لا تنقطع الأزمات في الشارع المصري، فما إن يمسي المواطن على أزمة إلا ويتصبح بأخرى، حتى طالت الأزمات طعامه وشرابه وماله، وهشاشة القدرة الشرائية لأغلب الأسر بسبب ارتفاعات التضخم، وأصبح مجبورًا أن يعيش في الظلام عددًا من الساعات كل يوم، وأن ينظر بعيني رأسه إلى أحلامه التي تبخرت تحت أوهام وكذب حكومة الانقلاب منذ عشر سنوات مضت وحتى اليوم.

وفي الوقت الذي يزيد فيه التضخم وترتفع الأسعار وتتآكل مدخرات البيوت لم تقم حكومة الانقلاب برفع الرواتب بما يتماثل مع زيادة التضخم والأسعار حتى انعكس ذلك على عادات وأنماط الاستهلاك لدى كثير من المواطنين.

ويزداد غضب المواطنين "المكبوت" كل يوم، إلا أنهم لا يعبرون عنه إلا بالتنكيت أو التبكيت، أما الفعل الواضح والاعتراض الصريح فلا محل لهما من الإعراب.

ومن هذه الأزمات التي تعصف بحياة المواطنين كل يوم ما نسوقه في سياق التقرير التالي:

 

انقطاع الكهرباء

تزامنًا مع أزمة السجائر التي تعكر مزاج المصريين، تعاني البلاد من انقطاع الكهرباء بشكل يومي ومتكرر منذ قرابة 20 يومًا لمدة تصل لنحو الساعة أو ما يزيد عنها بسبب زيادة الضغط على إمدادات الغاز في شبكة الكهرباء نظرًا لارتفاع درجات الحرارة.

تسببت موجة الحر الشديدة في زيادة معدلات استهلاك الكهرباء، ما زاد من حجم استهلاك الغاز المستخدم في محطات الكهرباء، وإحداث ضغط شديد على الشبكات، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ضغوط الغاز في الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء، وهو ما دفع حكومة الانقلاب للإعلان عن قطع التيار الكهربائي بشكل منتظم في معظم المحافظات من أجل تخفيف الأحمال.

حققت مصر رقمًا قياسيًا من صادرات الغاز العام الماضي، حيث بلغت 8 ملايين طن بقيمة 8.4 مليار دولار، مقارنة مع 3.5 مليار دولار خلال عام 2021.

تشير بعض التوقعات إلى أن أزمة انقطاع التيار الكهربائي قد تستمر حتى الأسبوع الأول أو الثاني من شهر سبتمبر على أقصى تقدير.

 

خفض جديد للجنيه

بخلاف ما سبق، تعاني مصر من شح في العملة الأجنبية جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، دفعها لخفض الجنيه أكثر من 3 مرات منذ مارس 2022، حتى وصل سعر الصرف الرسمي من 15.6 جنيه إلى 30.9 جنيه لكل دولار.

وأسهمت هذه الانخفاضات في ارتفاعات قياسية لمعدلات التضخم وفاقمت من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها، وفرضت الحكومة قيودًا على الاستيراد بداية العام الماضي بسبب شح العملة نتج عنها خلل في عمليات الإنتاج للعديد من المصانع والشركات.

بلغ معدل التضخم في المدن المصرية أعلى مستوى له على الإطلاق في يونيو الماضي مسجلًا 35.7%، من 32.7% خلال مايو.

وطفت على السطح مؤخرًا العديد من التكهنات حول خفض رابع للعملة المحلية تمهيدًا لإتمام المراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد الدولي والذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار. وعزز من هذه التكهنات رفع البنك المركزي معدلات الفائدة إلى 19.25% و20.25% على الإيداع والإقراض. 

كان من المقرر أن تتم المراجعة الأولى لصندوق النقد الدولي في مارس الماضي لكنها تأخرت مرارًا بسبب تأخر حكومة الانقلاب في تنفيذ العديد من الاشتراطات كان منها انتهاج سياسة مرنة لسعر الصرف وتحريك أسعار الوقود وبيع بعض أصول الدولة كخطوة لتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي.

وتتعالى أصوات المؤسسات الدولية بضرورة إجراء خفض جديد للجنيه خلال سبتمبر أو أكتوبر المقبلين، رغم تصريحات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي بأن بلاده لن تسمح بخفض جديد للعملة يؤثر على أمن مصر القومي وعلى حياة المواطنين.

كل ما سبق يدور يوميًا في أذهان المصريين سواء أكان صاحب عمل أو ورب أسرة أو أم معيلة أو شاب في مقتبل العمر، وتثير تساؤلات: متى ينتهي شبح التضخم وانخفاض الجنيه ومتى تختفي أزمة الدولار والكهرباء؟

 

نقص الدولار يخنق الأعمال

وتعاني مصر في هذه الأيام من أسوأ أزمةٍ لنقص الدولار عبر سنوات، إلى الحد الذي تسبب في تخفيض الواردات، ومعاناة القطاع الصناعي، وتأخير جذب المستثمرين، ونشاط السوق السوداء.

ونشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية تقريرًا عن “أسوأ أزمة عملات أجنبية تواجهها مصر منذ سنوات”، أن رواد أعمال حذروا من أن عدم اليقين بشأن سعر الصرف في مصر يخنق الأعمال ويعيق قدرتهم على التخطيط والاستثمار.

 

وقالت الصحيفة إن أرقام البنك المركزي تُظهر هذا الشهر انخفاض الواردات في النصف الثاني من عام 2022 إلى 37 مليار دولار، مقارنة بحوالي 42 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

ويعاني قطاع الاستيراد والتصدير من أزمة حادة منذ أكثر من سنة، وتتفاقم حاليًا، بسبب التضارب بين شروط البنك المركزي بالحصول على العملة الأجنبية اللازمة لإتمام صفقات الاستيراد والتصدير من خلاله فقط، وبين نقص الدولار في البنوك.

ويوضح المصرفيون سبب الانخفاض بأن هناك مصريين بالخارج يبيعون عملاتهم الأجنبية في السوق السوداء أو يحتفظون بها في توقع انخفاض قيمة الجنيه.

وقال تقرير الفايننشال تايمز إن سلسلة خفض قيمة الجنيه منذ مارس من العام الماضي، أدت لفقدان العملة المصرية نصف قيمتها، ومع هذا فقد فشلت في تعزيز تدفقات النقد الأجنبي.

وقال مصرفي مصري كبير للفايننشال تايمز إن هناك عملة أجنبية كبيرة في البلاد، تم جمعها من السياحة ومصادر أخرى، لكن الناس يحتفظون بالدولار في لتحقيق مكاسب أكبر من خفض قيمة الجنية أكثر.

ومن المتوقع حدوث تخفيض جديد في قيمة العملة، كما يقول الاقتصاديون وقادة الأعمال. لكن نقص الدولار أدى إلى ظهور سوق سوداء للعملات الأجنبية.

 

تنامي أزمة الديون

تدخل مصر الربع الثالث من عام 2023 وهي مثقلة بالديون الضخمة، إذ يتعين عليها سداد 15.3 مليار دولار منها في الربع الثالث من العام الحالي، وفقًا لبيانات "البنك الدولي".

وتنقسم الأموال التي ينبغي على مصر سدادها إلى:

-  2.8 مليار على الحكومة.

- 8.3 مليار دولار على البنك المركزي؛ منها 7.7 مليار دولار ودائع، ومعظمها ودائع الخليج التي تجدد باستمرار.

- يتعين على البنوك أن تسدد 2.5 مليار دولار.

- القطاعات الأخرى 1.566 مليار دولار.

وكان رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، قد صرح منذ أيام بأن الدين الخارجي على مصر وصل لـ 165 مليار دولار، موضحًا أن الدولة تدرك تمامًا حجم الدين الخارجي، ولذلك توجه القروض الخارجية لمشروعات البنية التحتية.

يأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع السندات المصرية المقومة بالجنيه، المتداولة في بورصة "لوكسمبورج"، ضمن المنتجات المهيكلة لبنوك الاستثمار الأمريكية "جولدمان ساكس"، و"جي بي مورجان".

 

اتساع عجز صافي الأصول الأجنبية

أفادت بيانات البنك المركزي الصادرة باتساع عجز صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال يونيو الماضي بنحو 2.654 مليار دولار ليرتفع إلى 27.054 مليار دولار (بما يعادل نحو 837.3 مليار جنيه) في نهاية الشهر مقارنة بنحو 24.4 مليار دولار (بما يعادل نحو 755.2 مليار جنيه) في نهاية مايو الماضي.

والأصول الأجنبية للبنوك هي ما تمتلكه من ودائع ومدخرات بالعملة الأجنبية وتكون قابلة للتسييل في الأوقات التي يحتاج فيها أي بنك سيولة لسداد التزاماته. حيث يمثل صافي الأصول الأجنبية أصول النظام المصرفي بالعملة الصعبة مخصومًا منها الالتزامات، ويتحول إلى السالب عندما تفوق الالتزامات الأصول.

وارتفع العجز لدى البنوك التجارية نحو 2.55 مليار دولار، ليسجل نحو 16.6 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي.

وزاد العجز لدى البنوك التجارية مدفوعًا بارتفاع الالتزامات 0.9 مليار دولار فيما تراجعت الأصول بنحو 1.6 مليار.

فيما انخفض العجز لدى البنك المركزي بنحو 0.02 مليون دولار ليصل العجز إلى 9.65 مليار دولار، وفقًا لـ"Investing".

ولا تعبر الأصول الأجنبية عن وضع السيولة في السوق لأن 95% من الالتزامات بالعملة الأجنبية ديون متوسطة وطويلة الأجل، لكنها تعكس خلل هيكلى في موارد والتزامات القطاع المصرفي بالعملة الأجنبية.