قال عالم الاجتماع التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي، أن اعتقال السلطات التونسية لرئيس البرلمان السابق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي كان أمرا منتظرا، وأنه يأتي في سياق استئناف معركة تصفية الإسلاميين التي كان قد بدأها نظام ابن علي في تسعينيات القرن الماضي.
واستبعد المرزوقي في تصريحات صخحفية، إقدام السلطات التونسية على خطوة اعتقال راشد الغنوشي دون موافقة النظام الجزائري.
وقال: "شخصيا لم أستغرب خطوة اعتقال الغنوشي، وكنت قد توقعتها منذ اليوم الأول لترشيح قيس سعيد للرئاسة.. وهي تندرج ضمن خطة أشمل لتغيير المشهد السياسي والديني في تونس والمنطقة العربية بشراكة بين فرنسا وإسرائيل وإيران لتأسيس نموذج لبناني في المغرب الكبير".
وأضاف: "ما أقدم عليه هذا الثلاثي في المشرق من خلال تأسيس لبنان المتصارع يريدون إعادة تأسيسه في دول المغرب الكبير، يغلبون الإطار الشيعي الذي كان حليفا لحروب الاستعمار منذ قرون خلت، فهم الآن ينشرون التشيع في تونس والجزائر والمغرب، انطلاقا من تأسيس قاعدة لهم يريدونها أن تكون في تونس".
وأكد المرزوقي أنه من غير المنطقي ولا المعقول تصديق أن "الجزائر لا علاقة لها باعتقال الغنوشي، بينما هي التي تدعم قيس سعيد ماليا".
وأضاف: "السياسة ليس فيها عرفان بالجميل.. السياسة هي وفق تعريف أرسطو الاستفادة من الظرفية وانتهاز الفرص.. والنظام الجزائري له فرصة ليستريح خصوصا أنه له معركة مع المغرب.. هذا فضلا عن تغير الظروف تونسيا، فالإسلاميون في تونس ضعفوا وتراجع دورهم وانقسموا، وبالتالي فلم تعد لهم ذات المكانة عند النظام الجزائري".
وأشار المرزوقي إلى عدم إعطاء الجزائر أكثر من حجمها، وقال إن عائدات النفط والغاز ليست دائمة ولا يمكن الرهان عليها، لأنه بمجرد انهزام روسيا في الحرب فستعود الأسعار إلى طبيعتها وستعود الجزائر إلى وضعها الاقتصادي الطبيعي الشبيه بتونس..
وأضاف: "كل ما أخشاه الآن أنه بعد تفكيك السودان الجاري الآن على الأرض، سيتم تفكيك الجزائر ثم السعودية بعدها"، على حد تعبيره.
وكانت صحيفة "الخبر" الجزائرية قد اتهمت جهات مغربية بالترويج لشائعة ضلوع الجزائر في اعتقال الغنوشي، وقبلها في تزويد البوليساريو بطائرات "درون" الهجومية الإيرانية المنشأ، لضرب استقرار المنطقة.
وقالت الصحيفة: "في آخر محاولات الإضرار بعلاقة الجزائر بجارتها الشرقية تونس، وبمحاولة التشويش على مساعي الجزائر للصلح بين الأطراف التونسية المتنافرة، لجأ المخزن إلى وسائل إعلام في فرنسا ومرتبطة به، زعمت أن "الجزائر كانت على علم مسبق بقرار السلطات القضائية التونسية توقيف الغنوشي، في إطار صفقة سرية بين الرئيسين"، وهو ما دفع الجزائر عبر مختلف وسائل الإعلام الوطنية إلى نفي ما جاء في الصحيفة المعروفة بولائها للمخزن".
ومساء الاثنين الماضي، أعلنت "النهضة" أن "فرقة أمنية قامت بمداهمة منزل رئيسها راشد الغنوشي واقتياده إلى جهة غير معلومة دون احترام لأبسط الإجراءات القانونية".
والخميس الماضي أمر قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس، بسجن رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي، بسبب تصريحات سابقة له وُصفت بـ"التحريضية".
ونشرت الصفحة الرسمية لراشد الغنوشي على "فيسبوك"، أنه عند إعلامه بقرار السجن، قال: "أمر المؤمن كلّه خير، الخير في ما قضى الله، اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. أنا مستبشر بالمستقبل".
وتمت إحالة 12 شخصا، من ضمنهم الغنوشي، على التحقيق؛ بتهمة "ارتكاب مؤامرة للاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا".
وجاء اعتقال بعد يوم واحد من تصريحات الغنوشي، خلال اجتماع في مقر جبهة الخلاص قال فيه إن هناك "إعاقة فكرية وأيدولوجية في تونس، تؤسس في الحقيقة لحرب أهلية.. لأن تصور تونس دون هذا الطرف أو ذاك.. تونس دون نهضة.. تونس دون إسلام سياسي.. تونس دون يسار.. تونس دون أي مكون من المكونات، هو مشروع حرب أهلية".
وأضاف أن "هذا إجرام في الحقيقة، ولذلك (فإن) الذين استقبلوا هذا الانقلاب باحتفال لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، بل هم استئصاليون، بل هم إرهابيون، بل هم دعاة لحرب أهلية"، بحسب قوله.
ومنذ 11 فبراير الماضي، نفذت السلطات التونسية حملة توقيفات شملت قادة حزبيين وقاضيين اثنين، ورجل أعمال ومحاميا وناشطا.
وينفي الرئيس التونسي قيس سعيد أن تكون التوقيفات سياسية، ويتهم بعض الموقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".
وشدد سعيد مرارا على استقلال السلطات القضائية، إلا أن المعارضة تتهمه باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءات استثنائية بدأ فرضها في 25 يوليو 2021، ما أثار أزمة سياسية حادة.