أظهر مشروع دين عيال زايد، أو ما يسمى "البيت الإبراهيمي" الذي دشنه محمد بن زايد رئيس الإمارات في سياق التطبيع مع الصهاينة وتعزيز "حوار الأديان" -الذي جرى سريعا منذ فترة قال مراقبون إنها تدور في فلك الأزمة المالية التي أسقطت دبي لصالح أبوظبي (2008-2009) ثم ظهر في 2019 ونما "قويا" في 2020- تضاد في المصالح بين الرياض وأبوظبي.


وكشفت فتوى سعودية أخيرة مقصودة، هذا التباين، حيث قالت الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية فيها، إنّ من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبقَ على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام.


واعتبرت أنه من أصول الاعتقاد في الإسلام، أن كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولاً وعهدًا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبقَ كتاب منزل يُتعبّد الله به سوى القرآن الكريم.


وأوضحت أن الإيمان بأنّ التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، وأن ما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرّف أو مبدّل.


ونبهت إلى أنه أمام هذه الأصول الاعتقادية، والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى “وحدة الأديان” والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، وأن الغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجر أهله إلى ردة شاملة.


وأشارت إلى أن الدعوة إلى “وحدة الأديان”، إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنّها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.


وأكدت رئاسة الإفتاء أنّه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.


وشددت على أنه لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل).


وأردفت أنه لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة “بناء مسجد وكنيسة ومعبد” في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله.


وأكدت أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله)، وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الإسلام.


الرد الإماراتي


ومؤخراً، افتتحت دولة الإمارات بيت العائلة الإبراهيمي ليضمّ كنيساً يهودياً بجانب مسجد وكنيسة، وزعمت أبو ظبي أن الخطوة تستهدف تعزيز الحوار بين الأديان في الدولة الخليجية ولذلك كانت الفتوى السعودية مثار رد من قبل أبوظبي التي استخدمت لذلك الأسلحة الناعمة ممثلة في متحدثيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.


حيث رأى عبدالخالق عبدالله، الأكاديمي الإماراتي ومستشار محمد بن زايد، أن الفتوى السعودية يُفهَم منها اتهامٌ بالرِّدة وهدم الإسلام لدولة الإمارات، بسبب مشروع بيت العائلة الإبراهيمية!


وزعم "عبدالله" في تغريدة عبر حسابه على تويتر (@Abdulkhaleq_UAE): "لا أحد بكامل قواه العقلية يبشر بديانة إبراهيمية جديدة بل بيت العائلة الإبراهيمية الذي يدعو للحوار والتعايش بين أصحاب الأديان الثلاثة".


وأضاف: "شتان بين البيت الإبراهيمي كبادرة حضارية انطلقت من الإمارات لتعميق الأخوة الإنسانية والدين الإبراهيمي الذي لا وجود له سوى في عقول مريضة وخبيثة".


وساند علي راشد النعيمي، الأكاديمي الإماراتي رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي، ووثيق الصلة بأمن الدولة الإماراتي زميله عبدالخالق عبدالله ولكنه كان أكثر شدة في الرد فكتب "يتداول البعض فتوى للجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة والتى صدرت قبل ٢٦ سنة بشأن ما يسمى بالدين الإبراهيمي ويزعم أنها صدرت بشأن بيت العائلة الإبراهيمية الذى افتتح قبل أيام.. الكذب والتدليس لخداع الأمة واختطاف عقول أبنائها نهج المؤدلجين".


وأضاف عبر (@Dralnoaimi): “مبادرة بيت العائلة الإبراهيمية رسالتنا للعالم لتعزيز قيم التعايش والمحافظة على السلم الاجتماعي وتحقيق السلام وترسيخ القيم الإنسانية التى أجمعت عليها الأديان السماوية بين البشر”.


وزعم أنه "من أراد أن يفهم رؤية الإمارات فيما يتعلق بالتعايش فليراجع صحيفة المدينة والتى وضعها نبينا محمد صلى عليه وسلم لتنظيم مجتمع المدينة بمكوناته المختلفة".!


الموقف السيريالي


وأطلق على المسجد اسم مسجد (فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب)، وكنيسة قداسة البابا فرانسيس، وكنيس موسى بن ميمون، إلا أن أحمد الطيب شيخ الأزهر قاطع بشكل غير بات (حضره مستشاره ومندوبين عنه) مراسم افتتاح البيت الإبراهيمي، في الأسبوع الثاني من فبراير 2023، وظهر السيسي في الوقت نفسه في القمة العالمية للحكومات بدبي بحضور محمد بن زايد رئيس الإمارات، فضلا عن القمة السداسية التي سبق في يناير الماضي بحضور البحرين وقطر والأردن وسلطنة عمان علاوة على السيسي و"بن زايد".


وقالت تقارير إن هناك تناغم مصري إماراتي أقلق السعودية، ودفعها إلى ردود فعل على حقارة السيسي بل واستحقاره بحد ما كشف وزير خارجية الولايات المتحدة السابق.


وأضافت التقارير أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كان ثالث ثلاثة للسيسي وابن زايد في شتى اجتماعاتهم خلال السنوات الماضية، إذ به خارج المشهد تمامًا خلال آخر لقائَين جمعا بين حليفَيه، الخليجي والعربي، وغاب عن القمة الخليجية العربية التي استضافتها أبوظبي في 18 يناير الماضي، ومن قبلها غاب عن قمة العلمين التي استضافتها مصر في 23 أغسطس 2022، وحضرها قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.


الانقلاب المفاجئ من الانسجام على كافة المسارات إلى السجال الإعلامي بين المقرّبين من دوائر صنع القرار هنا وهناك، هذا ما شهدته العلاقات المصرية السعودية خلال الآونة الأخيرة، فرغم محاولات الترقيع السياسي لإيهام الشارع المصري والسعودي بأن كل شيء على ما يرام، جاءت التصريحات المتبادلة لتكشف المستور.


ورأى مراقبون أن تلكُّؤ مصر في تسليم السعودية جزيرتَي تيران وصنافير اللتين تنازلت عنهما وفق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقّعة بين البلدَين عام 2018، كان سابقا لكل الأشياء، وأن الأمر أكبر من الـ 130 مليون دولار، قيمة الجزء المقتطَع من المعونة الأمريكية بسبب الملف الحقوقي المصري.


وأشارت إلى أن الرياض أعادت النظر في ضخّ المزيد من الاستثمارات في السوق المصري، فبدلًا من ضخّ 10 مليارات دولار كانت قد تعهّدت بضخّها في أبريل 2022، لم تضخّ سوى مليار ونصف فقط.


خلاف خليجي


ويتداول مراقبون أن "بن زايد" في جلساته الخاصة -والتي لا يرشح منها الكثير وإن رشح فيكون مثيرا – اتهم كثيرا ولي العهد السعودي (أمام خليجيون) الأمير محمد بن سلمان بأنه "عيل" وهو ذات الإتهام الذي وجهه له السيسي في تسريب كشفت عنه صحف أجنبية، وعليه اتخذ بن سلمان قرارا كان ترجمته في 15 فبراير 2021 إعلان الحكومة السعودية اعتزامها وقف التعاقد مع أي شركة عالمية ليس لديها مقرّ إقليمي داخل المملكة اعتبارًا من عام 2024، وهو ما يعني غلق كافة المقرّات في المدن الخليجية الأخرى، وفي المقدمة منها دبي، وتحويلها إلى الرياض أو جدة.


ونقلت "بي بي سي" عن سنزيا بيانكو الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، رؤيتها أن التوتر بين أبوظبي والرياض يتزايد بشدة منذ فترة طويلة، مرجعة ذلك إلى أن الجارتَين "تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية بما ينعكس على الساحة الإقليمية والدولية.


ويبدو أن انفلات الإمارات من الصراع في اليمن مع "الحوثي" واستئثارها بشراء أغلب الأصول والشركات المصرية الرابحة وعلاقتها النفطية مع حكومة طرابلس واتفاقاتها مع عسكر السودان منفردة عن السعودية أعطاها شعورا أنها "كمنافس للمملكة العربية السعودية وليس كشريك صغير"، ما دفعها للتحرك بشكل فردي بعيدًا عن السرب السعودي، ما أوغر صدر الجار الحليف ودفعه لإعادة تقييم العلاقات معه مجددًا، بحسب "بي بي سي".


الهيمنة الإقليمية الإقتصادية هي وجه الصراع المتكرر بين الرياض التي تهيمن على سوق النفط العالمي وتتحكم في قرار (أوبك)  لذلك قالت الصحيفة البريطانية، إن توجهات ولي العهد السعودي الجديدة كانت في استبدال الشريك الإماراتي بعلاقات متطورة مع تركيا وقطر، ولأنه كان ملحوظا التباعد الظاهر في افتتاح كأس العالم بين السيسي كفيل محور أبوظبي وبين بن سلمان.


وهي المواقف المتكررة ، التي عبر كثير من الإماراتيين والإعلام الإماراتي والمحسوبين على السلطة مثل عبدالخالق والنعيمي وضاحي خلفان برفض التوجه السعودي الجديد، تلميحا أحيانا وتصريحا بأحيان أخرى.


ورأى مراقبون أنه مهما تعالت نزعات التكبر الإقليمي فإن أغلبها أنظمة هشة أقل استقلالية، وأضعف من أن تستمر بمواقفها (غير المتزنة) لفترات طويلة، كونها شبكة واحدة تربطها منظومة أيديولوجية مشترَكة وإن تباينت خطوطها، فمع أول توجه أمريكي أو حلحلة من (الإيباك) بحل هذه المعضلات، سيهرولون (وبابتسمات عريضة) للأطراف التي تناقضها وستستجيب على الفور.