تترقب أسواق المال والأعمال في مصر رد فعل الجنيه والاقتصاد الوطني على قراري البنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي المصري بشأن الفائدة الأسبوع القادم، وخاصة بعد ارتفاع التضخم في مصر لمستويات قياسية خلال الشهور الثلاثة الماضية.

وتحذّر بعض بنوك "وول ستريت" من أن الضغوط المتنامية على الجنيه قد تضطر البنك المركزي قريبًا إلى السماح بتخفيض جديد لقيمة العملة.

ورفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة سبع مرات خلال عام 2022، ومرة واحدة حتى الآن خلال 2023، لتتراوح حاليًا بين نطاق 4.5% إلى 4.75%.

وفي اجتماع فبراير الشهر الماضي، أبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة لليلة واحدة دون تغيير، قائلا في بيان إن الزيادات الحادة في أسعار الفائدة التي تم تطبيقها على مدار العام الماضي ستساعد في كبح التضخم الذي يبلغ الآن 21.3%.

وأبقت لجنة السياسة النقدية بالبنك على عائد الإقراض لليلة واحدة عند 17.25%، وسعر الإيداع لليلة واحدة عند 16.25%.

 

توقعات خفض الجنيه

بيد أن قرار الفيدرالي من شأنه أن يؤثر أيضًا على الجنيه الفترة القادمة، إذ أن التداعيات السلبية ستكون أكثر قسوة على الاقتصاد المصري إذا ما استمر "الفيدرالي الأمريكي" على نهج التشدد النقدي في الفترة المقبلة، ويرجع ذلك إلى جذب هذه المعدلات المرتفعة الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة مثل مصر.

ومن شأن انخفاض الجنيه تخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات في مصر ويجعل التعامل مع فجوة التمويل أكثر سهولة، رغم ما يصاحبه من مخاطر ارتفاع التضخم.

ولامس الدولار الواحد 31 جنيهًا، منذ ما يقرب من أسبوع. كما أنها تراجعت نحو 2% منذ نهاية يناير، أي أقل من التراجع الذي شهده الروبل الروسي والبيزو الأرجنتيني والكواشا الزامبي والوون الكوري الجنوبي، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق".

سعر الصرف الفعلي الحقيقي للجنيه أقل بنسبة 23% من متوسط سعره خلال 10 سنوات، وفقًا لـ"سيتي غروب".

كتب محللو "سيتي غروب"، بمن فيهم ليديا رانغابانايكن، التي تعمل في لندن، في تقرير: "يبدو المستثمرون في الخارج مستعدين للرهان على تخفيض آخر للعملة– مرة أخرى".

 

الأموال الساخنة.. وقرار الفيدرالي

من المستبعد عودة الأموال الساخنة في المستقبل القريب نظرًا إلى ارتفاع الفائدة على الدولار الأمريكي، وتتوقع الأسواق أن يرف الفيدرالي الفائدة بـ 25 نقطة أساس بالاجتماع المقبل، وقد يتبعه البنك المركزي مع استمرار الفيدرالي في دورة التشدد النقدي، مما يضيف أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة التي تتحمل فوائد الديون.

وفي الوقت نفسه، تدل الخطوة القادمة من الفيدرالي الأمريكي -إذا رفع الفائدة- على إصراره على تحقيق ركود ناعم للسيطرة على التضخم، حيث إن هذه الخطوة ستزيد من مخاوف دخول العالم في حالة ركود اقتصادي". بجانب أن مواصلة رفع الفائدة يعزز من قوة الدولار ومن شأنه أن يجذب أكبر حصيلة من المستثمرين الأجانب لديها، مما يؤثر سلبًا في باقي دول العالم ومن بينها مصر، وفقًا لـ"investing".

وعلى الجانب الآخر، يزيد ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية من أعباء الاقتراض بالدولار الأمريكي، سواء من المؤسسات المالية الدولية أو بطرح سندات دولية بالعملات الأجنبية، ومعه تتزايد الديون، مما يضغط على ميزان المدفوعات في ظل نقص وشح العملة الأمريكية فتهبط قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، وذلك في ظل اتباع سعر صرف مرن.

 

اجتماع تسعير الفائدة

بعد أن أفادت البيانات الصادرة الأخيرة أن التضخم في مصر ارتفع بأكثر من التوقعات، قالت مجموعة "غولدمان ساكس (NYSE:GS)" إن البنك المركزي المصري قد يضطر إلى رفع أسعار الفائدة بما يصل إلى 300 نقطة أساس عندما يجتمع في وقت لاحق من هذا الشهر.

إن رفع أسعار الفائدة بهذا الحجم ليس هو الأول، فمع خفض قيمة الجنيه عدة مرات خلال العام الماضي اضطرت مصر إلى هذه الإجراءات لخفض التضخم. حيث رفع البنك المركزي سعر الفائدة على الودائع القياسية بمقدار 300 نقطة أساس في ديسمبر - وهو أكبر معدل منذ عام 2016 - إلى 16.25% لكنه أبقاه عند هذه المعدلات منذ ذلك الحين.

واتجه البنك المركزي المصري للتشديد النقدي في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم محليًا، حيث قرر رفع الأسعار بنحو 8% خلال عام 2022، متماشيًا مع التوجهات العالمية نحو تشديد السياسات النقدية، فيما تعد الزيادة الأكبر في تاريخ البنك المركزي المصري خلال عام.

وقال الدكتور هاني جنينة الخبير الاقتصادي المصري: "إن رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم هو أمر متوقع، مشيرًا إلى أن نسبة الرفع ستتراوح بين 2% و3%، مؤكدًا أن الاحتمالات تشير إلى رفع 3% ما يعد أعلى معدلات رفع قد يشهدها السوق".

وأكد سهر الدماطي نائب رئيس بنك مصر سابقًا على كلام جنينة وقالت: "إن البنك المركزي المصري سيرفع سعر الفائدة 2% في الاجتماع المقبل لمواجهة الضغوط التضخمية وكبح جماح التضخم عبر تحجيم السيولة قدر المستطاع".

 

رفع الفائدة وتخفيض الجنيه

غالبًا ما يتزامن إعلان رفع الفائدة مع تعديل محتمل لسعر العملة، خاصة في مصر، وذلك من أجل السيطرة على الأسعار وسحب السيولة من السوق، وهو الأمر الذي حدث في 4 تخفيضات سابقة للعملة.

يناير 2023

يوم 4 يناير الماضي، وعقب قرار البنك المركزي، بإعلان زيادة جديدة بأسعار صرف الدولار، أعلن البنك الأهلي المصري وبنك مصر عن طرح شهادة بسعر فائدة قياسية يصل إلى 25% سنويا وهي الأعلى على مستوى الجهاز المصرفي بهدف تحفيز العملاء على الاستثمار في الجنيه المصري وتقليل صدمة ارتفاع الدولار أمام الجنيه.

وكان سعر الفائدة على الشهادات الجديدة يبلغ نحو 22.5% سنويًا لدورية صرف العائد الشهرية، أو 25% يصرف في نهاية المدة.

وتم طرح الشهادة لمدة سنة واحدة، وكان الحد الأدنى لربط الشهادة يبدأ من أول ألف جنيه. وكانت متاحة للعملاء في فروع البنكين، والقنوات الرقمية (الإنترنت والموبايل البنكي) والكول سنتر (الخط الساخن).

أكتوبر 2022

في أكتوبر من العام الماضي عقد المركزي المصري اجتماعًا استثنائيًا ليقرر فيه تعويم الجنيه للمرة الثانية خلال عام بعد زيادة أسعار الفائدة الرئيسة 200 نقطة أساس.

مارس 2022

وهو الأمر ذاته الذي حدث في تعويم مارس 2022، وذلك عندما رفع البنك المركزي بشكل مفاجئ أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في 21 مارس 2022، وبعدها بساعات حدث تعويم للعملة. حيث وصل سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 10.25% وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 9.25%. وقفز الدولار حينها سعر الدولار إلى 18.50 جنيه في تداولات الثلاثاء 22 مارس 2022 بعدما كان يحوم قرب مستويات الـ 15.50.

الأول.. 2016

وأيضًا ارتبط رفع الفائدة بتعويم منذ 2016 عندما تم رفع فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس مرة واحدة إلى 14.75% و15.75% على الترتيب بالتزامن مع تحرير أسعار الصرف، حيث قفز الجنيه حينها فوق مستويات الـ 13 جنيهًا، مقابل 8.88 جنيهات قبل التعويم.

 

الدعم الخليجي

قالت المملكة العربية السعودية إنها تتابع التعهدات المالية المقدمة لمصر، دون الخوض في تفاصيل التقدم، وسط مخاوف من أن المملكة تتراجع عن المساعدة جزئيًا بسبب انخفاض الجنيه، وفقًا لوكالة بلومبرج.

بينما قال أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، إنه لن تكون هناك حدود قصوى للحصص المزمع طرحها للبيع من الشركتين.

وأودعت السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي العام الماضي، إلى جانب قطر. وكانت المملكة قد خصصت أكثر من 10 مليارات دولار لمصر منذ فترة طويلة، لكن حتى الآن، لم يتم الوفاء بهذا الرقم سوى بـ 1.3 مليار دولار منها فقط، وذلك عندما استحوذت وحدة من صندوق الاستثمار العام السعودي على حصص مملوكة للدولة في أربع شركات مصرية، وفقًا لبلومبرج.

قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، يوم الأربعاء، في مؤتمر بالرياض "لقد وضعنا أموالًا بالفعل" في مصر، مضيفًا أن سجل البلاد يتحدث عن نفسه.

أفادت بلومبرج الشهر الماضي أن دول الخليج تنتظر المزيد من اليقين بشأن العملة المصرية وإثبات أنها تجري هذه الإصلاحات. وتوقفت المحادثات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشأن شراء المصرف المتحد التابع للبنك المركزي بسبب خلاف حول كيفية تقييم الصفقة.

وأضاف الجدعان "مصر لديها إمكانات كبيرة، قد يواجهون بعض الصعوبات لكن لديهم ما يلزم ليكونوا أمة عظيمة، دولة عظيمة، اقتصاد عظيم".

ويُنظر إلى تأمين التمويل الخليجي على أنه "حاسم" بالنسبة لمصر لسد فجوة تمويل تبلغ حوالي 17 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة، وفقًا لصندوق النقد الدولي.