بعد تحقيق المنتخب الفرنسي الوصافة في كأس العالم الأخيرة في قطر 2022، إثر هزيمته أمام منتخب الأرجنتين في النهائي، واجه عدد من نجومه هجومًا شديدًا من جانب الجمهور لسبب غريب وهو أنهم ذوي بشرة سوداء!

وكان النجوم الذين تعرضوا للهجوم هم أصحاب البشرة السمراء الذين أضاعوا ركلات ترجيحية، مثل كينجسلي كومان وأوريليان تشاوميني، ومن أضاع الفرصة المحققة أمام المرمى قبل نهائية اللقاء بقليل، المهاجم كولو مواني.

ووصفت الصحافة الفرنسية هؤلاء النجوم ذوي البشرة السوداء بـ«القرود» التي جاءت من إفريقيا لتستوطن فرنسا، على الرغم من أن نصف عناصر المنتخب الفرنسي هم من السود وهم الذين أوصلوا فرنسا إلى الدور النهائي لمواجهة الأرجنتين، وهم أيضًا الذين أسهموا في تتويجها بلقب كأس العالم قبل 4 سنوات في روسيا.

وتحولت الحسابات الشخصية للاعبين السود، إلى ميدان للصراع والكلمات البذيئة عقب خسارة كأس العالم الأخيرة، ونالوا قسطًا كبيرًا من الشتائم وطالب الكثير من متابعيهم باستبعادهم من البلاد وإعادتهم إلى إفريقيا ثم ألغوا متابعتهم على مواقع التواصل المختلفة.

وأبرز هؤلاء النجوم الذين يتعرضون للتنمر ليلا ونهارًا في قلب العاصمة التي تزعم أنها «الأكثر حرية في أوروبا»، كل من: «كولو مواني، وكينغسلي كومان، وكامافينغا، وأوريلين تشواميني، وعثمان ديمبيلي، وكيليان إمبابي».

 

تعليقات مهينة على حساب كولو مواني

على الرغم من أن كولو مواني، لاعب إينتراخت فرانكفورت، أصبح ثالث أسرع بديل يسجل هدفًا في تاريخ كأس العالم بعد هدفه الشهير في المنتخب المغربي في دور نصف النهائي، إلا أنه أضاع فرصة ذهبية في الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي، كانت يمكن أن تمنح فرنسا اللقب للمرة الثالثة في تاريخها، وتعرض لسلسلة من الرموز التعبيرية والتعليقات المهينة على حسابه الخاص مما اضطره لإغلاقه.

 

حملة لترحيل كينجسلي كومان

وتعرض هؤلاء اللاعبين من المنتخب الفرنسي وصيف بطل العالم، لأقذع الانتقادات وأبشع الحملات العنصرية التي شككت في انتمائهم، وتم استعمال رموز تعبيرية على شكل قردة. ووصل الأمر ببعض المشاركين في هذه الحملة العنصرية إلى المطالبة بترحيل اللاعب الفرنسي كينغسلي كومان إلى إفريقيا تحت شعار "أعيدوهم إلى إفريقيا".

 

الهجوم ضد كامافينجا 

وقبل بدايات كأس العالم تسبب كامافينجا لاعب منتخب فرنسا، في إصابة زميله كريستوفر نكونكو مهاجم لايبزيج الألماني خلال التدريبات؛ وبالتالي غيابه عن كأس العالم؛ بدت العديد من الحملات العنصرية؛ حيث واجه حملة شرسة، وتم تذكيره بأصوله الإفريقية بأبشع النعوت؛ مما دفع باللاعب نكونكو لنشر تغريدة عبر حسابه الخاص على تويتر، يدافع فيها عن زميله قائلًا: "كامافينغا مستهدف بحملة غير عادلة، ويجب أن تكون كأس العالم لحظة توحد لا انقسام".

 

عثمان ديمبيلي

عثمان ديمبيلي هو أحد هؤلاء الأفارقة ويلعب أساسي مع المنتخب الفرنسي تقريبًا في كل المباريات وأسهم في وصول فريقه للمربع الذهبي ومن قبله التصفيات، وهو أيضًا من هؤلاء الأفارقة.

 

كيليان إمبابي

تَعَرض نجم المنتخب الفرنسي كيليان امبابي لحملة عنصرية في صيف 2021، بعدما تسبب في خسارة منتخب "الديوك" أمام سويسرا، خلال بطولة كأس الأمم الأوروبية "يورو 2020"؛ وذلك عندما أضاع أكثر من فرصة في اللقاء، بالإضافة إلى إهدار ركلة ترجيحية؛ حيث تم نعته بـ"القرد القذر" عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو ما دفعه إلى إعلان رغبته في اعتزال اللعب دوليًّا، والتوقف عن المشاركة مع المنتخب الفرنسي؛ رغم صغر سنة وتألقه مع فريقه باريس سان جرمان، وفقًا لـ"سكاي نيوز عربية". وتقدم اللاعب بدعوة قضائية ضد الأشخاص الذين أساؤوا له، في الوقت الذي لم يتخذ فيه الاتحاد الفرنسي أية إجراءات قانونية لحماية لاعبه من الحملة العنصرية.

 

المدرب الفرنسي لوران بلان

تولى المدرب الفرنسي لوران بلان، المسؤولية الفنية بين عامي 2010 و2012، وكان هو الآخر ضمن هؤلاء، وتم تسريب تسجيل صوتي له وهو يعلن صراحة رغبته في استبعاد السود من الفريق والاعتماد على ذوي البشرة البيضاء.

 

انقسام عام 2010

ويتذكر التاريخ الكثير من المواقف للفرنسيين، فأحداث كأس العالم في جنوب إفريقيا خير شاهد على هذا الأمر، ففي عام 2010، حدث الانقسام الشهير بين لاعبي «الديوك» من ذوات البشرة السوداء والبيضاء، عندما نشبت خلافات حادة بين مجموعة من اللاعبين انتهت في نهاية المطاف بطرد نيكولا أنيلكا من المونديال، وأصبح هناك معسكران متنازعان ولكل منهما داعم بين الجماهير، لكن الآلة الإعلامية وقتها كانت مسلطة تمامًا على «السود» باعتبار أنهم نزلاء على فرنسا وليسوا سكانًا أصليين.

 

رفض للحملة العنصرية ضد اللاعبين السود

رفضت العديد من الأطراف الحملةَ العنصرية التي تعرض لها لاعبو المنتخب الفرنسي، وتصدت شخصيات سياسية ورياضية وجهات رسمية وأندية أوروبية للحملة المسيئة؛ حيث أدانت إيزابيل روم وزيرة المساواة بين الجنسين والتنوع وتكافؤ الفرص في فرنسا، الحملة العنصرية، ودعت للتعامل بكل حزم مع الموضوع قائلة عبر حسابها الرسمي على تويتر: "منذ انتهاء كأس العالم، وقع العديد من لاعبي المنتخب الفرنسي ضحية للعنصرية، ومن بينهم كيليان مبابي وكينغسلي كومان.. هذا أمر غير مقبول، وأدين ما حصل بكل حزم، ومن واجبنا عدم التغاضي عما يحصل".

كما تَقدم الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بدعوة قضائية ضد كل من شارك في هذه الحملة العنصرية، في رغبة حقيقية للتصدي لهذه الظاهرة السلبية؛ خاصة أن المنتخبات الفرنسية عُرفت منذ سنوات طويلة بتنوعها؛ حيث ضمت بين صفوفها لاعبين ينحدرون من ثقافات مختلفة، وهذا ما ترى فيه الحكومة الفرنسية تجسيدًا واقعيًّا لشعار الجمهورية الحرية والمساواة والأخوّة.

الأمر يظهر بوضوح أن فرنسا تعاني من العنصرية رغم أن واحدًا من مبادئها الثلاثة الأساسية والتي بني عليها تقريبًا كل شيء هناك هو "المساواة" بجانب الحرية والإخاء، ويبقى السؤال «متى يتخلص الفرنسيون من هذا الداء؟».