رغم تصعيد الأزمة المكتومة بين الرياض والانقلاب في مصر، إلا أن المصريين لا ينسون أنه في 16 يناير ٢٠١٧، أكدت المحكمة الإدارية العليا -الدرجة الثانية والأعلى في القضاء الإداري- أكدت حكم الدرجة الأولى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود والمعنية بتسليم تيران وصنافير للسعودية، وذلك بعد طعن حكومة السيسي حكم الدرجة الأولى، مؤكدة أن "تيران وصنافير" مصرية وان تجميد التسليم الآني بحسب تسريبات الصحافة العبرية لا ينفي خيانة المنقلب وبيعه الأراضي المصرية مقابل الدولار.

تجميد التسليم الذي حدث خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر، كان نتيجة لخلاف بين الانقلاب وواشنطن عن إستقطاع 225 مليون دولار من المعونة العسكرية.

وفي 25 ديسمبر، تحدثت صحف الكيان الصهيوني أن تيران وصنافير ما زالتا بحيازة الجانب المصري، وأن مصر ترفض وجود قوات مراقبة علي تيران وصنافير وأن يتم تركيب كاميرات بدلاً منها، بحسب موقع أكسيوس (الصهيوني الأمريكي).

الموقع أشار أيضا إلى أن "مصر" طلبت من أمريكا الافراج عن الإستقطاعات من المعونة والمقدرة بـ 225 مليون دولار، ورأى مراقبون أن هناك فرصة لأن يضغط الجميع علي السيسي لينسحب من هذه الإتفاقية وتبقي تيران وصنافير مصرية!

الخيانة ثمنها 16 مليار دولار، كان العنوان الذي أفصحت عنه هيئة "تكنوقراط مصر" وهو الرقم الذي كشفت عنه أيضا تسريبات الصحف الصهيونية، بعد أن وافقت السعودية اليوم أن تكون الطرف الثالث في إتفاقية كامب دافيد أو جزء منه ما يوسع الإبتزاز الصهيوني للمنطقة.

السيسي قال إن أمه نصحته "أعط الحق لأصحابه.. وأن تيران وصنافير سعودية"، وشاركه برلمان العسكر وجانب من القضاء المثبتين بسديهات (اسطوانات الفضائح) ليتم سرقة الجزيرتين والموافقة بنقل ملكيتهما للسعودية ويتم تنصيب صاحب حكم "سعودية تيران وصنافير" رئيسا لمجلس النواب وهو المستشار حنفي الجبالي.


مقابل البيع

وتحدثت تقارير أن مكاتبات من الأمير السعودي محمد بن سلمان ولي العهد لوزير الخارجية بحكومة السيسي؛ سامح شكري، قالت إن السعودية لن تضع قوات لها على الجزيرتين، (جزيرتين منزوعتي السلاح)، وأن السعودية تلتزم أمام الولايات المتحدة كما أبلغت مصر سابقا بأنها ملتزمة بكافة التزامات مصر في معاهدة السلام مع "إسرائيل" ١٩٧٩ فيما يخص الجزيرتين.

ومن جانبه،  أبلغ سامح شكري رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بعد توقيع الاتفاقية، أن السعودية ملتزمة بكافة التزامات مصر فيما يتعلق بالجزيرتين.

وجند زعيم الانقلاب، نفسه والمؤيدين له، الدعاية الإعلامية لتروج أن الجزر سعودية رغم خضوعها  للجانب المصري واقعيا، ممثلا حالة غريبة على التاريخ السياسي وتاريخ العلاقات الدولية في العالم.

فضلا عن الجرح الذي أحدثه تنازل من لا يملك ما لا يستحق، فالأراضي المصرية التي حارب عليها واستشهد آلاف المصريين كانت لحماية السيادة المصرية.

 

رفض مصري

وفي ذكرى الحكم التاريخي، استعرض ناشطون صورة ملف نادر بدار الوثائق القومية معنون : " وزارة الدفاع الوطني "وهو خاص بتموين القوات المصرية خلال الفترة من 1949 وحتى عام 1950 في طابا وجزر فرعون و تيران وصنافير المصريتان، وفق ما نشر العالم الكبير الدكتور صبري العدل.

وكان أبرز ما في الملف إثبات وجود قوات مصرية في تيران وصنافير وكذلك في طابا منذ انتهاء حرب فلسطين وتوقيع اتفاق الهدنة

وهو ما يدحض أي إدعاء سعودي بأن الجزر إرث سعودي من مملكة الحجاز الهاشمية ويؤكد كذلك ملكية مصر للجزر ولطابا عبر التاريخ، رغم إنكار مفيد شهاب وزير مبارك.

في مايو الماضي أخلت سلطات الانقلاب سبيل الناشط السياسي جمال عبدالحكيم، بعد قضاء عقوبة الحبس المقررة ضده كاملة بخمسة أعوام، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"تيران وصنافير".

 

التهم التي واجهها عبدالحكيم وآخرون، رفضوا الاتفاقية وأعلنوا مصرية جزيرتي تيران وصنافير، كانت؛ الترويج لمنشورات تهدف إلى قلب نظام الحكم، وتأليب مؤسسات الدولة عبر استخدام "الفيسبوك"، وتبني أفكار جماعة إرهابية، وحيازة منشورات تحرض على العنف.

 

وشهد الشارع المصري في 25 أبريل 2017، عودة المظاهرات في ذكرى تحرير سيناء احتجاجا على الاتفاقية، في مظاهرة سلمية وحضارية وصلت وسط البلد، ونمت الاعتراضات من القوى السياسية الداخلية على تمرير الاتفاقية، التي وافق عليها برلمان العسكر بأغلبية الأعضاء، في حين أصدر مجلس الدولة في مصر حكمًا قضائيًا بمصرية الجزيرتين، ليصل الأمر إلى خلاف دستوري بين الفقهاء حول أحقية البرلمان بالفصل في الاتفاقيات السيادية.


اعتقلت السلطات العشرات وحولتهم لدائرة الإرهاب في محكمة الجنايات وحكم على العديد من الشباب بالسجن ٥ سنوات وتغريم ٧٩ منهم بغرامة ١٠٠ ألف جنيه.

 

 

تسلسل البيع
وفي ٨ أبريل ٢٠١٦، وقعت حكومة السيسي مع الحكومة السعودية اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين الدولتين، ووفقا للخطوط المحددة في الاتفاقية، فتيران وصنافير، وهما الجزيرتان المتحكمتان بمضيق العقبة (البحر الأحمر -خليج العقبة)، وهما المدخل الوحيد من البحر الأحمر لميناء إيلات المحتل من الكيان لتقع الجزيرتان ضمن الحدود السعودية!

حكم الدرجة الأولى من المحكمة الإدارية -المحكمة المسؤولة عن وقف قرارات الحكومة المخالفة للقانون- أبطلت الاتفاقية في حكمها التاريخي في ٢١ يونيو ٢٠١٦ بعد توقيع الاتفاقية بشهرين ونصف فقط.

وفي يناير ٢٠١٧، أيدت المحكمة الإدارية العليا، حكم الدرجة الأولى ببطلان الاتفاقية، وقالت نصا: "إن شعب مصر أصدر دستورا جديدا استتبعه بنظام قانونى جديد، وإن هذا النظام لازمه فكر قانونى جديد مع تمسكه بثوابت التفكير القانوني، ومنها إعادة تنظيم سلطات الدولة وترسيخ مبدأ سيادة الشعب وسيادة القانون... وإن المحكمة قد وقر واستقر فى عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتى تيران وصنافير، مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضى المصرية أثر للسيادة المستقرة، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أو شىء آخر يغير أو ينال من تلك السيادة المستقرة".



المستعجلة والدستورية
ومقابل المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا، طعنت حكومة السيسي محكمة الأمور المستعجلة، التي ظهر أن محكمة وظيفية لتمرير القرارات ذات الطابع السياسي، فحكمت (المستعجلة) ببطلان حكم الإدارية العليا في مفارقة قانونية عجيبة، حيث انها محكمة دنيا تحكم ببطلان حكم محكمة أعلى منها.

ومع انتقال القضية للمحكمة الدستورية للفصل فيها، قالت "الدستورية" إن "المعاهدات الدولية ليست قرارا إداريا خاضعا للمحكمة الإدارية العليا، وإنما عمل من أعمال السيادة"!!

أما الإجراء المتوقع فكان التنكيل بكل من رفض التنازل عن الأراضي المصرية، فمنعت المستشار يحيى الدكروري صاحب حكم بطلان اتفاقية تيران وصنافير من حقه في رئاسة مجلس الدولة، ونقلت المستشار سامي درويش عضو المحكمة الإدارية العليا اللي أكدت حكم بطلان اتفاقية تيران وصنافير من المحكمة لهيئة المفوضين خلافا للوائح مجلس الدولة.



سلامة أراضية
المادة ١٤٤ من الدستور قالت إنه يشترط أن يؤدي رئيس الجمهورية قبل أن يتولى مهام منصبه أمام مجلس النواب اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه".

المادة ٢٠٠: القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها...


وحاربت مصر سنة ١٩٥٦ دفاعا عن جزيرتي تيران وصنافير، وفي عام ١٩٦٧، أعلن جمال عبد الناصر غلق مضيق العقبة بناء على سيادة مصر على الجزيرتين وأن المضيق ممر مائي تابع لمصر وحدها وليس ممرا دوليا، ومن حق مصر غلقه.

وفي ٢١ مارس ١٩٨٢، صدر قرار من وزير الداخلية المصري وقتها حسن أبو باشا، والقرار منشور في الجريدة الرسمية المصرية العدد ٦٧ لسنة ٨١، بإنشاء نقطة شرطة ثابتة في جزيرة تيران تابعة لقسم شرطة سانت كاترين.


ونشر الناشطون محضر جلسة الأمم المتحدة في ١٥ فبراير ١٩٥٤ المنعقدة للنظر في شكوى "إسرائيل" حول ملكية مصر لتيران وصنافير وأحقية مصر في التحكم في مضيق العقبة.

الوثيقة تضمنت مذكرة مقدمة من السفير المصري في الأمم المتحدة بيقول فيها بوضوح إن الجزيرتين وقعتا تحت سيطرة مصر منذ عام ١٨٤١م، وهي السنة نشأت فيها مصر ككيان سياسي حديث مستقل عمليا عن الدولة العثمانية بعد معاهدة لندن سنة ١٨٤٠، وإن مصر احتلت الجزيرتين دول في إطار نزاع ترسيم الحدود بينها وبين الدولة العثمانية سنة ١٩٠٦،  وهو تاريخ سابق ليس على تنازل السعودية عن الجزيرتين لمصر فقط، بل على وجود السعودية أصلا كدولة حديثة نشأت سنة ١٩٣٢.