بينما يعاني المواطنون من بلوغ التضخم معدلات قياسية، وسط تراجع قيمة الجنيه خلال عام من 15.6 إلى نحو 30.70 مطلع مارس الجاري، جاء قرار لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية برفع أسعار البنزين، ما أصاب المصريين بحالة من العجز عن توفير مستلزماتهم اليومية.

وتشير أحدث بيانات البنك المركزي، إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى 31.24% على أساس سنوي خلال الشهر الأول من العام الجاري، مقارنة بنسبة 24.4% في الشهر الأخير من 2022.

وبينما تعلن حكومة الانقلاب أنها تكافح موجات الغلاء، إذا بها تعلن صدور قرار ارتفاع أسعار البنزين في هذا التوقيت قبيل شهر رمضان ومع توقعات 4 بنوك عالمية بحدوث موجة تعويم جديدة للجنيه هي الرابعة بعهد السيسي؛ لتشعل أسعار جميع السلع وخدمات النقل وغيرها.

وسجلت أسعار الوقود في عهد السيسي أرقامًا قياسية، حيث كان يبلغ سعر "بنزين 80" قبل توليه الحكم منتصف 2014، نحو "90 قرشًا"، و"بنزين 92" حوالي "1.85 جنيهًا"، و"بنزين 95" "5.85 جنيهًا"، أما السولار فكان بنحو "1.10 جنيهًا"، فيما سجلت أسطوانة الغاز 5 جنيهات فقط.

وأعلنت وزارة البترول في بيان، عن بدء الزيادة على أسعار البنزين، تنفيذًا لقرار صادر عن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، وشملت الزيادات (بنزين 80 أوكتان)، بمقدار 0.75 جنيها ليرتفع من 8 جنيهات إلى 8.75 جنيهات، بنسبة زيادة 9.3%.

كما رفعت سعر البنزين من نوع (92 أوكتان) بمقدار جنيه واحد، ليرتفع من 9.25 جنيهات إلى 10.25 جنيهات للتر الواحد، بنسبة زيادة 10.8%.

ورفعت سعر البنزين من نوع (95 اوكتان) بمقدار 0.75 جنيه للبنزين، ليرتفع من 10.75 جنيهات ليستقر عند 11.50 جنيه للتر، بنسبة زيادة 7%.

 

مزيد من الركود

من جانبه توقع الخبير والمستشار الاقتصادي، الدكتور أحمد خزيم، أن "يستتبع ذلك الرفع اجتماعًا استثنائيًا للبنك المركزي للتحريك الرابع لانخفاض الجنيه مع اتجاه لرفع الفائدة، وهو أيضا شرط من شروط الصندوق، بجانب الإسراع في عرض شركات الدولة للطرح".

وأوضح أن "ذلك كله حتى تتم موافقة الصندوق على منح القاهرة القسط الثاني للقرض قبل المراجعة المقررة 15 مارس الجاري"، وفقًا لـ"عربي 21".

وقطع بأن "تلك القرارات ستؤدي لمزيد من التضخم وارتفاع الأسعار والركود في الأسواق، ومزيد من إنهاك الطبقة المتوسطة، وتزايد الفقر، خاصة خلال أهم مواسم الشعب المصري؛ شهر رمضان المبارك، ومن بعده عيد الفطر".

ولفت إلى أن "هذا ما جعل الدولة تعلن عن رفع يبدأ من إبريل المقبل بالمرتبات والمعاشات، في زيادة لا تتوازى مع انخفاض الجنيه وارتفاع الأسعار، ما يشكل الأثر الناتج عن الدائرة الجهنمية لاتساع الفارق".

 

معدلات التضخم

وأكد الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، أن رفع أسعار الوقود يقود إلى تحريك معدلات التضخم الشهري والسنوي في المرحلة المقبلة، وهو الاتجاه الذي تدفع إليه عديد من العوامل الأخرى ذات الصلة، في ضوء عدم توافر أي مؤشرات تقول إن ثمة استقرار أو انخفاض في معدل التضخم.

ويشير إلى أن من بين العوامل أيضًا التي تدعم ذلك هو قرب حلول شهر رمضان، وهو من المواسم التي تشهد زيادة معتادة في معدلات التضخم في ظل زيادة فاتورة الاستيراد والطلب على السلع وارتفاع المعدلات الاستهلاكية، وفقًا لـ"سكاي نيوز".

وطبقًا لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مؤشر أسعار المستهلكين السنوي في مصر سجل 25.8% في يناير، ارتفاعًا من 21.3% في ديسمبر

بيانات الجهاز تشير إلى ارتفاع أسعار المستهلكين "على أساس شهري" 4.7% في يناير مقابل 2.1% في ديسمبر.

ويتفق معه، محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي للاستثمارات المالية، ويؤكد أن زيادة سعر لتر البنزين ستؤثر على زيادة معدل التضخم ولكن سيظهر ذلك خلال شهر إبريل القادم وليس شهر مارس الجاري وبشكل محدود مع تثبيت السولار، وفقًا لـ"مصراوي".

وأوضح نجلة أن زيادات سعر البنزين ستظهر آثارها في التضخم العام المعد من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وليس التضخم الأساسي الصادر من البنك المركزي؛ لاستبعاد الأخير احتساب السلع المسعرة إداريًا مثل البنزين في أرقامه.

وأضاف أن تضخم شهر مارس سيظهر ارتفاعًا في وتيرة الأسعار تأثرًا بالزيادات التي تمت خلال شهر فبراير في مجموعة الطعام خاصة "الفراخ والبيض".

 

زيادة كبيرة نسبيًا

ومن جهته، لفت الإدريسي إلى أن الزيادة الأخيرة بأسعار البنزين هي زيادة "كبيرة نسبيًا" تخطت الـ 10%، موضحًا أنه الزيادة جاءت بعد إقرار لجنة التسعير التلقائي تثبيت الأسعار في آخر اجتماعاتها بالعام الماضي، ومن ثم جاءت زيادة أعلى "كتعويض عن التثبيت السابق"، وهي السياسة التي يُتوقع اتباعها أيضًا من لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي بخصوص سعر الفائدة، والتي قد تتوجه لرفعها بمعدلات أعلى بعد تثبيت السعر في الاجتماع الأخير، وهو ما يعتقد بكونه "يتسبب في صدمة مفاجئة للأسواق".

ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، نهاية الشهر الجاري؛ لمناقشة سعر الفائدة، وهو ثاني اجتماع للجنة في العام الجاري.

ويتوقع الخبير الاقتصادي، اتجاه البنك المركزي في هذا الاجتماع المرتقب إلى رفع سعر الفائدة بنسبة 1%، مشددًا على أنه "من الوارد زيادة النسبة حال انفلتت معدلات التضخم". كما يتوقع كذلك إصدار شهادات ادخار جديدة بنسب تزيد عن الـ 20% لجمع السيولة من السوق، ضمن محاولات كبح جماح التضخم.

 

مفارقات واضحة

وكشف الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، مصطفى عبد السلام، عن بعض المفارقات، موضحًا أن أسعار البترول قفزت إلى نحو 140 دولارًا للبرميل في مارس 2022، وأنها تراجعت إلى نحو 84 دولارًا للبرميل في مارس 2023، ما يعني أن "سعر البرميل فقد نحو 56 دولارًا من قيمته خلال عام".

وتساءل، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "ما مبرر رفع سعر البنزين بنسبة 11%، والمازوت وغاز السيارات بنسبة 20%، خاصة أن تكاليف الشحن تراجعت عالميًا بالفترة الأخيرة، وهناك انفراجة في أزمة سلاسل التوريد والإمدادات العالمية؟".

وتسعى مصر، وهي واحدة من 5 دول في العالم تعد الأكثر عرضة للعجز عن سداد ديونها الخارجية، إلى خفض استهلاكها المحلي من الطاقة من أجل زيادة كمية صادراتها من النفط والغاز وبالتالي زيادة مواردها بالدولار.

وفي هذا الصدد أيضًا عرضت حكومة الانقلاب العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع، إذ أن القرض الذي حصلت عليه القاهرة نهاية 2022 من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار كان مصحوبًا بشروط من بينها خصخصة العديد من الشركات العامة والإبقاء على سعر صرف مرن للجنيه حتى يعكس قيمته الحقيقية.