يستمر الوضع الاقتصادي في مصر بإثارة المخاوف، وتدرس القاهرة استخدام الأصول الاستراتيجية الوطنية للبلاد لجمع الأموال.

وصرح أسامة ربيع، رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس والعضو المنتدب، قبل نحو أسبوعين أن "قناة السويس ملك مصر ولها وحدها، لا يمكن بيعها أو تأجيرها أو اقتراضها بضمان".

وقال تسفي برئيل، في تقرير بصحيف هآرتس، إن ربيع طُلب منه الرد على انتقادات وادعاءات أعضاء البرلمان المصري الذين ناقشوا قانون إنشاء صندوق جديد مملوك لهيئة قناة السويس لجمع الأموال وبيع الأسهم وأجزاء من أصوله بالشكل الذي تراه مناسبا.

واعترض عضو بالبرلمان معتبرًا أن قناة السويس "خط أحمر" معربًا عن قلق الآخرين. وقالوا إن هذا الصندوق هو بداية استيلاء جهات أجنبية على الأصول الإستراتيجية الوطنية لمصر. وقال ربيع إن الصندوق لن يمتص سوى فائض أرباح القناة، وستستخدم أمواله في تطوير الممر المائي وإقامة مشاريع تجارية وبحرية على طول مساره.

ويؤكد التقرير أن مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه في نهاية المناقشة تمت صياغته بشكل غامض بما يكفي لتمكين سلطة القناة من فعل أي شيء تريده تقريبًا. وهذا بالضبط ما كان يخشاه أعضاء البرلمان المطلعون على الوضع الاقتصادي المتردي للدولة. في الشهر الماضي فقط، تلقت مصر قرضًا آخر بقيمة 3.1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

 

علاقة الصين بقناة السويس

قناة السويس مملوكة بالفعل لمصر ولكن العديد من المشاريع التي أقيمت بالفعل على بنوكها تم بناؤها باستثمارات من قبل الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. في أغسطس، وقعت مصر والصين اتفاقية أخرى للصين لبناء محطتين كبيرتين للحاويات، واحدة بالقرب من الإسكندرية والأخرى في منطقة قناة السويس، إضافة إلى أن الصين استثمرت بالفعل نحو 7 مليارات دولار في مركز أعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة الواقعة على بعد 45 كيلومترًا من القاهرة.

ويذهب التقرير إلى أن هناك اتفاقيات طويلة الأجل تعهدت فيها الصين باستثمار عشرات المليارات من الدولارات في البنية التحتية والنقل والطب وحتى التعليم. وقد تمنح سلطة القناة الصين نقطة ضغط أخرى مهمة لترسيخ نفسها في القناة، والتي يمر من خلالها حوالي 12% من إجمالي التجارة العالمية. علمًا بأن تجارة الصين تجاوزت 12 مليار دولار هذا العام مع مصر (مقارنة بـ 7.5 مليار دولار مع الولايات المتحدة).

ليست الدولة الوحيدة المستثمرة في مصر؛ حيث أودعت الإمارات والسعودية في البنوك المصرية العام الماضي أكثر من 3 مليارات دولار لتعبئة خزائنها بالعملات الأجنبية المتضائلة، وتمكين القاهرة من سداد ديونها لمؤسسات التمويل الدولية والقرض الذي تحصل عليه من صندوق النقد.

 

الاستثمارات الخليجية لم تجلب الرخاء لمصر

ومن جهة أخرى تقوم السعودية والإمارات باستثمارات كبيرة في مصر، حيث تبلغ قيمة استثماراتها 5 مليارات دولار، وخلال العقد الماضي استثمرت في مصر أكثر من 20 مليار دولار، وفي مارس 2022 تم إيداع نحو 4 مليارات دولار في البنك المركزي وربط الاستثمارات الأخرى مقابل الدولار.

لكن هذه الاستثمارات لم تجلب الرخاء لمصر، كما يقول التقرير، فالوضع الاقتصادي في مصر يثير القلق. على عكس النمو البالغ 6.6٪ في 2020-2021، فإن توقعات النمو لعام 2022-2023 (تنتهي السنة المالية المصرية في يونيو 2023) تبلغ 4.8٪ فقط، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. ويذهب حوالي 54% من ميزانية الدولة إلى مدفوعات ديون الحكومة، وحوالي 13% لدفع الأجور، وحوالي 12% لدفع الإعانات ومدفوعات الرعاية الاجتماعية الأخرى. وفي حالة من التفاؤل تخصص الميزانية 12٪ فقط للاستثمار والتنمية. هذا المبلغ لن يخلق أماكن عمل كافية لتقليل البطالة بشكل كبير.

 

تبديد أموال الدولة لتمجيد السيسي

وكثرت الانتقادات (لقائد الانقلاب) عبد الفتاح السيسي لاستثمار أموال الدولة التي تشتد الحاجة إليها في مشاريع ضخمة تمجيدًا لاسمه، مثل بناء ثاني أكبر مسجد في الشرق الأوسط، أو أكبر ملعب في إفريقيا أو الحديقة. حيث يقول النقاد إن هذه الأموال يجب أن تُستثمر في مصانع الإنتاج، وتدريب الموظفين، وبناء مساكن رخيصة للطبقات المتوسطة والدنيا، التي تضم حوالي نصف السكان.

وتصف المقالات في وسائل الإعلام المصرية التراجع في مستوى معيشة المصريين، والمحلات التجارية التي أصبحت مصدر ملابس الطبقة الوسطى، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الاستهلاكية الأساسية، والفجوات المعرفية والتعليم بين الطلاب المصريين ونظرائهم في الدول العربية الأخرى.

ويؤكد التقرير أن تعويم سعر صرف الدولار هذا العام تسبب في تراجع القوة الشرائية للجنيه المصري مرة أخرى من نحو 15.5 جنيه للدولار، الذي ارتفع إلى نحو 24 جنيهًا في السوق الرسمية، وإلى 35 جنيهًا في السوق السوداء، (كان هذا قبل التعويم الذي حدث أمس، حيث ارتفع اليوم سعر الدولار إلى أكثر من 27 جنيهًا في البنوك، و40 جنيهًا في السوق السوداء) وأصبحت تعويضات الدولة للعمال لا تغطي ارتفاع الأسعار التضخمي بنسبة 20%.

 

تطوير السياحة كان أولى

ويشير التقرير أن مصر تحاول إعادة تأهيل السياحة بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بها خلال جائحة فيروس كورونا ثم خلال الحرب في أوكرانيا، ونتيجة لذلك انخفض بشكل كبير عدد السياح من روسيا وأوكرانيا، وهما عاملان رئيسيان في قطاع السياحة في مصر.

وبلغ إجمالي الدخل من السياحة نحو 12 مليار دولار عام 2021 مقارنة بنحو 4 مليارات عام 2020، وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 بلغ الدخل نحو 8 مليارات دولار، وتمثل هذه الصناعة 12% من الناتج المحلي الإجمالي وتدر حوالي 15% من العملة الأجنبية الواردة إلى مصر.

وصرح وزير السياحة أحمد عيسى للصحفيين الشهر الماضي أن وزارته تخطط لجلب 30 مليون سائح إلى مصر سنويًا، أي ضعف ما كان عليه في العام القياسي 2009-2010. ولتحقيق هذا الطموح سيتعين على مصر مضاعفة عدد غرفها الفندقية إلى نصف مليون، وتطوير بنية تحتية مناسبة، وتحسين مستوى الخدمة. وقال الوزير أيضًا إن خطة 2030 تهدف إلى تحقيق دخل قدره 30 مليار دولار من السياحة التي يعمل بها أكثر من 3 ملايين شخص، ويشكلون 10% من القوة العاملة.

ولإنجاز هذه المهمة، سيتعين على مصر تجنيد المستثمرين الأجانب واقتراض الأموال، مما سيزيد من ديونها الوطنية، والتي تبلغ حاليًا 220 مليار دولار، منها 155 مليار دولار ديونها الخارجية، وكأن كاتب التقرير يشير إلى رسالة مفادها أن تطوير السياحة كان أولى من بناء عاصمة لم تدر على مصر شيئًا حتى الآن.

وشكك الاقتصاديون حول قدرة الدولة على تنفيذ مثل هذا المشروع، ويخشون من أن يؤدي تشييد الفنادق بالجملة إلى منافسة شديدة وخفض الأسعار، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تقويض مستوى الخدمات السياحية وتشويه صورة مصر كدولة سياحية.

لذا فمن المفهوم أن أعضاء البرلمان يخشون أن تضطر مصر لبيع الأصول الوطنية، بما في ذلك بعض أسهمها في قناة السويس. وإذا حدث هذا فلن تكون المرة الأولى التي تضطر فيها مصر لسداد ديونها بمساعدة القناة؛ ففي عام 1875، بعد ست سنوات من افتتاحها، باع الخديوي إسماعيل باشا لبريطانيا 44% من أسهم مصر في الممر المائي مقابل قرض قيمته 4 ملايين جنيه إسترليني، ويؤكد التقرير أن هذه الذكرى المؤلمة لم تتلاشَ.

لمطالعة التقرير من مصدره الأصلي ( من هنا  )