من جديد تجاوزت حدود سعر الصرف المرن للجنيه المصري كافة التوقعات والتكهنات، إذ هوى الجنيه المصري إلى ما دون أسوأ التوقعات التي أعلن عنها خبراء الاقتصاد والمحللين الماليين خلال الأيام الماضية، وسط حالة كبيرة من الارتباك بأسواق المال والصرف في مصر.

وشهدت أسعار صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه قفزة عالية مع الأيام الأولى لعام 2023، بالإضافة إلى قفزة مخيفة في سعر الريال السعودي، وذلك تزامنا مع تحريك البنوك المحلية والعالمية لأسعار الصرف، وسط تساؤلات من الجميع إلى مدى سيصل انهيار العملة المحلية،  وهل سيهبط الدولار مرة أخرى كما تدعي حكومة الانقلاب أم سيظل يحلق مرتفعًا؟.

 

ارتفاع أسعار الدولار

ومنذ أمس الأربعاء سجلت أسعار الدولار ارتفاعا كبير لتفقد العملة المحلية أكثر من 8% من قيمتها من جديد أي ما يزيد عن نحو 190 قرش إذ سجل الدولار الأمريكي اليوم 26.70 جنيها مقابل 24.80 الثلاثاء، تزامنا مع إصدار شهادات ادخار جديدة من بنكي الأهلي وبنك مصر بعائد يصل إلى 25%، وهو ما أدى إلى وجود حالة من الارتباك أيضًا في السوق السوداء.

فيما سجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء 36 جنيهاً للبيع، و33 جنيهاً للشراء، بزيادة تقدر بـ3 جنيهات، مقارنة بسعر التداول في السوق الموازية، الثلاثاء، مسجلاً أكبر حركة يومية منذ سمح البنك المركزي بانخفاض العملة المحلية بنسبة 14.5% في 27 أكتوبر الماضي.

وبحسب مراقبين فإن الأمور مرشحة للزيادة خاصة مع ترقب إعلان ابنك المركزي عن خفض جديد في أسعار الصرف، حيث الموقع الاقتصادي الأمريكي "بلومبيرج"، أنه وفقًا للبيانات التي جمعها، يقع الجنيه المصري تحت الضغط المستمر، حيث تواجه مصر "أسوأ" أزمة في الصرف الأجنبي منذ خمس سنوات.

 

ارتباك السوق السوداء وأسواق الذهب

ومع استمرار ارتفاع أسعار الدولار في السوق الرسمي والموازي أعلن عددًا  كثيراً من التجار عن وقف ا التعاملات على الدولار إلى حين استقرار سعر الصرف الرسمي، وقياس حجم الطلب على العملة الأمريكية، ولا سيما مع استمرار نقص المعروض منها، وما يُثار بشأن خفض قيمة الجنيه مجدداً مقابل العملات الأجنبية، مع عودة البنوك للعمل، غداً الخميس.

كما أوقفت كثير من محال بيع الذهب التعامل على الجنيه الذهب والسبائك بأنواعها حتى يوم الاثنين المقبل، انتظاراً لاستقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في السوق الرسمية والموازية على حد سواء، بعد انتهاء العطلة الرسمية للبنوك والعودة إلى العمل الاثنين.

 

إلى أين سيصل الدولار

وفي سياق متصل تباينت توقعات المحللين حول مصير الجنيه المصري، وإلى أين سيصل الدولار الأمريكي، ولكن اجتمع الجميع حول أن الأيام المقبلة ستشهد مزيدًا من الانهيار للعملة المحلية.

فمن جانبه توقع نائب رئيس مجلس إدارة هورايزون المالية معتصم الشهيدي أن يشهد سعر صرف الجنيه سلسلة تقلبات عنيفة في الأيام القليلة القادمة، كما توقع أن تستقر أسعار الصرف دون مستويات 30 جنيها للدولار.

فيما رأى كبير محللي الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية "هيرميس" محمد أبو باشا، إنه لم يتضح على الفور ما إذا كان الانخفاض الذي حدث يوم الأربعاء يمثل الانتقال المتوقع لنظام سعر الصرف المرن.

وأضاف أبو باشا، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز": "للحكم على ذلك، نحتاج إلى مراقبة المستوى الذي ستستقر عنده العملة في نهاية المطاف، وإلى أي مدى سيؤدي ذلك إلى تحسين سيولة العملات الأجنبية في البنوك وما إذا كنا سنشهد مزيدًا من التقلبات في الجنيه في المستقبل".

وأوضح أبو باشا أنه "سننتظر ونرى" مستوى سيولة العملات الأجنبية في سوق ما بين البنوك، وفقا لوكالة "بلومبرغ".

وقال الخبير الاقتصادي في مجموعة "غولدمان ساكس" في لندن، فاروق شوشة، إن "هناك الكثير من الالتباس الآن حول ما إذا كنا نتمتع بنظام مرن حقاً لسعر الصرف".

وأضاف: "لم يتم اختبار ما إذا كان الجنيه سيكون أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية في المستقبل، وما إذا كان بمثابة عامل استقرار تلقائي للحسابات الخارجية".

وأضاف: "سواء أدى ذلك إلى حل مشكلات سيولة العملات الأجنبية التي تواجهها مصر، فإن ذلك سيعتمد على ما إذا كنا سنرى تدفقات كبيرة من العملات الأجنبية في الأجل القريب.. الحل هو توحيد أسعار الصرف، الأمر الذي سيتطلب الانتهاء من كل طلبات تدبير النقد الأجنبي المتراكمة والتي لم يتم تلبيتها وضمان تلبية الطلب على النقد الأجنبي في المستقبل"، بحسب وكالة "رويترز".

 

شهادات الادخار والدولار

فيما قال هاني جنينه، الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأمريكية، إن هناك عدة أسباب وراء طرح بنكي الأهلي ومصر شهادة ادخارية جديدة مدتها عام واحد بفائدة 25% تصرف بنهاية المدة، أو فائدة 22.5% تصرف شهريا.

وأضاف أن أول الأسباب وهو تحريك سعر الدولار، حيث إن أسعاره ستشهد تذبذبا كبير خلال الفترة القادمة، ويخص السبب الثاني أسعار المحروقات، والتي ستشهد في الفترة القادمة ارتفاعا في الأسواق المصرية، ويأتي السبب الثالث وهو أن شهادات الـ18% اقتربت على الانتهاء.

وأوضح أن ما حدث في سعر الدولار ليس تعويم خامس ولكن استكمال للتعويم الرابع الذي حدث في أكتوبر الماضي، قائلا: "«نحن في مرحلة الذبذبة في الاقتصاد المصري".

وتوقع جنينة أن يستمر ارتفاع سعر الدولار خلال الأسابيع القادمة ليصل سعره إلى 28 أو 30 جنيها، ومع بدء التدفقات الدولارية سيتراجع سعر الدولار.

وخلال 6 سنوات مر الجنيه المصري برحلة متعثرة، ويعد عام 2022 من أكثر الأعوام سوءًا وصعوبة على الجنيه المصري، بسب تعويمه مرتين.

ومنذ العام 2016 وحتى نهاية العام الماضي 2022، شهد الجنيه المصري تحركات كثيرة، ففي نهاية العام ووفق المفاوضات التي بدأت مع صندوق النقد الدولي في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ترك البنك المركزي المصري سوق الصرف دون تدخل إلى أن وصل سعر صرف الدولار في نهاية العام إلى مستوى 19.6 جنيه.

ووفق المفاوضات للحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، فقد بدأ الجنيه المصري يدخل مرحلة جديدة في عهده مع الدولار الأمريكي، حيث قرر البنك المركزي المصري رفع سعر صرف الدولار من مستوى 15.75 جنيه حتى وصل إلى نحو 24.79 جنيه في الوقت الحالي، ليقفز سعر صرف الدولار خلال عدة أشهر بنسبة تتجاوز 57%.