يُروى أن أبا بكر بن العربي - قاضي أشبيلية - رأى ناحية من سور المدينة متهدمًا يحتاج إلى إصلاح، ولم يكن في الخزانة ما يفي بهذا الإصلاح، ففرض على الناس جلود ضحاياهم - وكان ذلك في عيد الأضحى - فأحضرها الناس جميعًا. وهكذا يتعاون الحاكم والمحكوم على البر والتقوى (د. محمود محمد عمارة، ثمرات من مواسم الخير).

يقول الله تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم" (البقرة - الآية 198).

روى البخاري في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: "كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، كأنهم كرهوا ذلك، حتى نزلت الآية".

وقال أبو حيان (رحمه الله): "سبب نزول هذه الآية، أن العرب تحرجوا لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ وذي المجاز ومجنة، فأباح الله لهم ذلك". قاله ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعطاء.

وذكر المفسرون في تفسير قوله سبحانه: "أن تبتغوا فضلًا من ربكم" وجهين:

- الأول - المراد هو التجارة.

- الثاني - المراد أن يبتغي الإنسان حال كونه حاجًا أعمالًا أخرى تكون موجبة لاستحقاق فضل الله ورحمته، مثل إيمانه الضعيف، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع.

ويستفاد من هذه الآية أمور، منها:

أنه من الممكن أن تقاس التجارة على سائر المباحات، من الطيب والمباشرة والاصطياد، في كونها محظورة بالإحرام، ولدفع هذه الشبهة نزلت «ليس عليكم جناح أن تبتغوا» أي في أن تطلبوا "فضلًا من ربكم" عطاء منه وفضلًا، أو زيادة في الرزق بسبب التجارة والربح بها.

أن في الآية الكريمة إشارة إلى أن ما يبتغيه الحاج من فضل الله، مما يعينه على قضاء حقه، ويكون فيه نصيب للمسلمين أو قوة للدين، فهو محمود، وما يطلبه لاستبقاء حظه أو لما فيه نصيب نفسه، فهو معلول.

أن الشبهة كانت حاصلة في حرفة التجارة في الحج من وجوه، منها؛ أن الله سبحانه وتعالى منع الجدال، وفي التجارة جدال. يقول القرطبي (رحمه الله) لما أمر الله سبحانه بتنزيه الحج من الرفث والفسوق والجدال، رخص في التجارة، وهي من فضل الله المراد به في قوله تعالى: "أن تبتغوا فضلًا من ربكم".

نزلت إباحة البيع والشراء والكراء في الحج، وسماها الله سبحانه ابتغاء من فضله، ليشعر من يزاولها أنه يبتغي من فضل الله، حين يتجر، وحين يعمل بأجر، وحين يطلب أسباب الرزق، أنه لا يرزق نفسه بعمله، وإنما يطلب من فضل الله فيعطيه الله. فأحرى ألا ينسى هذه الحقيقة.

أنه متى ما استقر في قلب الحاج إحساس بأنه يبتغي من فضل الله، وأنه ينال من هذا الفضل حين يكسب، وحين يحصل على رزقه من وراء الأسباب التي يتخذها للارتزاق، فهو إذن في حالة عبادة لله، لا تتنافى مع عبادة الحج، في الاتجاه إلى الله.