واصل الدولار ارتفاعه بجنون ليتخطى أعلى مستوى في تاريخه بـ 32 جنيهًا في بعض البنوك، بينما سقط الجنيه سقوطًا مدويًا، أشبه ما يكون بالضربة القاضية في مباريات الملاكمة!

وكان ذلك قبل أن يتراجع الدولار إلى مستوى 29.65 جنيه بحلول الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم.

وتعاني مصر منذ فبراير 2022 شحاً شديداً في العملة الأجنبية منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير، ورفع أسعار الفائدة الأمريكية على مدار العام الماضي، ما أدّى إلى خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة الأجنبية المستثمرة بأدوات الدَّين.

وأمس الثلاثاء، تراجعت أسعار الجنيه كثيرًا، ووصل سعر الدولار في البنوك إلى 27.70 جنيهًا، انخفاضًا من 27.25 جنيهًا يوم الخميس الماضي، لكنه اليوم فاق توقعات البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية والخبراء أنفسهم ليتخطى 32 جنيهًا في بعض البنوك؛ ليتراجع نحو 4.40 جنيهات مرة واحدة!

 

البنك المركزي يدعم مرونة الجنيه

وواصل الجنيه سقوطه، بعد ظهر اليوم الأربعاء، وسجل مستويات 32.1 أمام الدولار في مصرف أبو ظبي الإسلامي في آخر تحديث لشاشة أسعار البنك، وسجل أيضًا في بنك اتش اس بي سي مستويات الـ 31.9 جنيه للدولار. وفي البنك الأهلي وصل إلى مستويات الـ 31.8 للدولار الواحد؛ ليخسر بذلك الجنيه منذ مارس 2022 أكثر من 84%، بحسب بيانات "رفينيتيف".

كان صندوق النقد الدولي، أمس، قد أصدر تقريرًا عن الوضع المالي في مصر ونشر توجيهات للاقتصاد كان أهمها دعم المركزي لمرونة الجنيه مقابل العملات الأجنبية دون تدخل من المركزي إلا في حالات التقلب الشديد، وكذلك التأكيد على أنه لن يتم خفض أسعار الوقود قبل استرداد كامل قيمة دعم المحروقات. بالإضافة إلى آلية تسعير الوقود سيكون هناك آلية لتسعير الغاز المحلى بما يجعله يعكس الأسعار العالمية.

وكشف البنك أنه توقف عن التخصيص المباشر للدولار من احتياطياته لصالح الجهات الحكومية التي بات عليها اللجوء للسوق ليعكس سعر الجنيه حجم الطلب على العملة.

 

الجنيه يطيح بكافة التوقعات السابقة

وأطاح السقوط المدوي للجنيه، اليوم، بكافة توقعات الخبراء والبنوك والمؤسسات المالية الأجنبية خلال الأسابيع السابقة.

 

توقعات "موديز" 29 جنيهًا في يونيو القادم

أشارت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني في آخر تقرير لها مساء الاثنين الماضي، أنها تتوقع انخفاض الجنيه لمستويات الـ 29 جنيهًا للدولار بنهاية يونيو القادم، ولكن فشلت هذه التوقعات بالتنبؤ بسعر الجنيه بعد انخفاضه اليوم لمستويات الـ 32.

وأضافت الوكالة في تقريرها، أن مرونة سعر الصرف ستسهم في إعادة التوازن للحسابات الخارجية والمحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي؛ لكنها في الوقت ذاته قد ترفع من معدلات التضخم الفترة المقبلة، وفقًا لـ"Investing".

رفعت "موديز" توقعاتها لسعر الصرف إلى 29 جنيها للدولار في نهاية يونيو المقبل من 25 جنيهًا للدولار في توقعات سابقة.

وأشارت إلى أن انخفاض الجنيه سيرفع أيضًا من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 90% من توقعات سابقة عند 86.6% مما يؤخر خطط خفض نسبة الدين إلى 80% من الناتج المحلي حتى العام المالي 2026.

 

اتش اس بي سي.. 32.5 جنيه على المدى القريب

وذهبت أيضًا توقعات بنك HSBC لسعر الدولار مقابل الجنيه أدراج الرياح، وإن كان البنك قد توقع أن يسجل الدولار على المدى القريب 32.5 جنيه في المتوسط مقارنة بـ 26 جنيهًا في توقعات سابقة. ولكن وتيرة انخفاض الجنيه كانت أسرع من توقعات البنك، إذ انخفض الجنيه للمستويات المذكورة خلال أيام وليس على المدى القريب (يشير المدى القريب في الأوساط المالية عادة إلى مدة زمنية تصل لعدة أشهر).

وقال بنك ‏"HSBC": "حتى الانخفاض إلى ما يزيد على 30 مقابل الدولار، والذي يرفع خسائر سعر الجنيه إلى 50% (رفع مكاسب الدولار إلى أكثر من 100%)، قد لا يضغط على فاتورة الاستيراد المرتفعة بشكل كافٍ أو يؤدي إلى انتعاش قوي بما فيه الكفاية في تدفقات التحويلات المالية بشكل فوري، لكن ضغوط الحساب الجاري تتراجع".

 

الخبراء: الدولار بـ30 جنيهًا في المستقبل القريب

وذكرت شركة النعيم لتداول الأوراق المالية في مذكرة سابقة: أن "الهبوط الأخير يشير إلى أن مصر "حصلت على بعض الدعم الخارجي تمهيداً لهذه الخطوة"، وتوقعت أن ينخفض الجنيه بنسبة 5% إضافية "في المستقبل القريب"، مقترباً من سد الفجوة مع سعر السوق الموازية البالغ 29-30 لكل دولار".

فيما اتفق الخبير المصرفي هاني أبوالفتوح، وآية زهير نائب رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال للاستشارات المالية، بألا تقل نسبة انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار عن 14% عندما كان في مستويات الـ 24.6، أي توقعا بأن يستقر عند الـ 28 جنيهًا للدولار، للقضاء على السوق الموازي، وتشجيع المستثمرين الأجانب على عودة الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، ورجّحا أن يواصل معدل التضخم مساره الصعودي خلال الشهور المقبلة ليتراوح بين 22-24% لحين تسلم مصر تمويلات خارجية، والتي قد تسهم في تهدئة سعر الصرف، وفقًا لـ"Investing".

وقالت كارلا سليم الخبيرة الاقتصادية في "ستاندرد تشارترد": "سيظل الجنيه المصري تحت الضغط حتى يتحقق المزيد من التدفقات الدولارية، مما يوازن الطلب والعرض بالنقد الأجنبي.. ومن المرجح أن يدفع سد الفجوة مع السوق الموازية الجنيه إلى الهبوط بعنف قبل أن يستقر".

وفي تعليقه على السعر العادل للجنيه وتوقعاته للفترة القادمة، قال الخبير الاقتصادي، هاني جنينة، ستحدث تدفقات نقدية دولارية خلال الـفترة المقبلة، مشيراً إلى أن السعر العادل للدولار يتراوح بين 26 و28 جنيهًا. وقال في تصريحات، إن توقيت طرح شهادة ادخارية بعائد سنوي يبلغ نحو 25% ثم تحرك سعر صرف الدولار يعد خطوة جيدة في إطار تحركات توفير الدولار في السوق الرسمي.

 

مزيد من التراجع وزيادة أسعار السلع

وفي وجهة نظر مخالفة، قال الرئيس المشارك لقسم البحوث في "سي آي كابيتال"، منصف مرسي، إن التحرك الحالي للجنيه "طبيعي ومتوقع". وقال: "لا يوجد سعر محدد يستطيع أحد توقعه لأننا نسير وفق سعر صرف مرن الآن. لديك طلبات وبضائع بالموانئ، مع الإصلاحات الجارية والاستقرار وعودة الأجانب للاستثمار في أدوات الدخل الحكومية.. سترى تراجعاً بالسعر"، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبرج".

"إن تعديل سعر صرف الجنيه أمام الدولار لم يكتمل بعد، وأنه يجب أن يستمر بشكل كبير قبل استعادة توازن العرض والطلب في سوق العملات الأجنبية"، وفقًا للمحلل الاقتصادي لدى جولدمان ساكس (NYSE:GS) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فاروق سوسة.

كما أشار سوسة في مذكرة بحثية حديثة أنه رغم التقدم الكبير الذي شهده سوق الصرف في الأسابيع الأخيرة، إلا أن عدم وجود تدفقات كبيرة من دول الخليج والقدرة المحدودة للبنك المركزي على توفير السيولة بالعملة الأجنبية في السوق، سيؤدي إلى مزيد من التراجع في سعر الجنيه ينتج عنه زيادة في الأسعار.

وقال "في الوقت الذي وصل فيه سعر الصرف إلى مستوى 27.70 جنيه للدولار بالبنوك، فإن السعر الموازي وفقًا للمتوسط اليومي أقرب إلى 35 جنيهًا للدولار، وسعر الصرف المعمول به في سوق الذهب يبلغ نحو 33 جنيها للدولار".

أما صندوق النقد الدولي فيتوقع رؤية تحركات يومية لسعر الصرف في مصر بنهاية الشهر الحالي، بعد إلغاء الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية، بحسب ما أفادت به وكالة رويترز.

وقال صندوق النقد الدولي أيضًا، إن البنك المركزي المصري ملتزم بتطبيق سعر صرف مرن يتكيف مع ديناميكيات العرض والطلب وأداء ميزان المدفوعات، مع العمل على تجنب إعادة تراكم الاختلالات، ودعم القدرة التنافسية.

 

صندوق النقد: الحرب الأوكرانية ليست سبب أزمتكم!

ويكفي أن تعرف أن إيجابيات اتفاق صندوق النقد مع حكومة الانقلاب أمس الاثنين كان منها "تفكيك اقتصاد الجيش، والامتناع عن تمويل مشروعات خيالية، وإنهاء الإسناد المباشر، وضرورة إجراء مراجعات شهرية، وفقًا للخبير الاقتصادي محمود وهبة على صفحته الشخصية بـ"فيسبوك".

كما أن الصندوق ردّ على ادعاءات حكومة الانقلاب بأن حرب أوكرانيا كانت السبب في تراجع الجنيه، بالإشارة إلى أن الأزمة لا علاقة لها بالحر الأوكرانية؛ لأنها بدأت قبلها بسنوات بإدارة سعر صرف خاطئة.

ويؤكد وهبة أنه "عندما يقدر صندوق النقد والحكومة الفجوة التمويلية بمبلغ 5.04 مليار دولار حتي يونيو، و17 مليار دولار في أربع سنوات بينما هو بالمئات؛ يثور الشك حول مخطط سري لتغطية الفرق بحلول كارثية".