حذر الخبير الاقتصادي ممدوح الولي نقيب الصحفيين المصريين السابق من وقف استخدام بطاقات ائتمان المصريين بالخارج وقال إنه سيسبب أزمة في قطاعي السياحة والأدوية.
وأوضح في مقال له نشرته "عربي بوست" أن القرار سبق واتخذ قرار قريب منه مستدركا أن "الأمر لم يصل مسبقاً إلى حد إيقاف التعامل بالكروت بالمرة بالخارج، وهو القرار الذي يخالف الاتجاه السابق بالإعلان عن تبني البنك المركزي التقليل من التعامل بالكاش، وتشجيع التعاملات الإلكترونية في إطار ما سُمي بالشمول المالي، كما أن القرار يسيء إلى صورة الجهاز المصرفي بالخارج، في وقت خفضت فيه مؤسسات التصنيف الائتماني تصنيف أبرز المصارف المصرية مؤخراً".
واشار إلى أن "الفجائية في معرفة الجمهور للقرار تقلل من مصداقية التعامل مع المصارف، حتى إن القرار لم يرِد في التعليمات الدورية التي يرسلها البنك المركزي إلى البنوك وينشرها على موقعه الإلكتروني، في إطار الشفافية التي تعهد بها لصندوق النقد الدولي خلال اتفاق قرض الصندوق بشهر ديسمبر الماضي".
ولفت إلى القرار أو الإجراء المشابه وكان في يونيو 2016 "حينما كانت هناك سوق سوداء لسعر الصرف، كان يضع حدوداً قصوى للسحب وضوابط مع استمراره وهو ما تكرر في ديسمبر الماضي، بوضع سقوف للسحب وزيادة رسوم السحب، والتعامل على سعر دولار يزيد بنسبة 13% على السعر الرسمي بالبنوك، بخلاف رسم قيمته خمسون جنيهاً على كل عملية سحب"..


أزمة عميقة بالدولار
مضيفا أن جاء قرار البنك المركزي المصري بوقف استخدام كروت الائتمان للمصريين بالخارج خلال الشهر الماضي، سواء للسحب النقدي أو للمشتريات، دلالة على عمق أزمة نقص الدولار واتجاهها للتصاعد وليس إلى التحسن، باعتباره قراراً غير مسبوق في مضمونه.
المقال الذي جاء في شكل تحذير ونفاقوس خطر بعنوان "سيسبب أزمة في قطاعي السياحة والأدوية.. ماذا يعني وقف استخدام بطاقات ائتمان المصريين بالخارج؟". تعجب صاحبه من أن إدارك البنك المركزي "أن هذا القرار يزيد من الطلب على العملات الأجنبية بالسوق السوداء، وهو ما حدث بالفعل بتخطي السعر به حاجز الأربعين جنيهاً للدولار، بعدما كان السماح بإدخال الذهب بدون جمارك قد تسبب في انخفاضه بالأسابيع الأخيرة، كما أن هذا القرار سيؤدي لشراء الكثيرين الدولار من المصريين العاملين بالخارج، وهو ما سينعكس على زيادة تراجع تحويلات هؤلاء لمصر عبر القنوات الرسمية".

 

حجم التأثير
وعن تأثير القرار على عدة أمور مهمة للمصريين بالخارج، أبان "الولي" أن استخدامات كروت الائتمان بالخارج ليست كلها استخدامات استهلاكية، حيث تقوم بعض الشركات بشراء قطع غيار بشكل عاجل لتشغيل آلات المصانع من خلاله، بديلاً عن طول الإجراءات المصرفية لاستيراد تلك المستلزمات الصناعية، كما أن شراء الأدوية الناقصة بالسوق المصري يمثل أحد الاستخدامات، إلى جانب نفقات الطلاب المصريين الدارسين بالخارج، وتعاملات العاملين بقطاع السياحة والطيران ومكاتب التسويق الإلكتروني خلال تعاملاتهم مع شركات النشر الإلكتروني الدولية.
وتابع: يمكن تصور مدى تنوع تلك الاستخدامات، بالنظر إلى بلوغ قيمة استخدامات كروت الائتمان بالخارج 1.719 مليار دولار، بالعام المالي 2020/ 2021 كآخر بيانات منشورة بجهاز الإحصاء الحكومي، ولقد زادت قيمتها عن المليار دولار سنوياً منذ العام المالي 2016/ 2017 وحتى آخر بيانات منشورة.
وأضاف أن "البنك المركزي كان مضطراً لاتخاذ القرار وهو يدرك سلبياته، فها هي بياناته حول صافي الأصول الأجنبية لشهر أبريل الماضي، تشير إلى بلوغ العجز بتلك الأصول 24.1 مليار دولار وهو العجز المستمر منذ 15 شهراً، ومن المؤكد استمراره بالشهر الماضي والحالي والشهور المقبلة، وهو العجز الذي توزع ما بين 9.2 مليار دولار بالبنك المركزي، وحوالي 15 مليار دولار بالبنوك التجارية المصرية، والتي تعاني من عجز دولاري للشهر الثاني والعشرين على التوالي".

 

تراجع موارد النقد الأجنبي
وكشف "الولي" في مقاله إلى أن بيانات جهاز الإحصاء الحكومي أشارت إلى تراجع قيمة صادرات الغاز الطبيعي، الذي أسهم في زيادة الصادرات بالعام الماضي بشكل كبير، من 1.266 مليار دولار بشهر ديسمبر الماضي إلى 886 مليون دولار بالشهر الأول من العام الحالي، ثم إلى 454 مليون دولار بالشهر الثاني، تتضمن 187 مليون دولار قيمة الغاز المستورد من إسرائيل خلال الشهر.
ورجح الخبير الاقتصادي المصري استمرار التراجع خلال الشهور الحالية، في ضوء تراجع أسعار الغاز الطبيعي عالمياً من 37 دولاراً للميلون وحدة حرارية بريطانية بالأسواق الأوروبية التي تستقبل معظم صادرات الغاز المصري، إلى 13.5 دولار بشهر أبريل الماضي، ثم إلى 10 دولارات بشهر مايو الماضي.
وهو نفس الأثر على الصادرات المصرية من النفط الذي انخفض سعر خام برنت منه، من 113 دولاراً بالربع الثاني من العام الماضي إلى 99 دولاراً بالربع الثالث، ثم إلى 81 دولاراً بالربع الأخير من العام الماضي إلى أن وصل إلى 76 دولاراً بشهر مايو الماضي.
وكانت بيانات وزارة التخطيط المصرية قد أشارت إلى تراجع قيمة الصادرات السلعية المصرية، شاملة البترولية وغير البترولية، خلال الربع الأول من العام الحالي، لتصل إلى 11 مليار دولار مقابل أكثر من 14 مليار دولار بنفس الفترة من العام الماضي بنسبة تراجع 21.5%.
وأضاف أن بيانات البنك المركزي المصري والتي توقفت عند الربع الأخير من العام الماضي، فقد أشارت لتراجع العديد من موارد النقد الأجنبي خلال الربع الأخير من العام الماضي، بالمقارنة مع الربع الثالث من العام الماضي، وأبرزها انخفاض إيرادات تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 14%، كما انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 26%، وتراجعت إيرادات السياحة بنسبة 20%، رغم أن الربع الرابع يمثل عادة ذروة النشاط السياحي.
ولفت إلى نقص إيرادات القناة بنسبة 2%، وتحولت المعونات الأجنبية من رصيد موجب إلى رصيد سالب، وهو ما تكرر مع الاستثمارات الأخرى، بخلاف المباشرة والحافظة، التي تحولت من تدفق للداخل بقيمة 3.4 مليار دولار بالربع الثالث من العام الماضي، إلى تدفق سالب متجه للخارج بقيمة 3 مليارات دولار خلال الربع الرابع من العام الماضي.

 

خفض الواردات
وأكد أن مهمة البنك المركزي صعبة بشأن تدبير العملات الأجنبية للوفاء بالاحتياجات السلعية الأساسية، ومن هنا كان التأخر في سداد قيمة شحنات القمح المستوردة منذ عدة أشهر، وتأثر واردات مصانع الأدوية والمستلزمات الطبية والذي يمثل مشكلة داخل المستشفيات الحكومية، وتأخر إجراء العديد من الجراحات لنقص المستلزمات الطبية، بخلاف أسواق أخرى أقل أهمية تأثرت سلبياً، كسوق أجهزة الاتصالات والسيارات وغيرها.
وقال "ركز البنك المركزي على خفض قيمة الواردات كوسيلة أساسية لخفض الطلب على الدولار بالبنوك، فخلال فصول العام الماضي انخفضت قيمة الواردات من 23.6 مليار دولار بالربع الأول، إلى 21.3 مليار دولار بالربع الثاني، ثم إلى 19 مليار دولار بالربع الثالث، ثم إلى أقل من 18 مليار دولار بالربع الرابع".
وأضاف "شملت انخفاضات الواردات ما بين الربع الثالث والرابع من العام الماضي الكثير من السلع الحيوية، ومنها الذرة واللحوم والأسماك ومنتجات الألبان والشاي والزيوت النباتية والكيماويات وقطع غيار السيارات والمستحضرات الصيدلانية والأجهزة الكهربائية المنزلية والأقمشة المنسوجة والورق المقوى".
واستكمل مشيرا إلى أن البنك المركزي أعطى "الأولوية لسداد فوائد وأقساط الدين الخارجي، والتي بلغت قيمة سدادها بالعام الماضي 24.5 مليار دولار موزعة ما بين 19.1 مليار دولار للأقساط و5.4 مليار دولار للفوائد، حتى يستطيع الاستمرار في الاقتراض أو حتى طلب إعادة الجدولة لبعض القروض".
وحسب بيانات البنك المركزي فإنه مطلوب منه خلال العام الحالي سداد 22.9 مليار دولار كأقساط وفوائد للقروض متوسطة وطويلة الأجل، بخلاف 30.9 مليار دولار لأقساط وفوائد الدين قصيرة الأجل، ما يتوقع معه أن يقوم بتجديد تلك القروض القصيرة وبعض من المتوسطة والطويلة الأجل، إلى جانب الاستمرار في الاقتراض الجديد، وهو ما تمثل في عدد من القروض التي تم الإعلان عنها بالأسابيع الأخيرة، بحسب "الولي".


تعويم جرى بالفعل
وأعتبر ممدوح الولي أن خفض سعر الصرف تم عملياً داخل البنوك، وهو يرد على تقديرات البعض من أن قرار البنك المركزي بوقف تعاملات كروت الائتمان بالخارج، وبين قرب إعلانه عن التخفيض الجديد لقيمة الجنيه أمام الدولار، وهو ما نراه ربطاً غير لازم، خاصة أن البنوك تتعامل حالياً مع عملائها المستوردين بسعر أعلى من السعر الرسمي للصرف، من خلال ما تضيفه من عمولات لتدبير عمله وخلافه، وبالتالي فقد تحقق الخفض بشكل عملي.
وأوضح أن إعلان التعويم فعليا و"بشكل رسمي يتطلب توافر قدر من الدولارات لدى البنك المركزي، يمكنه من خلاله الدفاع عن السعر الجديد للصرف، وهو أمر متعذر حالياً، بل إنه من غير المعروف موعد حدوثه، في ضوء صعوبة اللجوء لسوق السندات الدولية، في ظل تراجع قيمة السندات السابق إصدارها دولياً حالياً عن سعر الطرح، وتحقيق حامليها خسائر كبيرة، وتراجع التصنيف الائتماني لمصر لدى مؤسسات التمويل الدولية، وتأخر وصول الاستثمارات التي وعدت بها دول الخليج، وتأخر بيع الأصول الذي تم الإعلان عنه".


قيمة الدولار
وأشار إلى مقال لمسألة خفض الدولار وقال "مع تكرار رئيس الوزراء الوعد ببيع أصول بقيمة 2 مليار دولار قبل نهاية الشهر الحالي، فإن هذا أصبح أمراً صعباً في ضوء تدني قيمة الجنيه أمام الدولار، وهو ما ظهر مع شركة البويات التي تم بيعها بحوالي 25 مليون دولار، وانتظار العرب الخفض الجديد لسعر الصرف للشراء بقيمة أقل.".
وأكمل مستدركا "حتى إذا تحققت مبيعات الملياري دولار باتفاقات خاصة مع صناديق سيادية خليجية، فإن تلك القيمة تعد أقل كثيراً من الاحتياجات الدولارية للوفاء باستيراد السلع الأساسية وسداد أقساط وفوائد الدين الخارجي، والوفاء باحتياجات الاستثمار الأجنبي الخارج من مصر، والتي بلغت وحدها بالعام الماضي 13.7 مليار دولار.
وخلص إلى أن مشكلة نقص الدولار وعدم استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار ستظل "مستمرة لشهور قادمة، لا تقل في أفضل السناريوهات المتفائلة عن النصف الأول من العام القادم".