اعتبرت الباحثة مارينا أوتاوي بمركز ويلسون أن الحوار الوطني الذي بدأ في مصر في 3 مايو 2023، سيطرت الحكومة على العملية بإحكام، وأنه لم يتوقع أحد أن يقدم الحوار المرحلي أفكارًا جديدة لمعالجة التحديات الاقتصادية والسياسية الهائلة التي تواجهها البلاد.

فيما كان الرد من الجانب الذي يعيش هذه النتائج قادما وبقوة من الرمز السياسي م. يحيى حسين عبدالهادي (المعتقل السابق بظل الانقلاب) عضو حركة كفاية التاريخية في مقال له الأحد 7 مايو أن الوضع في مصر الآن يمكن وصفه ب "الدولة الخشبية .. حواراتها خشبية .. مؤسساتها خشبية .. إعلاميوها خشبيون .. عدالتها خشبية .. برلمانها خشبيٌ .. نوابها خشبيون .. مؤتمراتها خشبية".
 

حوارات لا تنجح
 

مارينا أوتاواي في تحليلها الذي نشره مركز "ويلسون" تحدث عن شعبية متزايدة ل"لحوارات" تستغل وسيلة لكسر المأزق السياسي والسماح للبلدان التي تمزقها الصراعات بالتحرك نحو المصالحة الداخلية. لتخرج بخلاصة مفادها أن "الحوارات الوطنية لا تنجح دائمًا في تحقيق غايتها تلك ".
 

وأشارت إلى أن "الحوار الوطني في مصر لا يسير على النمط المعتاد، سواء في الشكل أو في الأهداف.. المشاركة تبدو مقصورة على نطاق ضيق من الأشخاص والجماعات المتحالفة بشكل أساسي مع الحكومة. والهدف المعلن ليس التوفيق بين الخصوم، ولكن إصدار التوصيات مباشرة إلى الرئيس".


وعليه قالت "من غير المحتمل أن تولد الهيئة الخاضعة للرقابة المشددة والعملية المصممة بدقة أفكارًا جديدة وتساعد الدولة على التغلب على الركود السياسي والاقتصادي".
 

التحكم من أعلى

وذكرت أنه "تم التحكم في التخطيط عن كثب من الأعلى من قبل مجلس أمناء مكون من 19 عضوًا حدد هيكل الحوار، وعدد اللجان واللجان الفرعية التي ستجرى المناقشات من خلالها والموضوعات التي سيناقشونها".


وأضافت أنه "لم يتم الإعلان عن قائمة كاملة بالمشاركين حتى الآن، ولكن يبدو أن التركيز انصب على الشخصيات وليس المنظمات. ولا يمكن للمعارضين، خاصة الإخوان المسلمين الذين تعتبرهم الحكومة المصرية إرهابيين، أن يشاركوا في الحوار"!

 

وأبدت الباحثة تعجبا من تقديم اللجان واللجان الفرعية توصياتها إلى السيسي شخصيًا. حيث وحتى قبل بدء الحوار، أوصى مجلس الأمناء رئيس الجمهورية بوضع جميع الانتخابات والاستفتاءات تحت إشراف مباشر من القضاء، تحت شعار "صندوق اقتراع واحد، قاض واحد". مشيرة إلى استخدام النمط ذاته من قبل. متساءلة "ما الذي يعطي مجلس الأمناء سلطة التوصية بإعادة العمل به. ومع ذلك، وافق السيسي على التوصية وأرسلها إلى البرلمان للعمل على أساسها"؟!


وزاد\ت دهشتها وهي تشير إلى أن مهمة تنظيم الحوار أسندت إلى المؤتمر الوطني للشباب، وهو هيئة غير تمثيلية أنشأها السيسي وتديرها الأكاديمية الوطنية للتدريب. لا يوجد دليل في هذه المرحلة على أن هذه الكيانات لا تزال متورطة (بلا كيان سياسي) بشكل مباشر..


كياناتٌ خشبيةٌ

وافتتح الكاتب والسياسي يحيى عبدالهادي مقاله بالعنوان الفرعي السابق بأبيات (عَلَمٌ ودستورٌ ومجلس أُمّةٍ ...... كُلٌ عن المعنى الصحيح مُحَرَّفُ * ألفاظُ ليس لنا منها سوى .. أسمائها، أما معانيها فليست تُعرَفُ) مستعيدا جوانب من التاريخ الإسلامي وعلاقة الحاكم (أمير المؤمنين عمر بالمحكومين) واضفا "المشهدُ واقعياً وصادقاً .. ليس به ذَرَّةُ كَذِبٍ ولا تمثيل .. الحاكم صادقٌ في ديمقراطيته .. والمواطِنُ صادقٌ في معارضته أو تأييده .. ومُحاسَبَةُ الشعبِ لحاكِمِه حقيقيةٌ وواقعٌ مُعاشٌ بلا ادِّعاء.

وأعتبر أن "المشهدُ العُمَرِىُ الواقعى الصادق إلى تمثيليةٍ هزليةٍ ركيكة .. حاول (أحدُهُم) استنساخ الواقعة العُمَرية فى مجلس معاوية بن أبى سفيان فقال له (والله لَتَستَقِيمَنَّ بنا يا معاوية أو لَنُقَوِمَنَّك)، فلم يَدَعْهُ معاويةُ يُكمِلُ جُملَتَه وسأله مُحتدَّاً (بماذا؟) .. فانكمش السائلُ واستدرك هامساً (بالخشب) .. فارتاح معاويةٌ في جِلسَتِه وقال (إذن نستقيم) .. تاريخ الخلفاء للسيوطى.".
 

وأعتبر أنه "مِن يومها وهذه الديمقراطية الخشبية هى السائدة (باستثناءاتٍ تؤكد القاعدة) تقودنا من تخلفٍ إلى تخلف (وهل يمكن أن تقود إلى غير ذلك؟!) .. ديمقراطية الشكل لا المضمون .. التمثيل لا الحقيقة .. ولأن الطبعَ يغلب التطبع، فإن المستبد أحياناً لا يطيق التمثيل طويلاً فيخلع ثوب المسرح ويُطلِقُ يدَ البطش صريحةً في وجه معارضيه وأقربائهم .. حتى جاءت عهودٌ من الاستبداد الصريح صار الناس فيها يترحمون على أيام الديمقراطية الخشبية".
 

وفي تلميح للواقع في مصر قال: "لم تسقط الدولة الخشبية فوراً، بل تمددت بالقصور الذاتي لمزايا وأخلاقيات عهد النبوة والخلافة الراشدة السابقة عليها من ناحيةٍ، ولأنَّ العالَم المحيط بها كان يَغُطُّ في جاهليةٍ واستبدادٍ أكبر من ناحيةٍ أخرى .. شيئاً فشيئاً كان العالم يتحرر من قيود جاهليته واستبداده، بينما السوس ينخر في أخشابنا .. إلى أن تبدلت الأوضاع وصِرنا إلى ما نحن فيه.".
 

وعن الأوضاع في مصر أوضح "ابتُلِينا بأضعف أنواع الخشب وأوهنها .. فالخشب نفسه أنواعٌ .. فهناك الأخشاب الصلبة كالبلوط والقرو والزان .. والأخشاب الليّنة وهى أطرى وأضعف، منها الطبيعى كالسويد والموسكى، ومنها الصناعى الأقرب للورق في ضعفه وهَوَانِه كالخشب الحبيبى الذى يُصنَعُ من نشارة الخشب أو مصاصة القصب، والأبلكاج أو الأبلكاش بالعامية المصرية.. يا سادة .. إن الدول لا تقوم على أساسٍ من أبلكاش .. فما بالكم والسوس ينخر فيه؟!.".

ويبدو أن السياسي المصري يحيى حسين عبدالهادي الذي تسبب مقاله الأخير الذي حذر فيه القوى السياسية من التورط في أكذبوة الحوار الوطني أو الانتخابات المقبلة التي تدعم سلطات الطاغية في أن يستخدم الرمز للتعبير عما يريد قوله.