قال رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، أمس السبت، إن "بعض التقارير الخارجية تتحدث عن عدم قدرة مصر على سداد الديون، ولكن نحن لدينا خطة واضحة لتوفير الموارد المالية الخاصة بها ومصر تسير بقوة في برنامج الطروحات الذي أعلنته، ولن تتراجع عن طرح شركاتها العامة في البورصة المصرية، وأمام المستثمرين الاستراتيجيين (الخليجيين) لسداد تلك الديون".

وينظر إلى الأموال التي كانت ستأتي عبر بيع الأصول على أنها ضرورية لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية، وسد فجوة التمويل التي يتوقع صندوق النقد الدولي وصولها إلى 17 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.

وكشف مدبولي عن "تجهيز 10 شركات تابعة للقوات المسلحة للطرح أمام المستثمرين، إثر طرح شركتي وطنية لمحطات وقود السيارات وصافي لتعبئة المياه"، مضيفاً "الحكومة تستهدف تحصيل ملياري دولار من خطة الطروحات قبل نهاية يونيو المقبل.

وتابع سنعلن عن إجراءات جديدة لتيسير الطروحات، من خلال وحدة متفرغة لعملية طرح الشركات العامة، وتعيين استشاري دولي لمساعدة الحكومة في تذليل كل العقبات المرتبطة بها".

وعن تباطؤ الطروحات وعدم إقبال المستثمرين على شراء الأصول الحكومية، قال مدبولي إن "الدولة لا تريد التخارج من شركاتها العامة بسرعة كبيرة، وحين أعلنت عن برنامج الطروحات أكدت أنه سيستغرق عاماً، أي حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، كما أن الحكومة تستهدف تحقيق نسبة 25% من الطروحات، البالغة 32 شركة (منها 3 بنوك)، في إطار منظومة متكاملة"، على حد قوله.

وأكمل: "صندوق مصر السيادي يدير منظومة الطروحات، ويتفاوض مع جميع الجهات الاستثمارية. كما أن البنك المركزي يحضر مجموعة البنوك المشاركة في الطروحات، علماً بأنه يوجد تحوط وسرية في بعض الإجراءات، لأن تسريب أخبار البيع يهبط بأسهم الشركة المستهدف طرحها. ودور الحكومة ومسؤوليتها يرتكزان على الاستفادة القصوى من الأصول، وبذل كل الجهود تحقيق أعلى سعر لها".

 

انسحاب دول الخليج

وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن مصر تواجه مشكلة وصعوبات حالية في خططها لبيع أصول الدولة لمانحين خليجيين، حيث شدد حلفاء القاهرة التقليديون في الخليج نهجهم لطريقة دعم البلاد.

تقول الصحيفة، في تقريرها، إن الدول الخليجية الغنية بالنفط اعتادت على إنقاذ جارتها خلال العقد الذي أعقب استيلاء السيسي على السلطة، وكان من المتوقع أن يصبحوا أهم المشترين للأصول المصرية.

وحددت مصر 32 شركة من شركات القطاع العام التي تخطط لفتحها أمام مساهمة القطاع الخاص، لكنها لم تُعلن عن تحقيق أي مبيعات كبيرة منذ توقيع صفقة صندوق النقد الدولي.

ويؤكد عدم إحراز تقدم على الموقف الأكثر صرامة الذي يتخذه المانحون الإقليميون، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، حيث أصبحت العواصم الخليجية أقل رغبة في تقديم الدعم المالي التقليدي، وبدلاً من ذلك تسعى إلى الاستثمار التجاري وتتوقع من الحكومات تنفيذ الإصلاحات، وفقا للتقرير.

وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد التزم مؤخراً باستثمار 10 مليارات دولار في مصر، لكنه انسحب من محادثات شراء “المصرف المتحد” المملوك للدولة، بعد أن أدى الانخفاض في قيمة الجنيه المصري إلى محو مئات الملايين من القيمة الدولارية للمصرف، وذلك وفقاً لمصرفي دولي وشخص آخر مطلع على المفاوضات.

 

لن ننخدع مرة ثانية

وحذر المراقبون من غياب التوافق بين توقعات القاهرة وتوقعات الصناديق السيادية الخليجية، حيث قال أحد المصرفيين الدوليين المطلعين على النقاشات: “يتمثل موقف مصر في بيع الأصول بفرق سعر أضخم من أسعار السوق، لأن المصريين يجادلون بأن الأسواق في حالة انخفاض وأن أسعارها الحالية لا تمثل القيمة طويلة الأجل”.

وأضاف: “هناك تباعد كبير في وجهات النظر بين الجانبين”.

وشكك المراقبون أيضًا في استعداد نظام السيسي، الذي يقوده الجيش، لبدء الإصلاحات، بما في ذلك كبح المصالح التجارية للجيش، والتي توسعت بشكل ملحوظ في عهد السيسي، وتمتد من الزراعة ومزارع الأسماك إلى البناء ومصانع الأغذية.

ونقلت “فايننشال تايمز” عن مصرفي ثان قوله: “هناك حالة من الانزعاج والإحباط التام في السعودية، حيث يقولون: هل يظن المصريون أنه من السهل خداعنا لهذه الدرجة؟.. هم يريدون رؤية إصلاحات حقيقية ووضع خطة إصلاح هيكلية”.

 

الخليج: ليست لدينا شهية ولن يرمي الأموال ببساطة

وقال شخص مطلع على المفاوضات الخليجية المصرية  للصحيفة: “القطريون لديهم استعداد لضخ المال، لكنهم يريدون استثماراً ذكياً يُدرّ المال أيضاً، أو يبلغ نقطة التعادل في حالات نادرةٍ على الأقل. ولن يرموا أموالهم ببساطة.. بل يحاولون العثور على الفرصة المناسبة”.

بينما قال يزيد صايغ، الزميل الأول في مركز أبحاث Malcolm H Kerr Carnegie Middle East Center، إن الجيش سيقاوم بيع الأصول التي تدر الأرباح.

وأوضح صايغ: “ومع ذلك، تكمن المشكلة الحقيقية [لدى المشترين] في اعتماد شركات الجيش على التمويل الحكومي بالكامل، وذلك في صورة ضمانها لتدفق عقود المشتريات الحكومية عليها… والدعم والقدرة على تحميل الخسائر لخزانة الدولة. ولن تكون هذه الشركات جذابة للمستثمرين الأجانب إلا في حال ضمان استمرار تلك الامتيازات”.

من جهته، علّق صندوق أبوظبي السيادي “ADQ القابضة”، أداة الاستثمار الإماراتية الرئيسية في مصر، مشروعاته داخل البلاد بحسب تصريح مصرفي مطلع على المفاوضات من دبي.

وقال المصرفي للصحيفة البريطانية: “ليست هناك شهية لأي استثمارات جوهرية في الوقت الراهن”، وأردف أن الأوضاع قد تتغير عقب زيارة رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد للقاهرة في الشهر الجاري.

 

لا توجد حلول أخرى؟

يرى المحللون، وفقا للصحيفة، أن القاهرة ليس أمامها كثير من الحلول الأخرى، بخلاف بيع الأصول، لجمع رأس المال، في ظل قلق المستثمرين الأجانب وعرقلة القطاع الخاص نتيجة المحنة الاقتصادية وهيمنة الجيش.

وأوضح فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط بمصرف “جولدمان ساكس”: “إذا لم ترغب في مواصلة خفض قيمة عملتك وإبطاء النمو من أجل تقليل الطلب على الدولار، فليس هناك خيار سوى زيادة المعروض. والمسار الوحيد المتاح أمام مصر على المدى القصير الآن هو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر بيع الأصول”.