"لقد ذبحتنا الأسعار"، "مش عارفين نعيش"، " لا أدري كيف سأزوج أولادي"، " بالكاد نأكل الدجاج مرة أو مرتين شهريا"، " كل ما أريده الآن هو مقبرة كي أُدفن فيها وأستريح"..

هكذا تبدو تعليقات المواطنين على المعيشة التي أمسوا فيها، بعد أن هبط الجنيه، وارتفعت الأسعار، واختفت السلع من الأسواق، وأصبحت المقدرة على مواصلة العيش مستحيلة إن لم تكن معدومة!

 

إجراءات حكومية فاشلة

لم تستطع حكومة الانقلاب أن تحل وبو بشكل يسير المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها، وخاصة نقص الدولار في الأسواق، حيث شهد البنك المركزي نقصًا واضحًا في احتياطي النقد الأجنبي، ما تسبب في عدة أزمات، على رأسها تعثر الاستيراد، في بلد يعتمد بشكل كبير على السلع القادمة من الخارج، وفقًا لـ"BBC".

وبسبب تعقيدات إجرائية في عمليات الاستيراد تكدست كميات ضخمة من البضائع في الموانئ لأشهر، حتى أعلن رئيس الوزراء مصطفي مدبولي الإفراج عن بعضها من الموانئ بقيمة 6.25 مليار دولار، الشهر الماضي، من أصل بضائع تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 14 مليار دولار.

واتخذت حكومة الانقلاب العديد من الإجراءات كي تقوم بتوفير الدولار في البلاد، مثل: إغراء المستثمرين الأجانب بشراء أراضٍ في المدن الجديدة، ووضع سقف للسحب من الخارج للحفاظ على الدولار، وبيع أصول بعض الشركات والمؤسسات لدول خليجية، وتسديد العجز بقرض جديد من صندوق النقد، والسماح للعاملين في الخارج باستيراد سيارة معفاة من الرسوم والضرائب مقابل سداد مبلغ نقدي بالعملة الأجنبية، وطرح وحدات سكنية للمغتربين بسعر تنافسي، ووقف التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، وطرح أكبر بنكين حكوميين شهادات ادخار بعائدات تصل قيمتها إلى 25%، وهي أعلى نسبة عائدات في تاريخ البنوك المصرية؛ إلا أن كل هذه الإجراءات لم تُفلح حتى الآن في توفير الدولار في البنوك، أو إنقاذ الجنيه من التعويم.

وامتلأت صفحات المواقع الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة بشكاوى من صعوبة شراء الدولار داخل البنوك، ما أدى لانتعاش السوق السوداء للعملات الأجنبية. وسارع الناس لشراء الدولارات أو السبائك الذهبية باعتبارهما ملاذًا آمنًا للادخار في وقت تنهار فيه قيمة العملة المحلية.

 

البحث عن وزراء آخرين

ومن جهته، وصف خبير الاستثمار، حسن أبو سعده، توابع زيادة الفائدة على المدخرات، إلى معدلات غير مسبوقة في التاريخ، بأنه دليل على فشل الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي. مشددًا على دفعها البلاد إلى ركود حاد مع توقف الدورة الاقتصادية، بداية من التشغيل في المصانع والمشروعات وانتهاء بالبيع والشراء في العقارات والأسواق، مع تفضيل حائزي الأموال توجهيها إلى شهادات ادخار سيتحمل البنك المركزي دعمها، خصمًا من الموازنة العامة للدولة.

وواصل أبو سعده، قائلًا: "الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، وعلى البرلمان أن يتحرك لمحاسبة الحكومة والبحث عن وزراء قادرين على تحمّل المسؤولية وإدارة الأزمة الاقتصادية التي تسببت الحكومة في تصاعدها"، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ويضرب خبير الاستثمار أمثلة عن الواقع الذي يحدث في مصر، من تهاوي الجنيه، ودفع أسعار السلع إلى زيادة غير متوقعة، في وقت تعهدت فيه الحكومة بالعمل على كبح الأسعار وتخفيف الطلب على الدولار، برفع جاذبية حيازة الجنيه، كما ارتفعت أسعار الأدوية والمواد الغذائية، خلال الساعات الماضية بنسب تتراوح بين 10% و15%، زادها اشتعالا توقعُ رفع الحكومة أسعار المواد البترولية، منتصف الشهر الجاري.

 

إقالة الحكومة

وفي تحليله للحالة الاقتصادية التي تعاني منها مصر، والأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها المواطنون، دعا أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، رضا عبد السلام، إلى ضرورة تغيير الوزارة الحالية، وأن يأتي رئيس وزراء اقتصادي قادر على مواجهة المشاكل، التي "أدت إلى خراب اقتصادي"، أسوة بما فعلته حكومة عاطف عبيد التي بدأت الأول للجنيه عام 2003، وأدخلت مصر تحت مظلة تعليمات صندوق النقد والبنك الدولي.

وحذر عبد السلام من استمرار تراجع الجنيه، وعدم مراجعة المنظومة الضريبية والرسوم والمعوقات التي تواجه المستثمرين والمصانع، التي عطلت الإنتاج، وتدفع المستثمرين إلى التوقف لوضع أموالهم في البنوك أو الهرب للعمل بالخارج. وقال في تصريحات صحافية: إن الجنيه أصبح الأسوأ أداءً بفعل سياسات متكررة أدت إلى انهياره عن عرشه، وفقًا لـ"العربي الجديد".

 

صدمة ركود قوية

ويرى خبراء الاقتصاد أن الفترة القادمة ستشهد العديد من التداعيات السلبية، وسينخفض الجنيه أكثر وأكثر، وستعود المضاربة على الدولار، مع زيادة أسعار السلع، لأن التجار لا يعرفون الاتجاه النهائي لسعر الدولار، بما يدفع المواطنين إلى غلق مشروعات ومزيد من البطالة والضغوط على الطبقات الفقيرة.

ويخشى خبراء دوليون من أن يدفع تراجع الجنيه الاقتصاد إلى صدمة ركود قوية، بدوافع دولية مع زيادة الفائدة على الدولار، وعدم قدرة الحكومة على توفيره، وتصاعد قيمة الديون المستحقة على مصر مع نهاية العام الحالي لتصل إلى 200 مليار دولار.

وكشف تقرير لمعهد "أوراسيا" عن المخاطر الكبرى التي تواجه العالم في عام 2023، صدر مطلع الأسبوع الجاري، عن مخاوف انجراف مصر ضمن الدول التي ستعاني من الركود الحاد.

يقول أحد المواطنين البسطاء في أحد أحياء القاهرة الشعبية، وتكاد دموع عينيه تسبق حديثه: "كنا نظن في بادئ الأمر أن الأزمة في القمح فقط. لكن أزمة القمح العالمية حُلّت وعادت أوكرانيا لتصدير القمح. أما معاناتنا فمستمرة. فأسعار كل السلع ارتفعت. لم أعد آكل اللحم ولا حتى الدجاج". ويضيف غاضبًا: "لقد سحقتنا الدولة. لمن نذهب؟ وماذا سيحل بنا؟"