قال معهد الموارد العالمية إن 25" دولة في العالم تضم ربع سكان الأرض مهددة بشح المياه، بسبب الإجهاد العالي لمواردها المائية المتاحة، من بينها مصر و14 دولة عربية".
وحذر معهد الموارد العالمية من أن آثار شح المياه لن تتوقف عند المستهلكين والصناعات المعتمدة على المياه، بل قد تهدد الاستقرار السياسي في مناطق من العالم، وتقود إلى موجة هجرة ونزوح واسعة.
التقرير لم يستثن مصر من التهديد بالجفاف، واستعان المعهد بتصريحات رسمية لمسؤولين في مصر التي وُصفت يوما بـ "هبة النيل"، إذ حذر وزير الري بحكومة السيسي هاني سويلم، الثلاثاء الماضي، من أن بلاده تقترب من "خط الشح المائي" بنصيب يقارب 500 متر مكعب للفرد سنويا.
وأشار المعهد إلى تصريح الوزير من أن "مصر تواجه تحديات عديدة في مجال المياه نتيجة لمحدودية مواردها المائية"، مؤكدا أن ذلك "يستلزم اتخاذ إجراءات عديدة لتحقيق مبادئ الحوكمة في الإدارة للتعامل مع هذه التحديات".
وتتخوف مصر من أن يؤثر سد النهضة الإثيوبي على حصتها السنوية من المياه المقدرة بنحو 55.5 مليار متر مكعب.
إجهاد مائي
وأشار التقرير إلى أن الجفاف أحد أكبر الأخطار تهديدا للعديد من الدول العربية، مدفوعا بتغير المناخ وما أفرزه من ارتفاع كبير في درجة الحرارة ونقص الموارد المائية، ما ألقى بمواطني دول كثيرا ما اشتهرت بالزراعة ووفرة المياه بين أنياب العطش.
وأضاف أن "الإجهاد المائي الشديد يطلق على البلد الذي يستخدم ما لا يقل عن 80% من إمداداته المتاحة، فيما يعني الإجهاد المائي المرتفع أنه يسحب 40% من إمداداته".
دول الخليج
وعلى رأس قائمة الدول الأكثر تضررا التي أوردها التقرير، جاءت البحرين وقبرص وقطر والكويت ولبنان وعمان، كما تضم القائمة تونس والإمارات واليمن والعراق ومصر وليبيا والأردن والمملكة السعودية وسوريا.
وأشار التقرير إلى تزايد أزمة المياه في منطقة الخليج الواقعة في الحزام الصحراوي، خلال السنوات الأخيرة الماضية، مع تراجع معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وانعدام الأنهار العذبة.
ولفت إلى أن منطقة الخليج شهدت زيادة كبيرة في عدد السكان، (60 مليون نسمة) مع ظهور النفط وتزايد موجات الوافدين للعمل فيها، ما شكل ضغطا على مواردها المائية المحدودة، بحسب التقرير.
وقال مراقبون: إن "السحب الكبير من المياه الجوفية في دول الخليج، تسبب في ارتفاع نسبة الملوحة فيها وتلوثها وخروج الكثير منها خارج نطاق الخدمة".
وارتفع استهلاك المياه في دول الخليج بمعدل 6 أضعاف، من 6 مليارات متر مكعب في الثمانينيات إلى 36 مليار متر مكعب عام 2018.
وبحسب التقديرات، تشهد السعودية وحدها زيادة سنوية بنسبة 8.1% في الطلب المحلي على المياه على مدار الثلاثين عاما المقبلة.
وأرشد التقرير إلى تحذيرات (التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ (IPCC)، من حدوث تغيرات مناخية كبيرة في دول الخليج وارتفاع بمعدل 1-2 درجة مئوية بحلول عام 2050، مع موجات حر شديدة ومتكررة، وزيادة ندرة المياه ومسببات الجفاف، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على الزراعة والأمن الغذائي.
شمال إفريقيا
وأشار المعهد إلى تقرير البنك الدولي الذي تحدث عن أزمة المياه وتقلص تساقط الأمطار في شمال أفريقيا، حتى في الشتاء، وتراجعت هذه البلدان إلى ما دون عتبة "الفقر المائي" (1000 متر مكعب في السنة لكل فرد)، محذرا من أنه قد يتراجع هذا المعدل إلى ما تحت 500 متر مكعب للفرد، بحلول العام 2030.
ويعاني المغرب من شح مائي شديد في ظل أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ أربعة عقود، وتسببت درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير مسبوق في المغرب ما أدى لتبخر ملايين الأمتار المكعبة من الماء، ما ينذر بتعميق أزمة العطش التي تشهدها المملكة.
حيث انخفضت نسبة ملء السدود خلال الـ 3 أشهر الأخيرة بنسبة تزيد عن 5%، أي أن نحو 821 مليون متر مكعب من الماء قد تبخر.
ويصنف المغرب ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، إذ تبلغ حصة الفرد من المياه أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، بعدما كانت 2500 متر مكعب عام 1960، إلا أن هذه الكمية قد تنخفض أيضا لأقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030 نتيجة تراجع هطول الأمطار وارتفاع درجة الحرارة التي تزيد من نسبة الفقد والتبخر.
وتواجه تونس أزمة جفاف هي الأخطر، ما دفع وزارة الزراعة أخيرا إلى فرض قيود على استخدام المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية، وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، بحسب التقرير.
وتراجعت نسبة الأمطار في تونس بشكل كبير خلال 2023 ولم تتجاوز نسبة امتلاء السدود 31% ليصل بعضها إلى أقل من 15% في البلد الذي يعتمد اقتصاده أساسا على الزراعة.
ويحصل 57% فقط من التونسيين على مياه شرب ذات جودة، فيما لا يزال 250 ألف شخص يستخدمون مياه شرب غير معالجة معظمها من آبار أو ينابيع، حسب المرصد التونسي للمياه (حكومي).
وفي الجزائر التي تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار في قطاعها الزراعي وخاصة زراعة الحبوب، شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة الماضية حالة جفاف ألقت بظلالها على المحاصيل الموسمية، في وقت تشغل فيه الجزائر 211 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي وتمتلك 85 سدا مستغلا، إضافة لـ15 محطة لتحلية مياه البحر في ولايات ساحلية تستعمل لتزويد السكان بماء الشرب، لكنها لم تعد كافية في ظل الوضع المناخي الجديد ما جعل الحكومة في سباق مع الزمن لإنجاز المزيد من محطات تحلية مياه البحر.
وفي وقت سابق من العام الجاري، أطلقت الجزائر وكالة مستقلة لتحلية مياه البحر، في إطار مساعي الحكومة لتحقيق الأمن المائي ومواجهة خطر الجفاف والتغيرات المناخية.
الأكثر جفافا
واعتبر التقرير ليبيا من أكثر الدول جفافا في العالم، فنسبة الاستهلاك أكبر بكثير من نسبة التغذية السنوية للمياه الجوفية، مع قلة الموارد المائية الطبيعية، وشح الهطولات المطرية السنوية.
ومنذ شتاء العام 2020، تعاني ليبيا من انخفاض كبير في معدل هطول الأمطار، حيث تراجع المعدل من ملياري متر مكعب من المياه سنويا، بنسبة تزيد على 75 %، وباتت السلطات مجبرة على استيراد نحو 75 % من غذائها اللازم لتلبية الاحتياجات المحلية، وفقا للبنك الدولي.
الأكثر معاناة
والأردن في المرتبة الثانية بين الدول الأكثر معاناة من شح المياه، وتعد موارد المياه في الأردن من الأضعف على مستوى العالم، حيث يبلغ المعدل السنوي لهطول الأمطار 95 ملميترا تقريبا، وتشكل المياه الجوفية والسطحية ما نسبته 85 % من المصادر المتاحة.
وتعاني الأردن من انخفاض حاد في وفرة المياه العذبة، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية المتاحة 97 مترا مكعبا سنويا، وهو ما يقل كثيرا عن الحد المطلق لشح المياه، والبالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا، ويشكل النمو السكاني وتدفق اللاجئين إلى المملكة خلال العقد الماضي ضغطا كبيرا على أنظمة تقديم الخدمات المائية.
وفي يونيو الماضي، وافق البنك الدولي على تمويل بقيمة 250 مليون دولار، لتحسين كفاءة الخدمات المائية في الأردن، من إعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، إلى تحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وتعزيز منظومة إدارة الجفاف.
مياه دجلة
وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، حذر خلال أغسطس من أن "ما يواجهه العراق من ارتفاع في درجات الحرارة وجفاف هو بمثابة إنذار للعالم أجمع، معتبرا أن العراق من الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي.
وأضاف "تورك"، خلال جولة له في العراق، وقد بلغت درجات الحرارة 50 درجة مئوية "الحقول جرداء ورازحة تحت وطأة الجفاف".
وللعام الرابع على التوالي يواجه العراق موجة جفاف شديدة، نتيجة تراجع معدل هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى سدود تبنيها الجارتان تركيا وإيران على منابع دجلة والفرات، حيث انخفض استهلاك الفرد العراقي من نهري دجلة والفرات بمقدار 38.7% للعام 2020-2021، مقارنة بالعام 2019-2020.
وتراجعت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022، من 11 مليونا و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة، وفق وزارة الزراعة العراقية.
وقال ممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أوكي لوتسما: إن "مناطق الأهوار الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي"، منوها بأن "السنوات الأخيرة شهدت زيادة في درجات الحرارة ووصولها إلى أكثر من 55 درجة مئوية، ما زاد من تواتر وشدة نوبات الجفاف".
تفاقم الجفاف
ويعاني 18 مليونا من السكان في اليمن من عدم القدرة على الحصول على المياه المأمونة، ويواجه اليمنيون انخفاض منسوب الأحواض الاستراتيجية الخمسة.
وسبق أن أشارت "الفاو" في تقرير لها، إلى أن "تقلبات الطقس نتيجة تغير المناخ في اليمن تدفع انعدام الأمن الغذائي والجوع إلى مستويات مقلقة، في الوقت الذي تعجز أغلب الأسر عن شراء الغذاء من الأسواق مع ارتفاع أسعار الأغذية عالميا".