استهجنت تقارير دولية قيام سلطات الانقلاب باعتقال المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينتشر المحتوى الذي يقدمونه بسرعة وعلى نطاق واسع، حتى إن كان هذا المحتوى غير سياسي، وذلك في إطار حملة من قِبل عبد الفتاح السيسي تستهدف حرية التعبير.
 

المحتوى غير سياسي
ولفت تقرير مجلة "وول ستريت جورنال" إلى أنه حتى إذا كان ذلك المحتوى غير سياسي، فإن المصريين معرضين للاعتقال بعد الربط بين ما ينشرونه ويتلقاه الجمهور و"الإرهاب" أو أهداف جماعة "إرهابية"!
وفي الشهر الماضي، نشر محمد حسام الدين، وهو صانع محتوى مصري، مقطع فيديو ساخر قام بتصميمه بنفسه وحصد المقطع حوالي 7.5 مليون مشاهدة على فيسبوك، ولكن السلطات اعتقلت "حسام"، وأربعة ممثلين مصريين آخرين شاركوا معه في صنع الفيديو، جميعاً رهن الاعتقال، بعد أن تم القبض عليهم بتهم "الإرهاب"، على الرغم من حقيقة أن الفيديو لا يحتوي البتة على أي رسالة سياسية صريحة.
حسام بهجت، الناشط في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قال "هناك غضب شديد لا تخطئه العين من قبل أولئك الذين يلومون السيسي على سوء إدارة الاقتصاد، وذلك لأول مرة منذ تسع سنوات.. ومن الواضح أن ذلك يجعل السلطات أكثر توترا وحرصاً على كبح جماح مثل هذا السلوك".
ونشر محمد حسام مقطع فيديو ساخر بعنوان "الزيارة"، بشكل مباشر عبر الإنترنت ولديه أكثر من 1.6 مليون متابع على منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يرتدي بذلة صفراء اللون، ومن زنزانة سجن افتراضية، كان يعبر بأسلوب تمثيلي عن آمال للمسجونين، قد تكون بعيدة المنال، تتعلق بالخروج من غياهب السجون والسعي للانتقام من الخصوم.
ونقلت الصحيفة عن محامي حسام وممثلين آخرين أنهم كانوا يحاولون ببساطة كسب مزيد من المتابعين ولم تكن تسعى لتقديم بيان سياسي. ومع ذلك، فقد اتهمت السلطات الناشطين بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وتمويل الإرهاب، ونشر أخبار كاذبة، واستخدام حسابات على مواقع "التواصل" لنشر محتوى كاذب.


ظرفاء الغلابة
واعتقلت سلطات الانقلاب 3 أشخاص (من أسيوط) بسبب نشر مقطع فيديو على موقع تيك توك قاموا فيه بتشغيل أغنية عاطفية مصرية تقليدية شهيرة لكنهم استبدلوا كلمات الأغنية بكلمات أخرى للإشارة إلى ارتفاع الأسعار (الزيت واللحوم) وذلك في مارس 2022، وقال محامي المتهمين، إنه تم اتهام موكليه بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. وأفرجت السلطات عن الأشخاص الثلاثة بعد أسابيع من اعتقالهم، لكن تلك التهم – التي ينفيها المتهمون- ما زالت معلقة، على حد قول السيد سلامة.
ثلاثي أسيوط هم أصدقاء من الريف المصري، محافظة أسيوط، كانوا يأملون في جني الأموال من خلال الإعلانات التي تُنشر في ثنايا الفيديوهات التي يقدمونها على تيك توك، بحسب السيد إسلام سلامة، محامي المتهمين.
وهو ما أشار إلى أن منصات التواصل التي تنشر مقاطع الفيديو، باتت وسيلة للعديد من الشباب والفقراء من المصريين، لكسب عيشهم باستخدام كاميرا الهاتف المحمول والاتصال بالإنترنت فقط. وبالنسبة للأشخاص الذين غنّوا في أحد الفيديوهات عن ارتفاع الأسعار..
“ظرفاء الغلابة”. كانوا بالفعل محظوظين حيث رأى ممثلو النيابة العامة أنهم كانوا يتصفون بالسذاجة في تقديمهم لهذا الفيديو.


خوف السيسي من وسائل التواصل
وقالت التقارير الحقوقية إن المساحة الرقمية واحدة من آخر المساحات الحرة نسبياً والمتاحة للتعبير منذ ذلك الحين، ولكن يبدو أنه يتم العمل على إغلاقها الآن أيضاً بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والتي أدت إلى تفاقم معدلات التضخم، المرتفع أساساً.
وقال مراقبون إن السيسي يدرك قوة التأثير الشديد لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان يشغل منصب مدير المخابرات العسكرية في عام 2011، عندما انتشرت الدعوات على منصات التواصل الاجتماعي للإطاحة بحسني مبارك، بما في ذلك منصتَي "فيسبوك" و"تويتر".
وفي عهد السيسي اعتقل عشرات الآلاف من الأشخاص لأسباب سياسية، وفقاً لمنظمات حقوقية. وتم اعتقال آلاف المصريين في عام 2019، عندما قامت الحكومة بقمع احتجاجات حاشدة في الشوارع كانت تطالب السيسي بالتنحي عن الحكم.
وقالت التقارير إن السيسي ومنذ توليه السلطة بشكل رسمي في عام 2014، دأب على التحذير مراراً من مخاطر الإنترنت وما وصفه بـ "الحرب" من خلال استخدام وسائل الإعلام والاتصال المختلفة لإحداث حالة من عدم الاستقرار في المجتمع، بما في ذلك بين الشباب.
وفي الفترة التي سبقت قمة المناخ الدولية، كوب27، بشرم الشيخ، الخريف الماضي، اعتقلت السلطات مئات المشتبه بهم (بخرق القانون وتفتيش هواتفهم ومراقبة المحتوى الاجتماعي على التطبيقات الالكترونية والتحقيق بارتباطهم بدعوات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو لتنظيم احتجاجات على مستوى البلاد بالتزامن مع الحضور الحقوقي لقمة المناخ!


حظر المواقع الإلكترونية
وتحظر سلطات الانقلاب مئات المواقع الالكترونية من خلال جدار حماية يفلتر أمنيا معظم المنافذ الإخبارية المصرية المستقلة، وغير أن مراقبة "الفيسبوك" تحديدا (30 مليون مستخدم في مصر في أحدث التقديرات) تتطلب من السلطات ألا تحجبه لاسيما وهي توظفه في الدعاية المضادة فضلا عن كون منصة “فيسبوك”، تدر قدرا كبيرا من الدخول التجارية والمعاملات اليومية عبر الإنترنت..
ووظف الانقلاب القوانين وبرلمانه العسكري في لصالح تقنين الملاحقة والحظر والرقابة الذي ينال من الجميع أو من يحاول أن يكون ضمن صناعة محتوى ينتقد السياسات أو يسخر منها، ففي 2018 سنت تشريعات لمكافحة الجريمة المنظمة، من أجل استهداف أولئك الذين يُعتقد أنهم ينتهكون قيم الأسرة المصرية’ أو يسيئون للإسلام، وهو ما تم تفسيره بحق رافضي الانقلاب، وفي 2015، صدر قانون مكافحة الإرهاب الذي تستخدمه السلطات بشكل واسع، حيث عرف "الإرهاب  أنه "أي شيء يتعارض مع المصلحة الوطنية والسلامة العامة، بهدف مطاردة أشكال التعبير المختلفة، بما فيها غير السياسية بشكل واضح".
ودأب السيسي على مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي عن كثب بحثاً عن وجود أي معارضة سياسية، وبدأت بالفعل في اعتقال الأشخاص بسبب منشورات لهم على شبكة الإنترنت نشروها على مدى عقد من الزمان تقريباً.
وبعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي، بات أي تجمع للمصريين ساحة للنيل من السيسي وعصابته والتعامل الأمني والسخرية منهم، بالتشكيك في الطريقة التي انتهجها السيسي في التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي أدت إلى مزيد من التفاقم لمعدلات التضخم، المرتفع بالفعل، من خلال إعاقة دخول الواردات للبلاد، بهدف الحفاظ على احتياطيات العملات الأجنبية المتضائلة أصلاً. وبدوره، فقد تسبب ارتفاع الأسعار في تعميق معاناة الكثير من المصريين حيث لا يتسنى لهم القدرة على شراء سلع أساسية مثل الخبز واللحوم.