لا زالت أصداء إصدار شهادات إيداع بالدولار ذات عائد مرتفع، تثير الكثير من اللغط بين المواطنين، في إحدى محاولات حكومة الانقلاب لاجتذاب الدولار من السوق السوداء وإعادته للنظام المصرفي.

وتواجه مصر نقصًا في العملة الصعبة، وخسر الجنيه حوالي 50% من قيمته أمام الدولار بعد خفض قيمته عدة مرات منذ مارس 2022.

وطرح بنك مصر والبنك الأهلي المصري شهادات إيداع ثلاثية بالدولار، بعائد سنوي 9%، يدفع مقدما بالجنيه.

كما قال البنكان إنهما يطرحان شهادة إيداع دولارية أخرى لأجل 7 سنوات بعائد 7% يدفع كل ربع سنة بالدولار الأمريكي. وتُطرح الشهادات للمواطنين والأجانب، بحد أدنى ألف دولار.

 

توقعات بتعويم جديد

ومن جانبه قال الخبير المصرفي وأستاذ الاقتصاد بجامعة دورتموند الألمانية، كريم خيري، إن إصدار البنوك شهادات دولارية بفائدة تصل إلى 7 و9% على الدولار "انتحار ودليل على حجم الأزمة الاقتصادية"، مؤكدًا أن هذا يعني حدوث خفض جديد للجنيه في الفترة المقبلة.

وأضاف أن قرار البنوك المصرية بطرح شهادات بعائد تراكمي يُصرَف مقدمًا يأتي قبل أسبوع واحد من الاجتماع الخامس، العام الجاري، للجنة السياسة النقدية في مصر لمناقشة أسعار الفائدة، في وقتٍ رفع فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة، الأربعاء، بواقع 25 نقطة مئوية إلى نطاق 5.25 في المئة-5.5 في المئة.

 

تجنب إعلان الإفلاس

وتابع أن الحكومة تحاول الإسراع بجذب أكبر كمية من الدولارات من الأسواق قبل حدوث التعويم الجديد للجنيه، لتجنب مخاطر عدم تسديد الديون السيادية، وبالتالي إعلان الإفلاس وتكرار سيناريو لبنان.

وأوضح أن هذه الدولارات التي يتم جمعها من المصريين ستستخدم لدفع الديون أولا، ثم تسديد الأموال الساخنة ثانيًا، وفي النهاية تأتي لتسديد ودائع العملاء المصريين، وبالتالي ليس معروفًا كيف ستردها الحكومة بعد ذلك للعملاء المصريين، خاصة في ظل عدم تواجد مشاريع اقتصادية مربحة وذات عوائد في مصر حاليًا.

وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية في مصر هو عدم امتلاكها عائدات بالدولار لتسديد ديونها، كما أن الحكومة تسير في دائرة مغلقة تتمثل في اقتراض دين قصير جديد لتسديد دين سابق طويل الأجل.

 

تشكيك في نجاح الخطة الحكومية

وشكك الخبير المصرفي في نجاح الخطة الحكومية بجمع السيولة الدولارية من السوق السوداء، موضحا أن القرارات الأخيرة تعني أن سعر عائد الإيداع في مصر على الدولار 27%، بينما سعر العائد على الدولار في البنوك الأمريكية 5.25%، كما أن سعر الدولار الرسمي في البنك المركزي 30.95 جنيه بينما بلغ سعره في السوق السوداء حوالي 40 جنيهًا، بفارق حوالي 30%، وهذه النسبة أعلى من عائد الشهادات المطروحة في البنوك.

وأشار إلى أنه لدى الكثيرين تخوفات من أن متخذي القرار في مصر يعملون بمبدأ "احييني النهاردة وموتني بكرة"، بمعنى أن "هذا القرار غير مدروسة عواقبه جيدًا، وهذه الصورة تصل إلى المصريين وبالتالي المستثمرين".

 

الشهادات الدولارية لن تجذب الدولارات المتوقعة من السوق

وقال إن الشهادات الدولارية لن تجذب حجمًا ضخمًا من الدولارات المتوفرة في السوق، سواء مع التجار أو الأشخاص، لأنها تعتمد على ربط الدولارات لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات.

وأوضح أن ما يجذب دولار السوق الموازي هو حسابات توفير بعائد وفائدة مجزية مع حرية السحب والإيداع المطلقة، لكنه أوضح أن هذا الحل واجه اعتراضات من الحكومة بسبب تخوفها من أن الدولارات وفوائدها سيتم سحبها من البنوك لتتجه مرة ثانية للسوق السوداء.

لكنه يرى أن الدورة في النهاية كانت ستصب في البنوك من أجل الفائدة المرتفعة، مؤكدًا أن هذا الاقتراح لابد أن تتم دراسته بعناية من الاقتصاديين والماليين لتحفيز دخول الدولار إلى السوق المصرفي، وبالتالي توفير السيولة التي تحتاجها الحكومة من خلال طمأنة حائزي الدولار.

 

أزمة "مصدر الدولارات" وغسيل الأموال

أزمة أخرى تحدث عنها خيري بخصوص التصريحات الحكومية، تتمثل بعدم السؤال عن مصدر الدولارات، قائلا إن هذا القرار شديد الخطورة بالنسبة للقوانين المنظمة للقطاع المصرفي، لأن هذا يعني مخالفته للقوانين الدولية للنظام المصرفي.

وأضاف أن "هذه القرارات ستسمح بغسيل الأموال وستشجع الأموال مجهولة المصدر بالدخول إلى القطاع المصرفي لتصبح البلد مرتعًا للفساد، وهذا الأمر ستكون له تبعات اقتصادية وسياسية واجتماعية خطيرة، خاصة في ظل التوقيت الحساس لمصر حاليًا، كما سيعرض مصر للمساءلة الدولية وبالتي فرض عقوبات تحديدًا من الولايات المتحدة، ما سيهدد بانهيار القطاع المصرفي في مصر".

وكان نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، يحيى أبو الفتوح، أوضح أنه يمكن لجميع المواطنين شراء الشهادات الادخارية بالدولار، دون سؤال العميل عن كيفية الحصول على هذه الأموال. وقال في مداخلة هاتفية مع قناة "صدى البلد"، الثلاثاء: "لو معاك مليون دولار ادخل البنك واعمل الشهادة ومحدش هيقولك أنت جايب الفلوس منين".

 

الحل للخروج من الأزمة الاقتصادية

وأكد أستاذ الاقتصاد أن الحل الوحيد لتسديد فوائد عملاء والخروج من الأزمة الاقتصادية هو ضرورة استخدام جزء من الحصيلة الدولارية في إعادة تشغيل المصانع وتمويل المشروعات الصغيرة لزيادة التصنيع وتحفيز التصدير والناتج المحلي، والإفراج عن السلع الإستراتيجية المكدسة بالموانئ، بالإضافة إلى التوقف عن المشاريع التي لا تدر أي عائد، مثل القطار السريع والعاصمة الإدارية وغيرهما.