في مارس 1928 تأسست بالإسماعيلية دعوةُ الإخوان المسلمين، أسسها مدرسٌ شابٌّ ومعه ستةٌ من شباب العمَّال والحرفيين، وفي أكتوبر سنة 1932 انتقل الأستاذ المؤسِّس إلى القاهرة، وكان لجمعية الإخوان المسلمين في ذلك العهد خمس عشرة شعبة بالقطر المصري.

ولم يأت شهر فبراير 1935م إلا وكان للإخوان في مصر أكثر من خمسين شعبةً لها عناوين ومقرات، ويخرج عن نطاق ذلك الحصر شعب الإخوان خارج مصر (جريدة الإخوان- س 2- عدد 37- 17 ذي القعدة 1353= 21/2 /1934 "وثيقة").

وفي عام 1948: "بلغ أعضاء الجماعة العاملون في مصر وحدها نصف مليون، وبلغ عدد الأعضاء المنتسبين والمؤازرين أضعاف هذا العدد، أما عدد شعبهم في مصر وحدها فبلغ 2000 شعبة، وفي السودان حوالي 50 شعبة، عدا شعبهم في معظم البلدان العربية والبلاد الإسلامية، والأصدقاء في بلاد أوروبا وأمريكا" (محمد شوقي زكي- الإخوان والمجتمع المصري- ص 32).

وإذا علمت أن عدد سكان مصر في هذا الوقت كان حوالي 18 مليون نسمة تقريبًا، وإذا علمت أن أكثر من 50% من سكان مصر تقلُّ أعمارهم عن 16 عامًا، وإذا حذفت من الباقين كذلك من يزيد عمره عن 60 عامًا، وإذا حذفت كذلك النساء والنصارى.. تُرى كم تكون نسبة الإخوان إلى الباقين من الرجال والشباب؟‍! وتُرى هل بالغ خالد محمد خالد حين قال: "كان من العسير أن تجد بيتًا واحدًا في مصر ليس فيه واحدٌ منهم"؟! (خالد محمد خالد- في مواجهة عبد الناصر والسادات- محمود فوزي- ص 41).

ولنا أن نتساءل: كيف حدث هذا التحول العظيم؟!

أولاً: الحركة الدعوية الخارقة للأستاذ البنا

يقول عنه روبير جاكسون: "في الأزقَّة الضيقة في أحشاء القاهرة- في حارة الروم وسوق السلاح وعطفة نافع وحارة الشماشرجي- بدأ الرجل يعمل وتجمَّع حوله نفر قليل".

ويقول المجاهد الجزائري الفضيل الورتلاني: "يعمل ليل نهار دون أن يبدو عليه أثرٌ من جهد أو كلل، بل كان هناك مَن يلقاه ويمضي معه الليلَ يظن أن في الصباح راحتَه، وهناك مَن يلقاه في الصباح ويظن أنه قد أخذ حظَّه من الراحة ليلاً ولكنه كان في الحالين يعمل" (الدعوة- سنة 3- عدد 104-10/ 2/ 1953).

منهاج الحركة الدعوية لدى الأستاذ البنا:

"وكان منهاج الأستاذ البنا أن يزور المركز العام في الصباح الباكر، ويترك فيه مذكراتٍ فيها توجيهاتٌ وأعمالٌ تتطلب إنجازًا، ثم يقصد مدرستَه، فإن كان مسافرًا يتوجه من المدرسة إلى المحطة، وإن لم يكن يعرج على المركز العام ثانيةً، يقابل ويوجِّه ويصرِّف ما يجدّ من عمل، وفي المساء يزور المركز ثالثةً، ويقضي فيه وقته مقابلاً الوفودَ والزائرين، أو مجتمِعًا في لجان أو محاضرًا، ولم يمنعه ذلك من متابعة أسفاره إلى الريف، في أثناء العطلة الدراسية، وكان يقطع الوجه القبلي كله بلدًا بلدًا وقريةً قريةً في عشرين يومًا، في بعض الأحيان يصبح في بني سويف ويتغدَّى في ببا، ويُمسي في الواسطى، ويَبيت في الفيوم، وكانت أسفاره في عطلته الأسبوعية وفي عطلته السنوية في الصيف، ففي الأولى يزور البلاد القريبة، وفي الثانية البلاد البعيدة" (الإخوان والمجتمع المصري- محمد شوقي زكي- 22).

وحين نطالع جداول رحلاته للدعوة في أنحاء مصر بوجهَيها البحري والقبلي نرى عجبًا.. نرى أولاً: قيامه برحلات الصعيد والوجه القبلي في فصل الصيف؛ حيث القيظ والحرارة الملتهبة، وما ذلك إلا للاستفادة من فترة الإجازة الصيفية للمدارس واستغلالها في رحلات الصعيد الطويلة، بينما تتم رحلات الوجه البحري في الشتاء حيث البرد والأمطار؛ حيث يتيح قرب الأماكن استغلال فترة إجازة نصف العام القصيرة، رغم مخالفة هذا النظام لطبيعة المناخ في الفصلين، وحيث تعارف الناس على تفضيل الصعيد شتاءً والوجه البحري صيفًا، ولكن ذلك لم يكن واردًا في حسابات الداعية المجاهد.

وكان ذلك الأمر موضع دهشة واهتمام أعوانه ومؤيديه وكذلك المتابعين لحركته والمراقبين لها، وسجَّل ذلك أحد إخوانه الشعراء في قصيدة بعنوان (مصيفة الأقصر الحرى وجيرتها) فقال:

 

مصيفة الأقصر الحرى وجيرتها                   والثغر مشتاه إذ سكانه هجروا

 

قد يصبح اليوم في مصر وتشمله                 إسكندرية إن وافى به الظهر

 

ويحتويه أصيل اليوم داعية                    في الـ"طنطا" وفي "بنها" له سهر

 

وبالصعيد وما أقصى تراميه                    من طول جولاته الإعجاب مختمر

 

يمشى بمنيته حتى إذا انتصف                 الليل استقلت بأقصى قنا القطر

 

يدعو بها جل يوم ثم يبرحها                  عصرًا لأسوان حيث الدرس والعبر

 

وينثني قافلاً من العشاء إلى                 مصر فيبلغها والفجر محتضر

 

(عبد الحكيم عابدين، نقلاً عن "حسن البنا حياة رجل"- أنور الجندي- ص 49)

ويدهش المتابع لحركة الأستاذ البنا من ضخامة المجهود المبذول في هذه الرحلات، فحين تطالع برنامج الرحلة تعجَب لهذا العدد الضخم من الزيارات في وقت قصير جدًّا، وعلى سبيل المثال ففي إحدى رحلاته للصعيد قام بزيارة 21 مدينة ومركزًا في الصعيد خلال سبعة أيام، أي بمعدل ثلاث مدن في اليوم الواحد، ويزداد عَجَبك حين تعلم أن هذه الزيارات تتضمن بصفة أساسية إلقاءَ محاضرات عامة ولقاءات خاصة للإخوان وزيارات لوجهاء هذه المدن ومشاركةً فيما يطرأ من مناسبات.

وفي مقال رائع بعنوان (حسن البنا.. القتيل الذي أحيا) يتحدث خليفته حسن الهضيبي:

"كنا في القطار بأقصى الصعيد، فأشار أحد رفقائي إلى الجبل، فرأيت ناسًا يصعدون أو ينزلون كأنهم من فرط ارتفاعه في أحجام النمل، وقال: هنا صعَد حسن البنا وصعدْنا معَه ولقيْنا من المشقة حتى وصلنا إلى قوم كأنهم من طول ما احتُبسوا في هذا المكان فيهم من الإنس جفوة، وجعل الأستاذ الإمام- طيَّب الله ثراه ورضي عنه وأرضاه في الجنة- يؤنس من وحشتهم ويرقِّق من طباعهم ويدعوهم إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله!!

وتحت شجرة قليلة الرَّواء كأنها أسِنَت قبل الأوان من كثرة ما ظمِئَت قال آخر: هنا نزلنا من الأوتوبيس نقصِد إحدى القرى، ونظرت فإذا لحية الأستاذ الإمام قد صارت بيضاء مما علاها من التراب، وملابسه قد اختفى لونها لِما غَشِيَها لا أقول من وعثاء السفر فالوعثاء شيء قليل، وفتحنا الشنطة وأخرجنا منها الفرشاة وجعلنا نزيل الغبرة التي لحقتنا ونصلح من هندامنا، ثم مضينا إلى القرية ندعو أهلها إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله.

ثم وصلنا إلى إحدى المحطَّات ولعلَّها (إدفو) فقال آخر: إن الأستاذ الإمام بات على كرسي أمام هذه الخمَّارة، وذلك أن أحد الأشخاص دعَاه لافتتاح شُعبة، فكتب إليه بأنه حاضر في قطار كذا، وكأن الخطاب لم يصله ولم يجد في المكان من الأيقاظ إلا صاحب الحانة يهمُّ بإغلاقها فرقَّ له وأعطاه كرسيًّا يبيت عليه حتى الصباح وأغلق حانتَه وانصرف، وفي الصباح ذهب الأستاذ إلى القرية يدعو أهلها إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله.

وانتقلنا إلى الوجه البحري، وجبنا قرى إحدى المديريات في أسبوع، فما وجدنا قريةً إلا وصل إليها الأستاذ على غير ما وصلنا، فقد وصلنا في سيارات تنقلنا من مكان إلى مكان نختصر الوقت ونقرِّب المسافات، ومهما لقينا في ذلك من مشقة فإنها لا تقاس بالمشقة التي لقيها الأستاذ الإمام؛ حيث كان يصل إلى هذه القرى سيرًا على الأقدام أو يركب الدوابّ، قرى سحيقة بعيدة عن العمران، نسِيَها الناس ونسيتها الحكومات حتى طاف بها طائفٌ من رحمة الله ونورِه، فدعاها الداعيةُ إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله" (الدعوة- سنة 3- عدد 104- 10/ 2/ 1953).

ثانيًا: شباب الإخوان ونشر الدعوة في أنحاء مصر

ولم تقتصر هذه الحركة الدعوية على الأستاذ البنا وحده، وإنما أعدَّ شبابَ دعوته ورجالَها ليكونوا دعاةً مجاهدين، يجوبون أنحاء مصر نشرًا للدعوة وتبشيرًا بالفكرة:

يقول جيمس هيوارث دين في كتابه: (التيارات الدينية والسياسية في مصر): "كان حسن البنا يتخيَّر طلبة العلوم الدينية الذين درسوا دراسةً جادَّةً القرآنَ الكريمَ واللغةَ العربيةَ والخَطابةَ وأصولَ الفقه، والذين لم تدنس عقولَهم المفاهيمَ الغربيةَ وطريقةَ الغرب في التفكير، وكان معظم هؤلاء من صغار السنِّ الذين يمتلئون حماسة القيام بأي أعمال خارقة تتطلب التضحية والجرأة، وكان ميدان عملهم المساجد؛ حيث يواظبون على الصلاة فيها في كل الأوقات وخاصةً يوم الجمعة، فإذا فرغ الناس من الصلاة توزَّع هؤلاء الدعاة الشباب بينهم؛ ليعقدوا لهم حلقاتٍ متفرقةً يحدثونهم عن الإسلام ثم عن دعوة الإخوان المسلمين وأهدافها الدينية والسياسية، وأحيانًا يتحدثون لهم عن قضية سياسية تشغل الناس أو عن بعض الرذائل التي تنتشر بين الناس، كالمخدرات والخمور والدعارة، ويحثُّونهم على التصدي لهذه الرذائل من خلال الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين" (الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين- زياد أبو غنيمة- ص 12).

ويضيف قائلاً: "وكان حسن البنا ذكيًّا في اختيار بعض المناسبات الدينية أو الوطنية ليوجِّه هؤلاء الدعاة الشباب لاستقطاب الجماهير وعندما تنشب أزمات وطنية، وكان يوجِّههم لاستغلال مواهبهم الخطابية والدعائية لإثارة المصلين ضد بريطانيا وعملائها في مصر، أو ضد اليهود في فلسطين وفي مصر، وكان البنا يجنِّد هؤلاء الدعاة الشباب ليجوبوا أرجاءَ مصر في الحَرِّ اللاهب ليجمعوا التبرعات للفدائيين في فلسطين، بعد أن يخطبوا في المصلين خطبًا ناريةً ضد الإنجليز واليهود" (الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين- زياد أبو غنيمة- ص 13).

وهذه بعض النماذج العملية من حركة دعاة الإخوان:

1- بعثة الصيف للإخوان المسلمين إلى الأحبة في الريف الجميل (1936): "رأى المكتب العام للإخوان المسلمين في هذا العام أن يختار وفدًا من رجال الجامعتين الأزهرية والمصرية ليقتسم بلدان القطر ويطوف فيها ويقوم بواجب الدعوة إلى الله ونشر الخير والتهذيب بين المواطنين الكرام من إخواننا المحبوبين، فتكوَّنت لذلك لجانٌ عشرٌ ستزاول مهمتها على التقسيم الوارد بعد هذا إن شاء الله.. رجاؤنا إلى حضرات الإخوان ونقبائهم أن يسهِّلوا لإخوانهم مهمتَهم، وأن يُعينوهم في غايتهم التي هي غاية الجميع، وأن يمدوهم بالإرشادات اللازمة التي تساعدهم على نجاح الغرض الذي هاجروا من أجله، وهي هجرة في الله نرجو أن تكون لهم أجرًا وللدعوة نشرًا وللبلد خيرًا إن شاء الله" (جريدة الإخوان- س 4- عدد 10- 26 ربيع أول 1355- 16/6/1936).

وكان لهذه البعثات الدعوية الصيفية نتائجُ موفَّقة وآثارٌ طيبة أشارت إليها جريدة الإخوان، وهذه نماذج منها:

"في البحيرة: لاقت الدعوة التي قام بها أعضاء بعثة الإخوان المسلمين في مديرية البحيرة تربةً خصبةً، فآتت أكلها وأينعت ثمراتها، وتألفت على أثر ذلك رابطة الإخوان بناحية فليشان بحيرة، وفي السماعنة: اجتمع لفيف كبير من أعيان بلدة السماعنة مركز فاقوس شرقية بمنزل حضرة الأخ سيد أحمد أفندي عبد الكريم مساء الجمعة الموافق 21 ربيع الثاني وكوَّنوا شعبةً لجمعية الإخوان بها، وقد اقتنعوا بما شرحه لهم من أغراض الجمعية ومقاصدها حضرة محمد أفندي عبد العزيز خاطر، وفي كوم أمبو: تألَّفت شعبةٌ للجمعية في كوم أمبو على أثر الدعاية التي قام بها حضرة مندوب الجمعية الشيخ محمد البدر، وقد تألفت من سبع وعشرين عضوًا كلهم من أهل الفضل وأعيان البلاد ووجوهها وتجارها، وفي مديرية الغربية: جاءنا من حضرتي مندوبي بعثة الجمعية في مديرية الغربية حمدي أفندي الجريسي ومحمد أفندي زكي صالح أنهما وصلا إلى قويسنا وبثَّا فيها الدعوة للجمعية وقابلا فيها حضرتي محمود أفندي الطوري ابن عمدتها والموظف بمجلس قروي منشية صبري في قويسنا، وهذان الإخوان قد عاهدا الله على تكوين شعبة للإخوان" (جريدة الإخوان- س 4- عدد 16 28/ 7/ 1936).

 

2- استمرار نشاط شعب وأفراد الإخوان في نشر الدعوة:

واستمر هذا النشاط الدعوي من الإخوان أفرادًا وشعبًا، واجتهدوا في نشر الدعوة في أنحاء البلاد، مما حدا بمكتب الإرشاد للجماعة أن يُحيي ذلك النشاط وينشر بيانًا تحت عنوان (الدعوة في الريف وواجب الشعب المركزية نحوها) جاء فيه: "أخذ كثيرٌ من شعب الإخوان المركزية بنشر الدعوة في الريف في رحلات أسبوعية يوم الجمعة، وأتَت هذه الخطة بأبرك الثمرات، ومن هذه الشعب النشطة شعبة طنطا وبنها وزفتى وأسيوط والزقازيق والقطاوية وأبو حماد؛ إذ صار لكل منها شعب كثيرة استجابت للدعوة بندائها وزياراتها؛ لهذا يحث المكتبُ جميعَ الشعب المركزية على سلوك هذه الخطة وزيارة الضواحي والقرى يوم الجمعة على الأقل لنشر الدعوة، والمكتب على استعداد بموافاتهم بالمطبوعات والقوانين اللازمة والاتصال بهذه الشُّعَب بعد تكوينها وزيارتها كذلك والله المستعان، والمكتب في انتظار مجهود الدوائر المركزية في هذه السبيل، وفَّق الله الجميع للخير" السكرتارية (مجلة النذير- سنة 2- عدد 17).

وتجاوبت شعب الإخوان مع ذلك التوجيه، وهذه بعض ثمرات الحركة والنشاط:

"في الصف: لا تزال جمعية الصف تزاول نشاطها في بث الدعاية وتأليف الشُّعَب، وقد سافر مندوب الشعبة إلى بلدتي منية الرقة وكفر قنديل، وعلى أثر ذلك تأسست شعبة برئاسة الأخ الفاضل عبد المحسن سليمان أفندي، وكذلك اجتمع مندوبو الشعبة المركزية بأعيان وأهالي بلدة الكداية فقاموا بتأسيس شعبة من كثير من فضلاء البلد، وقد اختير فضيلة الشيخ جمعة عبد الصمد نائبًا لها" (مجلة النذير- س 2- ع 33- 25 شعبان 1358= 2/ 10/ 1939).

"وقامت شُعبة بنها بزيارات إلى قرية بلتان فتأسست بها شعبةٌ، كما قاموا بزيارة كل من محطة قليوب وكوم أشفين وطحلة فتأسَّست شعب للإخوان في كوم أشفين وطحلة" (التعارف- س 5- ع 28).

الدروس والمحاضرات:

كانت الدروس والمحاضرات من الوسائل الدعوية المهمة التي أخذ بها الإمام البنا ودعاة الإخوان، فكانت هناك الدروس والمحاضرات الأسبوعية المنتظمة في المركز العام، فكان للأستاذ البنا درسٌ أسبوعيٌّ ثابتٌ كل يوم ثلاثاء بالمركز العام للإخوان بالقاهرة، وهو ما عُرف فيما بعد بـ(حديث الثلاثاء)، كما كان له درس آخر خصَّصه لطلاب الجامعات والمدارس وسُمِّي بـ(حديث الخميس) (مجلة النذير- س 2- عدد 42- 18/ 12/ 1939).

وكذلك كانت هناك الدروس والمحاضرات المنتظمة في شعب الإخوان المختلفة، ‌وهذا نموذجٌ لما نشرته جريدة (الإخوان) المسلمين الأسبوعية تحت عنوان (المحاضرات في جمعية الإخوان المسلمين): "تُلقى المحاضرات أسبوعيًّا بفرع شبرا بالقاهرة كل يوم سبت ليلة الأحد بعد صلاة العشاء بنادي الجمعية بشارع أبو طلبة نمرة 6، وبعد صلاة العشاء بفرع بولاق بالقاهرة كل يوم أحد ليلة الإثنين بمقر الجمعية بزاوية شركس، وتُلقى بفرع بورسعيد كل يوم خميس ليلة الجمعة بنادي الجمعية بشارع توفيق، وتُلقى بأبي صوير يوم السبت ليلة الأحد كذلك بنادي الجمعية بجزار المسجد، وستكون محاضرة هذا الأسبوع "الحسد ومضارُّه" يقوم بإلقائها الأستاذ الشيخ عبد الله سليم نائب الإخوان، كما سيقوم حضرات وعَّاظ الجمعية بالقاهرة بدروسهم الوعظية هذا الأسبوع إن شاء الله بمساجد الخازندار بشبرا والكخيا والجوهري بالسكة الحديد" (جريدة الإخوان- س 1- عدد 20- 12 شعبان 1352= 30/ 11/ 1933) (وثيقة).

كما كان يقوم الأستاذ البنا ودعاة الإخوان بإلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد والأندية المختلفة في أنحاء القاهرة وسائر أنحاء البلاد، ومن ذلك ما نشرته جريدة الإخوان المسلمين: "سوف يقوم فضيلة الأستاذ حسن أفندي البنا المرشد العام للإخوان المسلمين بإلقاء محاضرة بمسجد فاضل باشا بدرب الجماميز، كما يلقي الأستاذ الشيخ مصطفى الطير- نائب الإخوان المسلمين بالقاهرة- خطبة الجمعة ويعِظ الناس بعد الصلاة بمسجد إسماعيل بك بركات بشارع ذو الفقار بروض الفرج، وأيضًا يحاضر الناس يعد صلاة الجمعة حضرة الأستاذ عبد الرحمن أفندي الساعاتي في موضوع (حضارة الإسلام) بمسجد الشعراني بباب الشعرية" (جريدة الإخوان- س 1- عدد 20- 30/ 11/ 1933).

3- الاحتفال بالمناسبات الإسلامية:

ومن الوسائل التي اتبعها الأستاذ البنا ودعاة الإخوان في دعوتهم إحياء المناسبات الإسلامية، وتذكير الناس بتاريخ الإسلام وسيرة رسوله وصحابته، واستغلال تلك المناسبات في دعوة الناس إلى العودة للالتزام بمبادئ الإسلام والمحافظة على العبادات والتخلق بالأخلاق الإسلامية، والارتباط بالفكرة الإسلامية ودعاتها، ونبذ التقليد الأعمى للغرب وحضارته..

فذكرى الهجرة: (النذير: س2 ع 2).

ذكرى المولد: (النذير: س2 ع 12).

ذكرى الإسراء والمعراج: (النذير: س 1 ع 19).

شهر رمضان: (النذير: س 1 ع 25).

غزوة بدر: (النذير: س 2 ع 38).

4- دعاة الإخوان وفريضة الصلاة:

ومن الأمثلة الجيدة للحركة الدعوية الإخوانية ما قامت به شعب الإخوان في أنحاء البلاد من تبنِّي حملات ناجحة للدعوة إلى القيام بفريضة الصلاة والمحافظة عليها بالمساجد، وإيقاظ النائمين لصلاة الفجر، والدعوة لأداء صلاة الجمعة وعدم التخلف عنها أو الانشغال بالعمل والتجارة عن أدائها: نشرت مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) نداءً وجهته شعبة الإخوان بالسويس بخصوص صلاة الجمعة، ومما جاء فيه: "أيها المسلمون: اجعلوا وقت الجمعة للآخرة، وكفُّوا فيه عن الاشتغال بالدنيا، واعلموا أن كل مكسبٍ مهما عظُم ساعة صلاة الجمعة فهو مكسب حرام لا بركةَ فيه، واعتقِدوا أنكم أمام الملك الجبار ستُحاسبون، وأن ما تتنعَّمون به عنه ستسألون" (جريدة الإخوان المسلمون- سنة 3 عدد 2).

وطبعت شعبة طنطا نشرةً باسم صيحة الجمعة يدعو الناس وتحثُّهم على المحافظة على الشعائر الدينية عامةً، وخاصةً صلاة الجمعة (مجلة الإخوان المسلمين- سنة 1- عدد 3- 26/ 9/ 1942)، وأحدثت شعبة المحلة الكبرى وسيلةً مبتكرةً؛ حيث جهَّزتْ سيارةً بالمذياع لتجوب أنحاء المدينة كل يوم جمعة تدعو التجار وعموم الناس إلى إغلاق متاجرهم وقت الصلاة (مجلة الإخوان المسلمين- سنة 1- عدد 10- 9/ 1/ 1943)، وقام إخوان الإسكندرية بالمرور قبل صلاة الفجر وبعدها لتنبيه النائمين إلى الصلاة؛ مما كان له أبدع الأثر في نفوس الأهالي (مجلة الإخوان المسلمين- سنة 3- عدد 55- 17/ 3/ 1945).

5- الإخوان ودعوة غير المسلمين:

وما كان الإخوان الدعاة ليتركوا أي فرصة تسنح لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، فها هي طائفة المنبوذين بالهند يقرر 70 مليون منهم ترك الهندوكية والبحث عن دين آخر يؤمنون به، فيكتب الأستاذ البنا إلى شيخ الأزهر خطابًا يستصرخه ألا يضيع الأزهر هذه الفرصة السانحة، فيتصل بهؤلاء ويدعوهم إلى دين الله العظيم، ويحذِّر من مغبة التكاسل أو التفريط في أداء هذا الواجب الخطير (جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية- سنة 4- عدد 11)، ومن الطريف أن نجل الزعيم الهندي غاندي قد اعتنق الإسلام وتسمى باسم عبد الله، وكانت له مع الأستاذ البنا صلاتٌ ومراسلاتٌ، وأرسل له الإمام البنا خطابًا مفتوحًا على صفحات (جريدة الإخوان المسلمين) الأسبوعية زوَّده فيه بنفحات غالية من النصائح والتوجيهات (جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية- سنة 4- عدد 15).