تعاني الإدارة المالية في مصر (البنك المركزي ووزارة المالية) حالة من التخبط، بسبب هبوط الجنيه المتواصل، وزيادة التضخم، وارتفاع سقف الديون كثيرًا خلال بدايات عام 2023.

ولجأت وزارة المالية إلى العديد من الإجراءات المسكنة خلال الشهور السابقة، إلا أنها لم تجد أي أثر إيجابي على الحالة الاقتصادية العامة في مصر.

ويمكننا القول إن الاقتصاد وصل إلى حالة خطيرة من التدهور للأسباب الآتية:

 

تعويم الجنيه

ويكشف تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة على المصريين. بعد ثلاث تخفيضات في العملة في عام 2022، قام البنك المركزي بتعويم الجنيه في يناير للوفاء بشرط صندوق النقد الدولي لقرض بقيمة 3 مليارات دولار، وهي رابع خطة إنقاذ للبلاد من الصندوق منذ عام 2016. هذه الخطوة، إلى جانب أزمة العملات الأجنبية التي تسببت في نقص في الواردات السلع، تسببت في ارتفاع التضخم وفرضت ضغوطًا أكبر على ملايين الأسر الفقيرة.

وانخفضت قيمة الجنيه إلى النصف أمام الدولار، حيث انخفضت من 15.8 جنيهًا مصريًا إلى العملة الأمريكية في مارس 2022 إلى 30.5 جنيهًا مصريًا هذا الأسبوع. وبلغ معدل التضخم السنوي في المدن 25.8% في يناير وهو أعلى مستوى في خمس سنوات، وفقًا لـ"رصد".

 

نقص الدولار

يرجع نقص الدولار جزئيًا بسبب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، مما دفع مستثمري الأموال الساخنة إلى سحب 20 مليار دولار من البلاد. وقد خفت حدة هذه العمليات بشكل طفيف نتيجة لانخفاض قيمة العملة، لكن أزمة تكلفة المعيشة تؤثر على المصريين من جميع الطبقات وليس فقط على الفقراء.

ويضرب التقرير مثالًا لإحدى المواطنات، وتسمى "إنجي"، وهي تعيش في منطقة راقية من القاهرة ويقول إنها تجنبت زيارة طبيب الأسنان لتوفير المال وتنتظر بدلًا من ذلك شفاء ألم أسنانها بمرور الوقت.

قالت: “إذا ذهبت، فسوف يتعين علي دفع ثمن الأشعة السينية و400 جنيه للرحلة هناك والعودة”. “الآن أحسب تكلفة كل رحلة أقوم بها.”

بالنسبة للمصريين، يعد هذا تذكيرًا كئيبًا بتخفيض قيمة العملة في عام 2016 الذي صاحب قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وارتفع معدل التضخم إلى 30% ودفع الملايين إلى الفقر.

وبعد سبع سنوات، يمكن تصنيف 60% من سكان مصر البالغ عددهم 105 ملايين نسمة على أنهم فقراء أو ضعفاء، وفقًا للبنك الدولي.

 

تغول الجيش في الاقتصاد

وتعرضت العديد من المشاريع لانتقادات باعتبارها مشاريع تافهة، مثل بناء عاصمة جديدة خارج القاهرة. وقد جادلت الشركات بأن الدور المتزايد للجيش في الاقتصاد كان له العديد من السلبيات، مثل:

1 - إصابة القطاع الخاص في مصر بالركود بينما ضخت الحكومة المليارات في مشاريع البنية التحتية، التي يشرف عليها عادة الجيش. حيث سلط التقرير الضوء على أنه بموجب اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، فإن القاهرة ستنفذ إصلاحات لتعزيز مشاركة القطاع الخاص وستحدد سياسة ملكية الدولة التي أقرها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن خطط لطرح حصص في عشرات الشركات الحكومية للخصخصة.

2 - أخاف الاستثمارات الخاصة والأجنبية التي تخشى التنافس مع الدولة التي تعد أقوى مؤسسة.

كما طالب صندوق النقد الدولي بمزيد من الشفافية والإبلاغ المنتظم عن الأموال ومدفوعات الضرائب للمؤسسات الحكومية والعسكرية.

وفي ذات السياق، قال “السيسي” هذا الشهر إن الشركات المملوكة للجيش دفعت فواتير الضرائب والمرافق ولم تتنافس بشكل غير عادل مع القطاع الخاص، كما كرر تأكيده في وقت سابق بأنه يمكن فتح الجميع أمام مشاركة القطاع الخاص.

ويقتبس التقرير ما قاله “جيمس سوانستون”، وهو خبير اقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، شركة استشارية مقرها لندن: “سيسمح هذا بمزيد من المنافسة ويجذب المستثمرين الأجانب إلى مصر، الأمر الذي من شأنه أن يسمح بنقل التكنولوجيا والمعرفة لتعزيز النمو الاقتصادي على مدى أفق أطول.”

 

زيادة التضخم

وأضاف أنه على المدى القصير، من المتوقع أن يزداد التضخم أكثر، ليصل إلى “الذروة عند حوالي 26 أو 27% على أساس سنوي حيث إن تأثير الانخفاضات السابقة في الجنيه يواصل دفع التضخم غير الغذائي”. ويؤكد التقرير أن معدل التضخم السنوي لأسعار المواد الغذائية ارتفع في المناطق الحضرية بنسبة 48% في يناير.

وقال الخبير الدكتور أحمد ذكرالله، في دراسة انتقدت قرارات البنك المركزي برفع أسعار الفائدة، ونشرها المعهد المصري للدراسات: "مبررات لجنة السياسات النقدية مهترئة، بل ومستهجنة إلى حد كبير، حيث يوجد العديد من الأسباب لارتفاع معدل التضخم في مصر، ولا يشكل جانب الطلب منها إن وجد إلا نسبة ضئيلة للغاية.

ويضيف أن أسباب التضخم المحلي في مصر بصفة عامة لا تعود إلى جانب الطلب كما تدعي لجنة السياسات النقدية، وبالتالي فإن إجراءها برفع سعر الفائدة المتتالي خلال العام الحالي لا يهدف إلى خفض معدل التضخم بقدر ما يهدف إلى جذب المزيد من تحويلات العاملين في الخارج، أو محاولة جذب بعض الأموال الساخنة، وهو أمر شديد الصعوبة في ظل أوضاع الاقتصاد العالمي الحالية والمتوقعة، وفي ظل استمرار معدل الفائدة الحقيقي بالسالب رغم رفع سعر الفائدة، علاوة على محاولة وقف حمى الدولرة وفقدان الثقة بالعملة المحلية، وكلها عوامل رهينة لمعدلات التضخم واستمرار تصاعده خلال الفترة الماضية، وفقًا لـ"عربي 21".

وأوضح ذكرالله أن هناك آثارًا سلبية لسياسة رفع أسعار الفائدة، أهمها تزايد أعباء خدمة الدين المحلي، وبالتالي زيادة العجز في الموازنة العامة أو تقليل الإنفاق على الدعم والاستثمارات العامة، بالإضافة إلى تزايد تكلفة الأموال للمستثمرين المحليين، الأمر الذي يعني تباطؤ دورات الاستثمار ومعدل النمو والاتجاه نحو استمرار الانكماش خلال العام، وتداعيات ذلك على معدلات البطالة والفقر. ويؤدي كل ذلك إلى وقوع الاقتصاد المصري في دائرة جهنمية من الركود التضخمي.

 

ارتفاع الأسعار

ويؤكد تقرير "فايننشال تايمز"، أن حكومة الانقلاب أجّلت زيادات أسعار الكهرباء ووسعت برامج الحماية الاجتماعية لتشمل ما يقرب من ربع السكان للتخفيف من آثار التضخم.

لكن المصريين المتضررين بالفعل من ارتفاع الأسعار يخشون من مواجهة تضخم أكثر حدة، حيث ارتفعت الأسعار ولم يرتفع الدخل.

وعلى سبيل المثال، يشير التقرير إلى أن الرسوم المدرسية قفزت بنسبة 50% منذ بداية العام الدراسي، وتوقفت الأسر عن الذهاب إلى مطاعم الوجبات السريعة لكبح النفقات، وهناك قلق من رفع أسعار الوقود والفواكه والخضراوات.