهم برفع أسعار خدماتهم، للحصول على دخل يكفل لهم الحصول على نفس سلة الغذاء والخدمات التي كانوا يحصلون عليها قبل التعويم، مما يزيد من نطاق ارتفاع أسعار السلع والخدمات حتى للسلع غير المستوردة.

 

تأخر مشروعات البنية الأساسية الحكومية
ونتيجة للتعويم خفضت وزارة المالية مخصصات الاستثمارات الحكومية، فزيادة نسبة الفائدة بمعدل 1% تزيد من تكلفة خدمة الدين الحكومي بالموازنة بنحو 28 مليار جنيه حسب بيانات وزارة المالية، وبالتالي فإن زيادة الفائدة 6% معناها إضافة 168 مليار جنيه إلى مخصصات الفائدة بالموازنة، البالغة قبل هذا الرفع للفائدة 690 مليار جنيه في 2022.

وتوجه موازنة العام المالي نسبة لا تقل عن 54% حسب العام المالي 22/23 من الإنفاق بها إلى خدمة الدين الحكومي من فوائد وأقساط، فإن رفع الفائدة سيزيد من ذلك وهو ما يأتي على حساب خفض نفقات الدعم والاستثمارات، من مدارس ومستشفيات وطرق وبنية أساسية، وشراء السلع والخدمات التي تتجه للجهات الحكومية، مثل المستلزمات الطبية بالمستشفيات الحكومية والمستلزمات التعليمية بالمدارس الحكومية وحتى مدى توافر ورق الطباعة بالجهات الحكومية لأداء الخدمات وغير ذلك، بحسب الشارع السياسي.

ورجحت الورقة ومتابعون من أن حكومة السيسي ربما تقوم برفع تلك الأسعار كما رفعت أسعار الكهرباء بداية من السنة الجديدة لتجزئة تنفيذ طلبات الصندوق بخفض الدعم.


ليس حلا

الخلاصة بحسب الورقة كانت تأكيد أن "القرض  لن يحل أزمات مصر، وهو ما يمكن استنباطه من تقصي تجارب الاقتراض من الصندوق في كل من لبنان والارجنتين وزامبيا وغيرها من الدول المدينة للصندوق".

وأوضحت أن المشكلة لأغلب الدول المقترضة تكمن، في أنها "لا تملك أنظمة حكم ديمقراطية، بل العكس تمتاز بقدر كبير من الفساد، وانعدام الشفافية، فتذهب أموال القرض لتنفيذ مطالب الدول صاحبة الأموال (أغلبها الدول الأعضاء في صندوق النقد) الراغبة في الاستثمار بتلك الدولة، وبذلك بدلاً من أن تحسّن أوضاع الفقراء، تزيد من رفاهية الطبقة الحاكمة وأصحاب الأعمال داخل تلك الدولة، مما يزيد الإنتاجية والأسعار، مقابل زيادة شريحة الفقراء الذين تقطع من ضرائبهم الأموال لتسديد أموال القرض وفوائده".

وقالت: "في ظل نظام يقبع بمستنقع فساد، ولا يأبه بدراسات الجدوى ولا يعرف غير القوة، يتضح أن القروض لا تفيد، وإن وجدت فهي تدعم استمرار النظام القائم على إفقار المصريين وإهانتهم بوصفهم دائماً بـ"الفقراء أوي"، في مقابل زيادة الأغنياء من الجيش وأصحاب الأموال".


ونبهت إلى أن بيئة الاستبداد والقمع الحاكمة لمصر، تعظم فرص الفقر والغلاء وسط اسكات سلطوي للرأي وحريات التعبير، وهو ما قد يقود لانفجار مجتمعي إثر تصاعد الإسعار بصورة كبيرة وغياب الرقابة على الأسواق وانشغال المؤسسات الأمنية بتأمين كرسي الحاكم فقط دون معالجة الأوضاع الاجتماعية المضطربة بفعل الغلاء وتقلص المدخرات وانهيار القوة الشرائية للجنية.