بدأت الكثير من التساؤلات والمؤشرات التحذيرية عن مدى قدرة حكومة الانقلاب في الالتزام بسداد الديون وفق الجداول المعلنة عن ذلك حتى عام 2027، وهو ما دفع العديد من المستثمرين للتروي بشدة قبل اتخاذ خطوة العودة للاستثمار في مصر مرة أخرى.

وفي مذكرة بحثية حديثة كشفت مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس أفريكا" عن أن مصر بحاجة إلى "تفادي خطر التخلف عن السداد، لكن مصر ليست سريلانكا - فهي لديها احتياطي أعلى بكثير وخيارات تمويل أفضل بكثير في المستقبل. مشكلة مصر يمكن السيطرة عليها من خلال سياسات أكثر صرامة ودعم الدائنين الرسميين"، وفقًا لـ"الإندبندنت".

وقالت المؤسسة إن "صندوق النقد الدولي ليس العامل الحاسم في سيناريو التخلف عن السداد من عدمه. وبدلًا من ذلك، سيكون بمثابة عامل بناء للثقة ومحفز لزيادة أخرى في التسعير للمرحلة التي عندما تتعافى فيها الأسواق الناشئة، يمكن حينها اللجوء لأسواق السندات الخارجية".

 

كم ستسدد مصر خلال السنوات الخمسة المقبلة؟

أظهرت بيانات البنك المركزي أن مصر ستسدد نحو 83.8 مليار دولار عن خدمة الدين الخارجي خلال السنوات الخمس المقبلة.

وأظهر جدول استحقاقات أقساط وفوائد الدين الخارجي على مصر أنها من المقرر أن تسدد خلال العام المقبل 2023 نحو 17.6 مليار دولار منها 9.3 مليار دولار في النصف الأول و8.3 مليار في النصف الثاني.

كما أنه من المقرر أن تسدد خلال عام 2024 نحو 24.2 مليار دولار منها 10.9 مليار دولار في النصف الأول و13.3 مليار في النصف الثاني.

ومن المقرر أيضًا أن تسدد مصر خلال عام 2025 نحو 15.1 مليار دولار منها 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار في النصف الثاني.

ويتضمن الجدول كذلك أن تسدد مصر خلال عام 2026 نحو 16.8 مليار دولار منها 6.6 مليار دولار في النصف الأول و10.2 مليار في النصف الثاني.

وفي عام 2027 من المقرر أيضًا أن تسدد مصر نحو 10.1 مليار دولار منها 5.8 مليار دولار في النصف الأول و4.3 مليار في النصف الثاني.

وكان الدين الخارجي لمصر وصل إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، بحسب أحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي.

إلا أننا نؤكد أن هذا الرقم (157.8 مليار دولار) يخلو من 58 مليار دولار حجم إنفاق حكومة الانقلاب على العاصمة الإدارية الجديدة، و23 مليار دولار لإنشاء شبكة سكك حديدية عالية السرعة، و32 مليار دولار لإنشاء محطة نووية بالضبعة، وديون للبنوك بقيمة 12 مليار دولار، إضافة إلى 8 مليارات دولار للتوسعة الجزئية لقناة السويس، وفقًا لحوار مع أستاذ الاقتصاد ورجل الأعمال المصري محمود وهبة، وهو ما يصل بحجم الديون في النهاية إلى 290.8 مليار دولار في 2022، ومع ذلك سنلتزم بالبيان الرسمي الصادر من البنك المركزي.

وتشير الأرقام والبيانات المتاحة إلى أنه يتعين على مصر – حاليًا - سداد ديون خارجية بأكثر من خمسة مليارات دولار مقومة بالدولار واليورو في الربع الرابع من عام 2022، وتسعة مليارات دولار أخرى تستحق السداد في عام 2023، كما تشير أيضًا إلى أن مصر بحاجة في الوقت الحالي إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023.

بلومبيرج": احتمالية الفشل قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ 2013

ووفق نموذج "بلومبيرج"، فإن احتمالية فشل حكومة الانقلاب في سداد ديونها قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ 2013، وقد تسبب ذلك في ارتفاع الهامش بين السندات المصرية وسندات الخزانة الأميركية فوق 1.200 نقطة أساس للمرة الأولى على الإطلاق، بحسب ما ذكرت بيانات "جيه بي مورغان"، في حين أن كلفة التأمين ضد تخلف مصر عن السداد بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند مستوى 1.500 نقطة أساس خلال الشهر الماضي، قبل أن تنخفض إلى 940 نقطة أساس بنهاية الأسبوع الماضي.

 

ضغوط اقتصادية كبيرة

وتواجه مصر حاليًا العديد من الضغوط الاقتصادية التي تجعل مقدرتها في تسديد الديون تبدو شبه مستحيلة، ومن ذلك:

الضغوط الكبيرة فيما يخص الدين الخارجي هذا العام جراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية وارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع الدولار، والاضطراب في الأسواق المالية، كما سحب المستثمرون الأجانب أكثر من 20 مليار دولار من البلاد، وذلك في إطار ملف الأموال الساخنة التي دخلت وخرجت بشكل سريع، مما تسبب في أزمة عنيفة، كما يتسع عجز الحساب الجاري، وتتزايد الضغوط على العملة المحلية، مما قد يدفع صناع السياسة لقبول مزيد من المرونة في سعر صرف الجنيه.

أضف إلى ذلك تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر في الوقت الحالي إلى 33.14 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي انخفضت بنحو 20% منذ مارس الماضي في ظل أوضاع الأسواق الحالية.

 

لا خطط ممنهجة للتنمية

وبدأت مصر الاستدانة مضطرة دون خطة ممنهجة للتنمية، وفقًا للخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب.

وأوضح عبد المطلب أن السلطة في مصر تنامت لديها رغبة ملحة لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي على توفير تمويل في حدود 12 مليار دولار بواقع أربعة مليارات دولار سنويًا، إلى جانب اتفاقات مع البنك الدولي تبلغ نحو 7 مليارات دولار، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

وهذه الخطوات أسهمت في تكريس اعتقاد لدى السلطة بأن زيادة الديون تعني زيادة الثقة في الاقتصاد المصري من منطلق أن المؤسسات الدولية لن تقرض اقتصاديات منهارة، وفق قول عبد المطلب.

 وقال "اعتقدت السلطة أيضًا أن الثقة في الاقتصاد المصري ستساعد على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر؛ مما سيسهم في زيادة الإنتاج والدخل بما يكفي لسداد الديون".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الجزء الأكبر من قرض صندوق النقد ذهب إلى خفض عجز الموازنة، بينما ذهبت قروض البنك الدولي لتمويل رفع كفاءة البنية الأساسية وتجويد الحياة الاجتماعية.

 

خماسية المخرج من الأزمة

ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ صاوي، أن حكومة الانقلاب يمكنها تخطي أزمة الديون الضخمة التي أقحمت نفسها فيها خلال السنوات العجاف السابقة، وذلك عبر عدة أمور، ومنها:

أولًا - أن تتبني حكومة الانقلاب آلية جديدة غير الديون لتمويل احتياجاتها التمويلية، فيكون هناك التمويل بالمشاركة، للبعد عن أعباء خدمة الدين من فوائد وأقساط، وقد يكون ذلك صعب تنفيذه دفعة واحدة، ولكن يمكن الانتقال إليه تدريجيًا، بحيث خلال 5 سنوات تكون هناك نقلة نوعية في التمويل بالمشاركة.

ثانيًا - لابد من وقف دوامة الفساد في القطاع الضريبي بشكل خاص، وفي الجهاز الإداري الحكومي بشكل عام، ووجود ترشيد حقيقي للإنفاق العام، كما يلزم أن توقف الحكومة كافة مشروعات البنية الأساسية التي لا تحتاجها مصر خلال السنوات العشر المقبلة، وأن يقتصر تنفيذ مشروعات البنية الأساسية على العاجل منها، والأجل المتوسط لمتطلبات التنمية.

ثالثًا - أن يقتصر الدين العام على متطلبات الاستثمار، وعدم اللجوء إلى الدين من أجل الإنفاق الجاري، أو سد عجز الموازنة ما أمكن ذلك. كما يفرض الأمر توحيد الموارد العامة، ولا داعي لأن تكون الصناديق الخاصة التي لا يعرف لها عدد، بعيدًا عن الرقابة والموازنة العامة للدولة.

رابعًا - ضرورة السيطرة الرقابية والمالية على صندوق تحيا مصر، وكذلك صندوق مصر السيادي، ليكونا ضمن خطة الدولة للتخلص من أعباء المديونية العامة، حتى تصل مصر إلى معدلات مقبولة أقل من نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

خامسًا - خروج الجيش من الحياة الاقتصادية المدنية، ومرجعة قرارات شراء السلاح، وكذلك مراجعة كافة العقود الخارجية لمصر، وبخاصة في قطاع الغاز والنفط، وذلك من أهم أسباب انطلاق الاقتصاد المصري

 

ماذا يحدث عند التخلف عن السداد؟

تحرص الدول على تفادي التخلف عن السداد لتداعياته الكبيرة على اقتصادها ومنها إبعادها عن أسواق الدين الخارجية، وتجميد محتمل لأصول خارجية كما يمكن أن تواجه ضغوطًا داخلية نتيجة مطالبة حائزي السندات المحليين بأموالهم، وفقًا لـ"أريبيان بزنس".