يستمر نظام الانقلاب في التمسك بسياسته الخاصة بالتعامل مع المعارضين، المتمثلة في ممارسة التنكيل إلى أقصى درجة، والتي تصل إلى حد القتل بالحرمان من العلاج داخل السجون، والتي كان آخرها ارتقاء الشهيد جهاد عبد الغني 32 عام والذي كان يحاصره الموت، ورفض إدارة سجن بدر السماح له بالعلاج على حسابه الشخصي في أحد المستشفيات الخاصة على غرار رجل الأعمال محمد الأمين، بالإضافة لارتقاء معتقل آخر في سجن برج العرب بعده بساعات.

 

وفاة رغم المناشدات

ومع قيام العديد من المنظمات بتوثيق الحالة الطبية للمعتقل جهاد عبدالغني المصاب بسرطان الحلق، والتي تستوجب علاجه خارج السجن كما يفعل مع غير السياسيين، إلا أن إدارة سجن بدر تعنت حتى في زيارة أولاده له ليموت وحيدا بعيدا عنهم، رغم مناشدته وأمنيته بعدما علم أن أيامه أصبحت معدودة، والموت يحاصره، وينتظره، أن يموت وسط زوجته وأولاده ولو في السجن، لتتركه الإدارة الظالمة ليلقى ربه وحيدا حتى دون رعاية طبية يستحقها، فمستشفيات السجون غير مخصصة للتعامل مع حالات السرطان.

 

رسالة لم تجد الطريق

في الأيام الأخيرة قبل موت جهاد، بعث برسالة تلقتها جميع المنظمات الحقوقية تطالب بإنقاذه من المعاناة والألم الذي يعيش به ولكن ربما ضلت تلك الرسالة عن أعين المسؤولين، والتي رغم أنها أبكت كل من قرأها إلا أنها لم تحرك ساكنا في طريق إنقاذه وتخفيف معاناته، ثم بعد أن يأس بعث برسالة صغيرة " أمنيتي أن أموت وسط أولادي" ليلقى ربه بعد أسبوعين من إرسالها، وجاءت نص الرسالة  الأولى التي أرسلها في شهر يوليو الماضي كما يلي:

لمن يهمه الامر ….. بسم الله الرحمن الرحيم

ساعدوني لوجه الله تعالى هذا نداء استغاثة الي اي قلب رحيم في هذا البلد

فأنا اسمي جهاد عبدالغني محمد سليم اعاني من مرض سرطان منذ اكتر من سنه ونص وانا في السجن كان الورم في البدايه عباره عن ورم صغير في اللسان حتي انتشر وأصبح الآن في كل لساني وفمي ورقبتي وراسي

فأنا الان لا استطيع الكلام ولا الاكل ولا شرب المياه الان الورم يقفل البلعوم فلا استطيع التنفس ولا البلع ولا السماع فأنا اطلب الرحمه في زمن قل فيه الرحمه

فأنا ادعو الله كثيرا بالموت

فما عدت استطيع تحمل الالم ولا احد يفعل معي شي لقد قمت بأخذ 4 جرعات كيماوى وتم تحديد عملية جراحية لي منذ اكتر من 3 شهور وحتي الان لم يتم تحديد موعد العملية

 والسرطان بيتنشر والألم يقتلني وقد امتنعت هذه المستشفيات 3 مرات عن العملية معهد الاورام والقصر العيني ومعهد ناصر لما تركوني إن كنت لاتعالجوني فقتلوني

فأنا انتظر الموت كل يوم

ارحموني لوجه الله فإذا كان في هذا البلد اناس  بهم رحمه فليساعدني الله لا اريد الا ان اعمل العملية الجراحية لا اريد أموت هكذا.

 فأنا فوضت امري الي الله وحده هو قادر علي كل شئ وفوضت أمر اولادى الي الله

رسالة من جهاد سليم ساعدوني

 

الوفاة الثانية في أقل من 24 ساعة

ورغم الحزن على وفاة المعتقل جهاد عبدالغني لم تمر بضع ساعات ليلقى المعتقل أشرف عبد السلام إبراهيم منصور وشهرته أشرف سلمي، ربه داخل سجن برج العرب جراء ظروف الاحتجاز السيئة وانعدام الرعاية الصحية.

يذكر أن المعتقل أشرف من مركز أبوكبير بمحافظة الشرقية، ويبلغ من العمر 46 عامًا، ومتزوج ولديه 4 بنات، ويعمل مدرس تربية رياضية، وجرى اعتقاله يوم 17 نوفمبر 2014.

والمتوفي دخل في إضراب مفتوح عن الطعام في 9 نوفمبر 2021 احتجاجًا على سوء المعاملة في سجن الزقازيق العمومي، فتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح وإيداعه التأديب ثم ترحيله لاحقًا إلى سجن برج العرب الذي لقي حتفه به.

 

ألف وفاة بالإهمال الطبي حتى عام 2021

وثقت نحو 6 منظمات حقوقية وصول عدد الوفيات نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز منذ يونيو 2013 وحتى مارس الماضي، إلى نحو ألف حالة، من بينهم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.

والمنظمات الست هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم، ومبادرة الحرية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومنظمة "كوميتي فور جستس"، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

 

توثيق 21 وفاة بـ3 شهور

ووثقت منظمة "كوميتي فور جستس" -في تقريرها الربع السنوي الثالث عن الفترة بين يوليو وسبتمبر 2022- 19 حالة وفاة داخل مقار الاحتجاز.

 

لماذا لا يعامل جميع السجناء بعدالة؟

يعتمد النظام القمعي في مصر على التنكيل بجميع المعارضين بشتى انتماءتهم سواء الإسلاميين أو العلمانيين، فالكل سواسية في القمع لكن الإسلامين هم ما يملكون نصيب الأسد من القمع نظرا لأن عددهم أضعاف المعتقلين الآخرين، وعن هذا المشهد المؤلم، يرى رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان، المحامي خلف بيومي، أن حالة رجل الأعمال الراحل محمد الأمين تجسد حالة الانتقائية الحكومية داخل السجون، إذ سمحت للأمين بالذهاب إلى مستشفى دولي خاص في أثناء قضاء فترة محكوميته من دون صعوبات وفي سرية، كما سمحت بذلك للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ورجال نظامه، حينما تعرضوا لأزمات صحية داخل السجن.

وذكر بيومي أن العكس هو ما يحدث مع السياسيين المحبوسين حاليا، سواء كانوا رموزا سابقين للنظام السابق كالوزراء والنواب والناشطين والصحفيين أو غيرهم، مضيفا "لم نرصد حالة واحدة نُقل فيها (أحدهم) لمستشفى محترم بقدر ما تستوجب حالتهم، إذ يتم التعامل معهم من خلال مستشفيات السجون غير المؤهلة، في حين يتم نقلهم للمستشفيات الخارجية في اللحظات الأخيرة، مما تسبب في وفاة عدد غير قليل".

ويؤكد الحقوقي المصري أنه "لا توجد عدالة صحية للسجناء في مصر، وأن التعسف لا يزال هو سيد قراره في السجون، خاصة عدم السماح بالعلاج أو إدخال الأدوية أو النقل للمستشفيات، كما يحدث مع المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح والعضوة السابقة بمجلس حقوق الإنسان هدى عبد المنعم".