تواصل إسرائيل، منذ فجر اليوم الاثنين، الاحتفاء بـ “العملية الدموية” لتخليص اثنين من المحتجزين في منطقة رفح، في الليلة الفائتة، والتي تخلّلها قتل نحو 100 من الفلسطينيين، وإصابة مئات من المدنيين، وفق مصادر طبية فلسطينية، نتيجة قصف عشوائي، وأحزمة نارية رافقت العملية، وطالت البيوت والمباني التي لجأ لها عددٌ كبير من اللاجئين.
وتعكس الاحتفالية الواسعة في الجانب الإسرائيلي تعطّشه لأي مكسب في حرب دخلت شهرها الخامس دون تحقيق أهدافها المعلنة، رغم تدمير القطاع.
تفاصيل مجزرة رفح وفقًا للرواية الصهيونية
روى متحدث الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، ما قال إنها تفاصيل "تحرير" أسيرين فجر الاثنين، في عملية عسكرية برفح ارتكبت خلالها مجازر وفق حركة حماس.
وقال هاغاري في مؤتمر صحفي: "الليلة الماضية، عند الساعة 1: 49 فجرًا، اقتحمت القوات الخاصة مبنى في قلب رفح"، رغم التحذيرات الدولية من تداعيات اجتياح المدينة.
وزعم أنه "في الطابق الثاني من المبنى تم احتجاز لويس هير، 70 عامًا، وفرناندو مرمان، 60 عامًا، من قبل مسلحين من حماس كانوا في المبنى وفي مبانٍ مجاورة".
ووفق رواية هاغاري، "منذ لحظة اقتحام الشقة من وحدة مستعربين، اندلعت معركة شرسة تخللها تبادل كثيف لإطلاق النار، في عدة أماكن بشكل متزامن، في مواجهة العديد من المسلحين".
وأضاف: "وبدءًا من الساعة 1: 50 فجرًا شرع سلاح الجو وقيادة المنطقة الجنوبية بتطبيق غطاء نيران جوي، من أجل السماح للقوة بضرب مسلحي حماس".
و"في هذه المرحلة سحب الجنود لويس وفرناندو من الشقة وأنقذوهما تحت النيران، بمرافقة قوات الجيش الإسرائيلي التي وفّرت لهم الحماية في منطقة رفح حتى وصولهم إلى بر الأمان"، وفق ادّعائه.
وأفاد هاغاري أنهما "خضعا لفحص طبي أوّلي من قبل القوات في الميدان، وتم نقلهما على متن مروحية برفقة جنود الوحدة 669 لمتابعة العلاج الطبي في المركز الطبي شيبا في تل هشومير، حيث التقوا بأفراد عائلاتهم".
ووصف متحدث الجيش الإسرائيلي العملية بأنها كانت "معقدة تحت النار في قلب رفح، تمّت بناءً على معلومات استخباراتية حساسة للغاية وعالية الجودة من شعبة الاستخبارات وجهاز الأمن العام".
وذكر أن "رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (هرتسي هاليفي) حضر مع رئيس جهاز الأمن العام (رونين بار) والمفوض العام للشرطة (يعقوب شبتاي) في غرفة القيادة الأمامية التابعة لجهاز الأمن العام، برفقة غيرهم من القادة، وقد اتخذوا من هناك القرارات، وتتبعوا وقادوا القوات المشاركة في العملية".
كما أضاف هاغاري أن "رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ووزير الدفاع (يوآف غالانت) هما الآخران حضرا إلى غرفة القيادة الأمامية خلال الليلة ليتابعا مجريات العملية، وكانت عبارة عن ليلة متوترة ومؤثرة للغاية"، وفق تعبيره.
وكانت رفح شهدت ليلة دامية راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى إثر غارات إسرائيلية عنيفة، واشتباكات بين المقاومين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي شمال غرب المدينة المكتظة بالنازحين، في تجاهل إسرائيلي واضح للتحذيرات الدولية.
وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء الأحد وفجر الاثنين، قصفًا عنيفًا استهدف نازحين قرب الحدود المصرية ومنازل سكنية، كما قصفت الزوارق الحربية شاطئ البحر، وفقًا لـ"الأناضول".
وذكر أنه دارت اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات خاصة من الجيش الإسرائيلي توغلت شمال غرب رفح، إلى جانب إطلاق الطيران المروحي نيران أسلحته الرشاشة تجاه المواطنين والنازحين.
وتسابقَ مسؤولون إسرائيليون في الإشادة بالعملية وبالجيش، الذي اتهم بالفشل الذريع في السابع من أكتوبر، فقال وزير الأمن يوآف غالانت إنها عملية تخليص تترك أثرًا مثيرًا، نجحت باستعادة اثنين من المخطوفين منوّهًا بتقديره “البالغ لقوات الجيش والمخابرات والشرطة التي قامت بعمل نوعي”. (شاهد من هنا).
https://twitter.com/qudsn/status/1756953065242943636
حماس: الهجوم على رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية
ومن جهتها، قالت حركة حماس إن هجوم “جيش الاحتلال النازي” على مدينة رفح فجر اليوم، وارتكابه المجازر المروعة ضد المدنيين العزل والنازحين من الأطفال والنساء وكبار السن، والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء حتى الآن، يُعَدُّ استمرارًا في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري التي يشنها ضد شعبنا الفلسطيني.
وأضافت حماس في بيان لها أن هجوم “جيش العدو الإرهابي” على مدينة رفح إنما هو جريمة مركّبة، وإمعان في حرب الإبادة الجماعية، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".
وشدد على أن ذلك توسيع لمساحة المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد شعبنا؛ نظرًا للأوضاع المأساوية التي تعيشها هذه المدينة بسبب تكدّس قرابة 1.4 مليون مواطن فيها، وتحوّل شوارعها إلى مخيمات للنازحين، يعيشون في ظروف غاية في الصعوبة والقسوة، نتيجة افتقارهم لأدنى مقومات الحياة.
وشددت على أن “حكومة نتنياهو الإرهابية وجيشه النازي تضرب بعرض الحائط قرارات محكمة العدل الدولية التي صدرت قبل أسبوعين، وأقرّت تدابير عاجلة تتضمن وقف أي خطوات يمكن اعتبارها أعمال إبادة”.
وحمّلت الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن شخصيًا كامل المسؤولية مع حكومة الاحتلال عن هذه المجزرة، بسبب الضوء الأخضر الذي أعطوه لنتنياهو أمس، وما يوفروه له من دعم مفتوح بالمال والسلاح والغطاء السياسي لمواصلة حرب الإبادة والمجازر.
ودعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومجلس الأمن الدولي، إلى التحرك العاجل والجاد، لوقف العدوان الصهيوني وجرائم الإبادة الجماعية المتواصلة على المدنيين العزل في قطاع غزة، (شاهد من هنا).
https://twitter.com/qudsn/status/1756957286428254267
تأثير العملية على “حماس” والصفقة المتداولة
وتعكس هذه الاحتفالية الواسعة في إسرائيل ليس تسابقًا بين السياسيين على كسب النقاط فحسب، بل تدلّل على طول انتظار الإسرائيليين لتحوّل إيجابي من طرفهم في الحرب.
نجحت العملية- المغامرة الإسرائيلية بتخليص اثنين من المحتجزين، الذين بقي منهم 134 محتجزًا داخل القطاع، وتزامنًا مع اليوم التاسع والعشرين بعد المائة من حرب متوحشّة على غزة، دون تحقيق أهدافها المعلنة، فهي تنطوي على انتصار معنوي موضعي، يعكس نجاحًا استخباراتيًا إسرائيليًا، لكنه ليس إستراتيجيًا، ولا يغيّر في واقع الحرب، وفي حقيقة أن إسرائيل فشلت باستعادة المحتجزين عنوة، إلا في تخليص جندية واحدة، قبل نحو شهرين، في عملية لم يُفصح عن معالمها، وفقًا لصحيفة "القدس"، (شاهد من هنا).
https://twitter.com/qudsn/status/1756955408873226687
رغم الاحتفالية الواسعة، ولحدّ معيّن بسببها سيستصعب جيش الاحتلال استنساخ عملية التخليص، فمن المرجّح أن تستخلص المقاومة الفلسطينية الدروس المتعلقة باحتمالات مهاجمة مواقع احتجاز الأسرى، حماية هذه المواقع، أمن المعلومات، بل إن أيّ تجربة جديدة على غرار عملية الليلة الفائتة ستعني إعدام محتجزين إسرائيليين أيضًا، مهما كانت عملية المباغتة كبيرة وأحزمة النار المحيطة واسعة.
كذلك من المستبعد أن تؤثّر العملية الدموية في رفح على “حماس” ودفعها لتليين موقفها، وعلى احتمالات صفقة جديدة، إذا كانت هناك أصلًا رغبة حقيقية لدى إسرائيل بها، إذ هناك مؤشّرات كثيرة ترسم علامات شكّ حيال نواياها. وهذا ما دفع عائلات المحتجزين الإسرائيليين لاتهام نتنياهو بالتنازل عنهم، وتهيئة الشارع الإسرائيلي لضرورة تقديمهم “كبش فداء”، وذلك من خلال حملة شيطنة وأخبار كاذبة يطلقها نتنياهو من خلال أبواقه، وهذا ما أبلغته العائلات لوزير الخارجية بلينكن قبيل مغادرته البلاد، يوم الأربعاء الماضي.