"قليل دائم خير من كثير منقطع"، هكذا يطبق المصريون هذه القاعدة الفقهية في تعاملهم مع شراء حلوى المولد التي اعتادوا تناولها في هذه المناسبة، وذلك بعد ارتفاع أسعارها بصورة جنونية.

وقد دخلت حلوى المولد إلى مصر مع دخول العبيديين المؤسسين للدولة الفاطمية عام 969 ميلاديًا، حيث ابتكروا أشكالا من الحلوى المصنوعة على شكل حصان والعروسة من السكر الملون، فأصبحت جزءًا من التراث الشعبي، الذي يُحتفى به الصغار والكبار.

لكن ارتفاع الأسعار أدى إلى انكماش شديد في الطلب على السلع لتراجع القوة الشرائية لعموم المواطنين.

ومع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، يقول صناع الحلوى والبائعون والزبائن إن أسعار المواد الخام ارتفعت بسبب وجود أزمة في العملة الصعبة، مما أدى إلى انخفاض الطلب.

وارتفعت أسعار الحلوى بنسبة 50٪ للأنواع الشعبية، منها السمسمية والحمصية والفولية والبسبوسة، متأثرة بتراجع قيمة الجنيه وزيادة أسعار الدقيق والسكر والمكسرات والدهون، وبدء دخول المدارس والجامعات حيث توجه الأسر جل ميزانيتها لشراء مستلزمات المدارس ودفع المصروفات.

وما يتبقى لدى 60٪ من أفراد الشعب الذين أصبحوا على حافة الفقر أو ما دون ذلك وفقًا للمعدلات الدولية، تلتهمه الدروس الخصوصية وباقي النفقات الضرورية.

 

"الحركة مش زي الأول"

وقال ياسر عنتر، وهو أحد الزبائن "طبعًا الحاجة غليت والسكر دلوقتي بقى بكام، فإللي كان بياخد كيلو الحلاوة بخمسين بستين بسبعين، النهاردة أقل كيلو حلاوة بتمانين جنيه (نحو دولارين)، هنعمل إيه يعني لسه مولد النبي الأسبوع ده ولسه في ناس مقبضتش، فربنا يسهل ويفرجها على الناس كلها"، وفقًا لموقع "الحرة".

وقالت بائعة الحلوى أم يونس "فرق الأسعار بتاعة السنة إللي فاتت والسنة دي في فرق شاسع، الحاجة كانت بعشرين بتلاتين، دلوقتي كل حاجة اختلفت (..) كل حاجة ليها سعر، مش زي السنة إللي فاتت أنت كنت بتجيب وتخزن، السنة دي أنت بتجيب على الأد (المتاح) عشان بردو (أيضًا) مش زي الأول والدنيا غليت على الكل مش عليا أنا بس ولا على الناس، لأ حتى الحركة مش زي الأول".

وارتفع معدل التضخم في مصر إلى مستويات قياسية، وكشف نقص العملة الأجنبية المزمن منذ أوائل عام 2022 عن مشكلات اقتصادية متجذرة.

 

متوسط أسعار الحلوى

بلغ متوسط أسعار الكيلو من حلوى العلفة السمسمية 380 جنيهًا، وقرص السمسمية والحمصية 230 جنيهًا، والقشطة السادة 280 جنيهًا، والساندوتش روول، 280 جنيهًا، والحلوى النواعم 280 جنيهًا والكنافة بالقشطة 380 جنيهًا، والحجازية بالبندق 350 جنيهًا، والحجازية بالقرفة 360 جنيهًا والبسيمة 250 جنيهًا، والفطيرة بالسمن البلدي 130 جنيهًا.

تباع علبة الحلوى الاقتصادية من 60 إلى 75 جنيهًا، وهي عبارة عن تشكيلة من قطع الحلوى الصغيرة، والتي تحتوي على 8 إلى 10 قطع وأخرى تباع ما بين 90 إلى 120 جنيهًا، تصل إلى 340 جنيهًا للعلبة المتوسطة، و750 جنيهًا للعلبة الأكبر، و2500 جنيه للمقاسات الكبيرة، وفقًا لـ"العربي الجديد".

تعتمد معظم المحلات على بيع القطع منفرد وخاصة قرص الفولية والسمسمية الذي يبدأ من 10 جنيهًات، يصل على 60 جنيهًا لقرص المكسرات.

يعرض أمين طلعت "الهريسة" والحجازية، التي اشتهر به محله الشهير منذ نشأته في ستينيات القرن الماضي، بمدينة الإسكندرية، مبينًا أن ارتباط العملاء بمنتجه، يرجع إلى عدم تغيير مكونات التصنيع، وخاصة استخدام السمن البلدي، وعدم الاعتماد على أية زيوت أو دهون أخرى في صناعة الحلوى.

أضاف "طلعت" أنواعا جديدة من الحلوى الغربية، مثل الريتشا والتركي التي تحتوي على كميات كبيرة من المكسرات، وترفض منافسة منتجات السوريين الذين جاؤوا بالحلوى الشامي إلى مصر، بعد اندلاع الحرب هناك منذ 10 سنوات، خاصة أنها تعتمد على مكونات كبيرة من المكسرات غير المتوافرة وباهظة الثمن حاليا. 

 

حيل من التجار للبيع

وحتى يستطيع التجار بيع حلوى المولد التي أعرض عنها الناس بشكل كبير هذا العام، فإنهم يضطرون إلى بيع كل قطعة منفردة عن نفسها لتناسل الحالة الاقتصادية للمواطنين.

يقول أيمن آدم، مدير معرض حلوى، إن شركته تعلق أسعار كل قطعة منفردة ووزنها، وبالنسبة للعبوات، تبدأ بأوزان 500 جرام، مع وضع بيان مكتوب بخطوط واضحة أن السعر المعلن لوزن نصف كيلو حتى يكون المشتري على بينة من أمره، قبل اتخاذه أي قرار.

كما اخترع مصنعون إنتاجًا جديدًا مثل حلوى الفنكوش والعكاوي ومربى الفستق، وحلوى السندوتش والفخفخينة، وكرسبي، وجميعها أنواع تقليدية تعرض بشكل وأحجام جديدة، بأسعار شعبية، بهدف جذب المستهلكين غير القادرين على مواجهة الزيادة في أسعار حلوى المولد.

وتضاعفت أسعار السكر من متوسط 14 جنيهًا إلى 34 جنيهًا حاليًا، وزادت أسعار العسل بجميع أصنافه وأنواعه، والدقيق والمواد الخام، بنفس المعدلات، خلال عام، وذلك بعد قفزات هائلة شهدتها السلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج، منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، واكبها فرض قيود على استيراد مستلزمات الإنتاج، وتراجع كبير بقيمة الجنيه الذي فقد أكثر من 50٪ من قيمته بالسوق الرسمية، أمام الدولار والعملة الصعبة.