مرت الموانئ في مصر بأسوأ أزمة منذ عقود، بعد تكدسها ببضائع تُقدّر بمليارات الدولارات، نتيجة عدم وجود وفرة الدولارات للإفراج عنها، مما كبّد المستوردين والتجار والمصنعين خسائر ضخمة، وأدى إلى نقص في السلع ومدخلات الإنتاج وارتفاع أسعارها.

وأصدرت حكومة الانقلاب في فبراير 2022، قرارًا بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كل العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط لدى تنفيذ العمليات الاستيرادية، والذي لاقى رفضًا واسعًا.

وأشار العديد من الاقتصاديين ورجال الأعمال أن هذا القرار سيفشل؛ لأنه ينذر بوجود خلل في توفر العملة الصعبة بالبلاد، ويسمح بعودة ظهور سوق سوداء موازية، مما سيرفع الطلب على العملة الصعبة سواء من قبل شركات الاستيراد أو المنشآت الصناعية لتغطية الاعتمادات المستندية، وهو ما حدث لاحقًا، فنشطت المضاربات على الدولار وقفز إلى 40 جنيهًا في السوق السوداء.

 

تكدس البضائع بسبب نقص الدولار

وأشار تقرير لموقع "ذا ماريتايم إكزكيوتيف" (the maritime executive) المتخصص في أخبار اللوجيستيات البحرية، إلى أن "أزمة العملة الصعبة الرئيسة في مصر تسببت في تراكم هائل في موانئ البلاد، حيث تتعطل سلع بقيمة 9.5 مليارات دولار، حتى مع انخراط الحكومة في إجراءات "يائسة" لتسهيل الإفراج عنها وتجنب ارتفاع أسعار السلع الأساسية".

وأضاف الموقع أنه "مع غرق مصر في أعمق أزمة اقتصادية طويلة الأمد، عانت موانئها مؤخرًا من تكدس البضائع بسبب نقص الدولار، وهي الأزمة التي تفاقمت بسبب الانخفاض الكبير في الجنيه، وتعالت صرخاتُ قطاعات صناعية وغذائية مثل الدواجن، على سبيل المثال لا الحصر، بأنها على وشك الانهيار".

وقالت إحدى المفتشات المنتدبة من مركز البحوث الزراعية، فضّلت عدم ذكر اسمها، "إن رائحة البضائع خاصة الزراعية والغذائية أزكمت الأنوف في العديد من الموانئ، ويجري إعدام أطنان على حساب الشركة المستوردة"، مضيفة أن "الكثير من الشركات الزراعية المعروفة تكبدت خسائر بملايين الدولارات بعد أن فسدت بضائعها في الموانئ، إلى جانب تحملها تكاليف التأخير والكشف عنها"، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

 

لا توجد بالبلاد دولارات

وأكد تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن مصر تعاني من أزمة سيولة بالعملات الأجنبية ولا توجد بالبلاد دولارات.

وضرب التقرير مثالًا بتاجر قطع السيارات رفيق كلوفيس الذي أمضى شهر ديسمبر في الانتظار بفارغ الصبر لمعرفة ما إذا كان مصرفه سيكون قادرًا على توفير مبلغ 67.000 دولار الذي يحتاجه لتمويل استيراد شحنة من قطع غيار السيارات من أوروبا. لكن بحلول نهاية العام، كانت الدولارات ما زالت غير متوفرة؛ نتيجة لذلك تراجعت وارداته في عام 2022 إلى 10% من معدلها السنوي.

وقال كلوفيس "الظروف كارثية بالبلاد... لا توجد دولارات وليس لدي أي فكرة عن كيفية إدارة أزمة الدولارات. لدي خمسة موظفين، ونحن الآن نعتمد على ما ادخرناه في السنوات السابقة".

ويذهب التقرير إلى أن هروب مستثمري المحافظ الأجنبية بـ20 مليار دولار من مصر خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، كان سببًا مباشرًا في معاناة الشركات حاليًا من نقص شديد بالدولارات حتى وجدت نفسها في مأزق مع المستورد الأجنبي.

وعلى الرغم من وجود 13 مليار دولار هي قيمة الودائع التي راكمتها البلاد من كل من الإمارات والسعودية وقطر، إلى جانب 3.3 مليارات دولار أخرى جنتها البلاد من مبيعات الأصول الحكومية إلى الإمارات عام 2022، إلا أن معروض العملة الأجنبية ظل في نقص شديد بسبب اعتماد البلاد بدرجة رئيسة على الاستيراد.

 

اللجوء إلى صندوق النقد الدولي

ومع تفاقم الحالة الاقتصادية بالبلاد، وعجزها عن سداد مديونياتها الخارجية، اضطرت إلى أن تدخل في مفاوضات مطولة مع صندوق النقد للمرة الرابعة خلال ست سنوات، وفقًا لتقرير "فاينانشيال تايمز" ووافق الصندوق الشهر الماضي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات. ويكمن جوهر الاتفاقية في توفية شرط تلتزم فيه حكومة الانقلاب بالانتقال إلى نظام سعر صرف مرن تحدد فيه قوى السوق قيمة الجنيه، وهو أمر طالما قاومته الحكومات المتعاقبة.

وفي محاولة للحفاظ على سعر صرف العملة الأجنبية، وضع البنك المركزي قيودًا على الواردات في مارس. وأدى الشرط الخاص باستخدام خطابات الاعتماد إلى إبطاء الواردات، كما تسبب في تراكم الطلبات غير المستوفاة على الدولارات. وأمام معضلة بطء الواردات التي أثرت على توفر السلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية في الأسواق، ألغى البنك المركزي مطلب استخدام خطابات الاعتماد في 29 ديسمبر، وتراجع الجنيه من حوالي 16 جنيهًا للدولار إلى ما يزيد عن 27 جنيهًا، اليوم الخميس.

 

تضرر صناعة الدواجن

وأشار التقرير إلى أن أزمة نقص الدولار أضرت بالعديد من الصناعات، مثل صناعة الأدوية، والحديد والصلب، والسيارات، ومزارعي الدواجن، الذين يستوردون معظم مدخلات الصناعة والأغذية من الخارج.

وقال رئيس شركة تعتمد على تربية الدواجن "نحن نعمل يومًا بيوم"، واشتكت الشركة، حسب فاينانشيال تايمز، من أن شحنات الحبوب، وخاصة فول الصويا والذرة المستخدمة في العلف، عالقة في الموانئ بسبب نقص الدولار.

وقال إن الأعمال التجارية الزراعية اضطرت إلى "إخلاء" بعض المزارع وبيع الطيور بخسارة قبل أن يتم إرسالها عادة إلى السوق. وقال المسؤول التنفيذي: "السعر أقل بكثير من التكلفة ونعلم أن بعض منافسينا اضطروا لقتل الكتاكيت". وأضاف أن الانخفاض "الكبير" في المعروض من الدجاج المباع للحوم أدى إلى زيادة الأسعار بأكثر من 50%.

الجدير بالذكر أن الجنيه فقد منذ بداية العام، أكثر من 70% من قيمته أمام الدولار، وتواجه مصر حاليًا نقصًا في العملة الأجنبية، كما عانت – مؤخرًا - من ارتفاع معدلات التضخم، حيث تجاوز المعدل السنوي هامش 18% في نوفمبر الماضي.

وسعى البنك المركزي لكبح جماح التضخم برفع أسعار الفائدة. ويعتمد معظم المواطنين على الدعم الحكومي في تحمل تكاليف السلع الأساسية مثل الخبز، وهي السياسة التي تعمل بها الدولة منذ عقود. وبحسب الإحصاءات الحكومية، فإن ما يقرب من ثلث السكان البالغ عددهم 104 ملايين نسمة يعيشون دون خط الفقر، ومن المتوقع زيادة النسبة مع تهاوي العملة.