دعمت وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ) ما تداوله الإعلام المحلي من عملية استدعاء لجنود الاحتياط بالجيش لمهام عسكرية منها تشكيل نقاط حدودية مع جنوب مصر (الحدود السودانية- المصرية).
اللقاءات التي نشرها تقرير الوكالة الرسمي يبدو أنها معدة سلفا قبل الأخداث الأخيرة في جنوب السودان والتي بدأت في 15 أبريل الماضي.
وانتشرت أخبار على مواقع "التواصل الإجتماعي" والقنوات المحلية عن تعبئة واستدعاء لجنود الاحتياط، وتعبئتهم باتجاه الجنوب تزامن ذلك مع اجتماع زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي، بقادة الجيش في مقر وزارة الدفاع الجديد في "العاصمة الإدارية".

التقرير الذي نقل عن مدير إدارة التجنيد العميد محمد صبحي وقادة المكاتب واللجان التجنيدية في الاسكندرية والمنطقة الغربية والتي تخدم أهالي وشباب سيدي البراني ومطروح وسيوة، ومكتب الزقازيق ولجنة أخرى في محافظتي جنوب وشمال سيناء، اشار إلى لجنة في مدن الشلاتين وأبورماد وحلايب المتنازع عليها (أمام مجلس الأمن) مع الجانب السوداني .

وكان أبرز العناوين الفرعية للتقرير تصريح العميد محمد صبحي المنشور الجمعة 5 مايو 2023، عن "عمد ومشايخ الشلاتين وحلايب: جميعنا على قلب راجل واحد خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة" وأضاف إليهم تصريح مماثل من "مجلس عمد ومشايخ مطروح"، في وقت يبدو أن ثمة تهديد في هذا الجانب!

 

منذ مارس الماضي
بحسب التقرير الذي نشرته مواقع محلية، قال العميد وائل محمد ناجي مدير منطقة تجنيد وتعبئة الزقازيق قال: ".. تم أيضا تنظيم لجنة لأبناء محافظة جنوب سيناء خلال الفترة من 11 إلى 16 مارس الجاري، حيث تم إنهاء المواقف التجنيدية لـ 507 أشخاص من أبناء جنوب سيناء"، وهو ما اعتبره مراقبون أن التقرير معد سلفا قبل ما يزيد عن شهر وان نشره كان لاحقا.

كما ركز التقرير على إبراز مشايخ شلاتين ومنهم الشيخ علي أبال شيخ قبيلة اللبب والشيخ محمد حسن قبيلة البشارية إحدى قبائل الشلاتين، الذين أبرزوا في تصريحاتهم أن "مشايخ الشلاتين على قلب راجل واحد خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة، الذين يقدمون كل الدعم والخدمات لأهالي أبناء الشلاتين"، بحسب محمد حسن.

 


التدخل في السودان

ورأى مراقبون أن التقرير هو الإشارة الثالثة ما يجري إعداده قد يكون خطرا من جانب توجهات السيسي للتورط في السودان عسكريا، كما سبق وتورط في قتل المدنيين الليبين على عملية نفذها بالطائرات التي استوردها من فرنسا.
وتعليقا قال الناشط على مواقع التواصل محمد سعد خير الله عبر منصة "Mohamed Saad Khiralla"  "إن تم التدخل في السودان" فهو اعتداء صريح على دولة ذات سيادة وبالطبع الاعتداء مجرم دوليا بموجب القانون الدولي وحال حدوثه يقع على عاتق الأسرة الدولية معاقبة المعتدي بفرض العديد من العقوبات الدولية عليه ومصر لا تحتمل فرض عقوبات من أي نوع".

وتساءل خير الله ".. هل هي عملية ابتزاز لبعض الدول الخليجية؟ أم قفز للأمام للتغلب على المشاكل الداخلية ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة؟ أم توريط عن عمد للجيش كما فعل عبد الناصر منذ 55 عاما وقام باستدعاء حرب 67 لحسم صراعه مع عبد الحكيم عامر ورفاقه؟ سأتحدث بالتفصيل كما أشرت عن كل النقاط" معتبرا أن ذلك هو "الاضمحلال الأسوأ والأخطر على يد العسكر"، حسب توقعه وما كتب.

 

استدعاء على حدود السودان

وكشفت قناة "روسيا اليوم"، عن مصادر (لم تسمها) إن القوات المسلحة المصرية تنفذ عمليات استدعاء كبرى للجنود الذين قضوا خدمتهم العسكرية خلال السنوات الماضية داخل الجيش المصري.

وأشارت إلى أن القوات المسلحة المصرية قامت بتدشين عدد من نقاط المراقبة الجديدة على الحدود الجنوبية، نظرا لما تمر به السودان.

وعلق الموقع الروسي الرسمي أن ذلك "يأتي ذلك وسط خشية مصر من أن تستغل مجموعات إرهابية الأحداث في السودان في التسلل إلى حدودها، لاسيما أنها عانت خلال العقد الماضي من أحداث واضطرابات على طول حدودها الغربية مع ليبيا وحدودها الشرقية مع قطاع غزة، وتسلل مجموعات إرهابية إلى أراضيها لتنفيذ عمليات".

ولفتت إلى أن تقديرات غربية قالت إن مصر تدرس التدخل عسكريا في السودان لحماية مصالحها.

لكن السيسي أكد الثلاثاء 2 مايو، أن بلاده "لن تتدخل" في الصراع القائم بالسودان، عملا بمبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، قائلا: "لا نريد زيادة الأمور تعقيدا".

ولفت إلى أن مصر "ستوفر الدعم اللازم لبدء الحوار بين السودانيين، بهدف وضع حد للصراع وتحقيق الهدنة".

 

السيسي لمكارثي

غير أن التصيحات المعلنة للسيسي لا يتحتمل التدلخ العسكري، ومنها تصريحه لدى مقابلة رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، الذي زار مصر على رأس وفد نيابي أمريكي، أن القاهرة تبذل أقصى جهد لتغليب الحوار في السودان.

وشدد السيسي خلال الاجتماع على أن مصر تبذل "أقصى الجهد لدفع مسار الحوار السياسي السلمي في السودان الشقيق، ووقف إطلاق النار، وحماية المدنيين من التداعيات الإنسانية للنزاع"، بحسب ما نشرته "بوابة الأهرام" في 3 مايو الجاري.

وتحدث السيسي عن "تكثيف الجهود للتوصل إلى حلول سياسية (ليست عسكرية) للأزمات القائمة، بما يحافظ على وحدة الدول ويصون مقدرات شعوبها، ويمنع الانزلاق نحو الفوضى والدمار"!.

 

قادة الجيش

ومن سياق مواز، اجتمع السيسي، الخميس 4 مايو،  وكبار قادة القوات المسلحة بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد.

وبحسب بيان رسمي تطرق الاجتماع إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة".

وفذ سياق الاجتماع تحدث السيسي عن تهديد محتمل فقال: "الجهود التي تبذلها القوات المسلحة في المهام كافة التي توكَل إليها، والدور الذي تقوم به في حماية حدود الدولة ضد كل العدائيات والتهديدات المحتملة، فضلاً عن مساهمتها في دعم مقومات التنمية وإنجاز المشروعات القومية العملاقة بالتعاون مع مؤسسات الدولة كافة لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين"، حسب البيان.
وضم الاجتماع القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول محمد زكي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر، إلى جانب قادة الأفرع الرئيسية وعدد من كبار قادة القوات المسلحة.

 

صدام محتمل

وتوصل الباحث جورجيو كافيرو، المختص في تحليل المخاطر الجيوسياسية، إلى أن "مصلحة الإمارات من السودان هو في السيطرة على موانئ البحر الأحمر".

وفي العام الماضي وقعت مجموعة من الشركات بما فيها واحدة مرتبطة بالصندوق السيادي الإماراتي اتفاقا بقيمة 6 مليارات دولار لبناء محور صناعي ومنشأة في ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.

وتوقع كافيرو في ضوء هذه المعلومات بمقال له على "الجزيرة نت"، أن "الصراع الراهن في السودان قد يتطور إلى صدام بين مصر والإمارات"، في وقت تعتمد فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على نفوذ كل من أبوظبي والرياض في الخرطوم.

وتابع : "مع ورود تقارير عن قيام مصر بتقديم دعم عسكري للجيش السوداني، بينما يدعم اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر وآخرون حميدتي، هناك احتمال أن تفاقم جهات عربية وأفريقية مختلفة الصراع عبر تسليح الأطراف المختلفة في السودان".

وأردف أن "مصر تدعم البرهان وترى أن الجيش السوداني مثل الجيش المصري هو المؤسسة الوحيدة القادرة على الحفاظ على استقرار السودان". وقال مشامون إن "مصر تعتبر حميدتي مرتزقا".

وأقامت دولة الإمارات علاقات قوية مع حميدتي الذي تسيطر قوات الدعم السريع التابعة له على معظم مناجم الذهب السودانية ولها علاقة بتصدير الذهب السوداني إلى دبي.

ورجح الباحث كافيرو "بوجود سبعة حدود دولية، يمكن للعنف في السودان أن يمتد إلى العديد من البلدان الأخرى، ومن منظور دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين)، فإن مخاطر الأزمة، التي لها آثار مزعزعة للاستقرار في الخليج ومصر (الجار الشمالي للسودان)، مثيرة للقلق بشكل خاص".

أندرياس كريج اعتبر أن "القلق الرئيسي هو أن يصبح هذا صراعا إقليميا محتملا يمتد إلى مصر." وقال كافيرو إنه "مع دعم القاهرة للبرهان ودعم أبو ظبي لحميدتي، فإن مصر والإمارات ليستا في الجانب نفسه".

وبحسب السفير الأمريكي الأسبق في تونس جوردون جراي فإن "الولايات المتحدة نسقت منذ فترة طويلة مع الإمارات والسعودية بشأن السودان، على الرغم من بعض التوترات بشأن قضايا أخرى مثل إنتاج النفط".

وأردف جراي: "إدراكا منه لعدم وجود دولة عربية لها القدر نفسه من النفوذ على حميدتي مثل الإمارات، يرى البيت الأبيض أن أبو ظبي تلعب دورا مهما بشأن محاولة كبحه. لكن ليس واضحا ما يمكن للقيادة الإماراتية القيام به للتأثير على حميدتي في هذه المرحلة".

وقال كريج: "الإماراتيون كانوا ساذجين للغاية في الاعتقاد بأن حميدتي شخص يمكنك السيطرة عليه.. كنا نعلم أن هذه الأزمة كانت في طور التكوين، والجميع يغض الطرف، ولا سيما الولايات المتحدة".

 

الوجود المصري

وقالت قوات الدعم السريع في 16 أبريل إن قواتها في بورتسودان تتعرض إلى هجوم من طيران أجنبي، محذرة من التدخل الأجنبي، وبعد إعلانها أسقطت طائرة سوخوي دون تحديد مكانها، وهو ما نفاه الجيش، وهذا هو نفس النوع من الطائرات التي تستخدمها مصر في تدريبات السودان.

وكشف حميدتي عن وجود قوة عسكرية مصرية في مطار مروي، اعتقلتهم قواته وتساءلت وكالة رويترز في 15 أبريل عن سبب وجود القوات المصرية في مروي، مؤكدة أنه ليس هناك تفسير واضح، لكن القوات المصرية والسودانية تجري بشكل دوري مناورات عسكرية مشتركة هناك في أعقاب التوترات مع إثيوبيا.

وعام 2021 جرت مناورات عسكرية بين الجيش السوداني والجيش المصري، اتخذت بعدها هذه القوة المصرية من مطار مروي، قاعدة عسكرية، بموافقة البرهان.

لكن مع توالي ظهور صور وفيديوهات الجنود والضباط المصريين المهينة من السودان، والحديث عن دور لها في الصراع الداخلي، اضطر الجيش المصري لإصدار بيان رسمي يوضح أنهم هناك لتدريبات عسكرية مشتركة، وجارٍ التنسيق لضمان سلامتهم.

وأظهر فيديو نشرته قوات الدعم السريع عددا من الرجال يرتدون زيا عسكريا وهم جالسون على الأرض ويتحدثون إلى أفراد من قوات الدعم السريع باللهجة المصرية العربية إلى جنود يرتدون زي قوات الدعم السريع.

وعقب نشر صور العسكريين المصريين وهم يعاملون بطريقة مهينة في السودان سعى “حميدتي” لتهدئة مصر بتأكيده لقناة “سكاي نيوز” في 15 أبريل، أن القوات المصرية الموجودة في مطار مروي “بأمان وغير محتجزة”، وتقديره لمصر.

يذكر أن الاشتباكات لا تزال مستمرة منذ 15 أبريل الفائت في العاصمة السودانية الخرطوم، بين الجيش وقوات الدعم السريع، رغم الهدن المتتالية التي يتم تمديدها بانتظام من دون الالتزام بها.

وحتى 27 أبريل الجاري، خلَّفت الاشتباكات 528 قتيلا ونحو 5 آلاف جريح، معظمهم مدنيون، بحسب وزارة الصحة السبت.