هل يكون عام 2023 هو عام هروب شركات التكنولوجيا من مصر؟ كما كان عام 2022 هو عام هروب الاستثمارات الأجنبية (الأموال الساخنة) من مصر؟ وهل يعود ذلك على مناخ الاستثمار في مصر بالسلب من حيث عودة الأموال الساخنة أو تقييم مصر المالي في المؤسسات الدولية؟

أسئلة كثيرة تبحث عن جواب خاصة بعد هروب 3 شركات للتكنولوجيا من مصر خلال الشهور الستة السابقة، تبعها منذ أيام إعلان شركة إماراتية عاملة في التكنولوجيا المالية تعليق أعمالها في السوق المصري بعد دخوله بـستة أشهر.

فقد أعلنت شركة مصرية عاملة في القطاع المالي أيضًا عن تصفية أعمالها، وذلك بعد انهيار شركة للتجارة الإلكترونية قبل ستة أشهر.

 

3 شركات في 6 أشهر

والأحد، أعلنت شركة "ماني ماستر" المصرية الناشئة ومزود خدمات جمعيات الادخار والائتمان الدورية عبر الإنترنت، بدء إجراءات تصفية نشاطها في مصر، بعدما أطلقت أعمالها بالبلاد عام 2021، بحسب بيان للشركة.

والأربعاء الماضي، أعلنت شركة "تابي" الإماراتية لخدمات البيع بالتقسيط "الشراء الآن والدفع لاحقا" تعليق عملياتها في السوق المحلية بعد 6 أشهر فقط من دخولها البلاد، بسبب ما قالت عنه "الظروف الاقتصادية الصعبة".

ورغم نجاح الشركة في جمع 275 مليون دولار من مستثمرين عالميين وإقليميين، منذ سبتمبر الماضي، إلا أنها قررت إيقاف عملياتها التجارية بالسوق المصرية بداية من 23 مارس المقبل، والإبقاء على أعمالها بالإمارات والسعودية والكويت.

وفي سبتمبر 2022، ظهرت أولى أزمات تلك الشركات بانهيار شركة التجارة الإلكترونية "كابيتر"، وهروب مؤسسيها بنحو 33 مليون دولار، تمويلات حصلوا عليها من بنوك محلية.

 

أزمة الجنيه والدولار

وفي رؤيته، يعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، أن "السبب الرئيس يرجع لعدم قدرة هذه الشركات، على توقع سعر مستقر للجنيه مقابل الدولار في الأجل القصير".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "الشركات العاملة بمجال التكنولوجيا، أو مجال المدفوعات المالية لا تمتلك المرونة المطلوبة للتعامل مع تغيرات سعر الصرف".

ولفت إلى أنه "ومع تراجع التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، وقطاع المصارف في مصر، ثم صدور توقعات انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار في العقود الآجلة، فقد يكون تعليق هذه الشركات أعمالها في مصر أمرا طبيعيا".

عبدالمطلب، وفي إجابته على التساؤل: "هل المناخ الاقتصادي والاستثماري في مصر غير ملائم لهذا النوع من الاستثمار؟، قال: "لا أعتقد أن المشكلة في مناخ الاستثمار، خاصة أن هذه الشركات تحقق أرباحا كبيرة في السوق المصري".

وأكد أنه "لا يوجد منغصات أو قرارات أو إجراءات تعوق عمل هذه الشركات"، مضيفًا: "ولذلك فاعتقادي أن السبب يعود إلى مشاكل سعر الصرف، وعدم القدرة على وضع تنبوءات بخصوص مستقبل الجنيه".

 

تغول الجهات السيادية

ويعلق أحد خبراء خبير الاقتصاد - فضل عدم ذكر اسمه - أن "هناك ضغوطًا كثيرة يتعرض لها القطاع الخاص منذ التعويم الأول للجنيه نوفمبر 2016، وأن جهود الدولة في إزاحة الجهات السيادية لم تكن بالشكل الفاعل حتى الآن ولم تؤت ثمارها".

وتابع: "وهناك تخوفات كثيرة من المستثمرين الأجانب، وحتى الذين يعملون على الأرض يجدون أن تغول تلك الجهات على النشاط الاستثماري كبير، وأنه لا يمكن الاستمرار في ظل منافسة غير عادلة منها مع هذه الشركات".

وأكد أنه "رغم وعود الحكومة مؤخرًا، ورغم بوادر خصخصة بعض المشروعات المملوكة للدولة ولهذه الجهات السيادية، بصورة عامة لا تزال القبضة والسيطرة الكبيرة لهذه الجهات على النشاط الاقتصادي، ما يؤدي لانعدام التنافسية وخروج هذه الشركات".

 

تآكل القوة الشرائية

وأضاف "كلنا يعرف أن حجم النشاط يتآكل أو يتضاءل بفعل القوى السوقية المختفية، وكلنا يعرف ما يمر به الاقتصاد من انخفاض بقيمة العملة المحلية".

وأيضا "ارتفاع كبير في معدلات التضخم الذي تقدره بعض الجهات المحايدة بـ107% سنويًا، وليس كما تقول الحكومة إنه أكبر من 30%".

وقال إنه "وبالتالي فهناك ضغوط على القدرات الشرائية للمواطنين، ما وضعنا أمام تآكل بنسبة ما في الأنشطة المختلفة وبينها الأنشطة المالية".

وأشار إلى أزمة "ضبابية المشهد الاقتصادي العام في مصر بمجمله، ومستقبل الاستثمار الأجنبي، وتعامل الحكومة مع التحديات التي تواجهها خلال الفترة القادمة".

وأضاف: "ولاسيما انعدام فرص الحصول على مساعدات خليجية جديدة، وما يمكن أن نسميه تباطؤ من دول الخليج في شراء أصول مصرية تم عرضها بالفعل". وختم بالقول: "كل هذه الضبابية، أعتقد أنها مسبب رئيس لخروج هذه الشركات".

 

نمو استثمارات قطاع التكنولوجيا بأكثر من النصف

ووفقا لتقرير مبادرة "فينتك مصر"، حول "منظور التكنولوجيا المالية في مصر 2021"، فإن إجمالي الاستثمارات في هذا القطاع نمت بأكثر من الضعف إلى 159 مليون دولار، ارتفاعا من 37.1 مليون دولار في عام 2020.

ووفقا لذات المبادرة، وفي يونيو الماضي، تلقت شركات التكنولوجيا المالية الناشئة المصرية تمويلات قياسية بلغت نحو 167 مليون دولار في النصف الأول من العام 2022، عبر 31 صفقة خلال ذات الفترة.

وجاءت 53% من استثمارات التكنولوجيا المالية في مصر خلال النصف الأول من عام 2022 من داخل مصر، في حين أتت 19% منها من أمريكا، و8% من السعودية، و4% من الأردن، و4% من الصين.