اتسمت انتخابات تونس البرلمانية بأنها كانت شبح مضى ولم يلاحظه أحد، فبانتهاء الانتخابات كأن الصمت الانتخابي طال أكثر من اللازم، بل امتدّ منذ بداية الحملة الانتخابية إلى نهايتها، فيما لم تتمكّن هيئة الانتخابات التي نصّبها الرئيس قيس سعيد  رغما عن الشعب من تحفيز التونسيين على الترشّح أو التصويت.

واقتصر العرس الانتخابي على حفل أقامته الهيئة بمناسبة افتتاح مركزها الإعلامي، لم يحِز إلا الاستهجان والانتقادات، إذ لم يعتد التونسيون هكذا حفلات، ولم يستسيغوا الفلكلور الممجوج الذي فُرضت عليهم مشاهدته على التلفزيون الرسمي، الذي تحوّل من مرفق عام يموّله دافعو الضرائب، في مقابل حصولهم على معلومات يُفترض أن تكون صحيحة ودقيقة، إلى جزء من الحفلة الانتخابية، في استمرار للمنحى الذي اتّخذه منذ 2021، حيث دأب على إقصاء المعارِضين، والتطبيل للقصر الرئاسي.

100 ناخب بالمهجر

 وانطلقت الانتخابات التشريعية في دوائر المهجر، مُجلّية لامبالاة التونسيين في الخارج بالاستحقاق، فيما اكتفت الهيئة، منذ انطلاق التصويت الخميس الماضي، بتصريح وحيد أقرّت فيه بأن يوماً كاملاً من الاقتراع في المهجر في عشرات الدوائر في الخارج في القارات الخمس، لم يسجّل إلّا 100 مقترع فقط.

 

لم يحضر أحد

ورغم  الصمت الذي طال انتخابات المهجر، قال رئيس الهيئة «العليا المستقلّة للانتخابات»، فاروق بوعسكر، إنه يطمح إلى مشاركة مليونين وسبعمئة ألف ناخب من جملة سبعة ملايين ناخب مُسجَّل،  لكن حتى هذا الثلث المطلوب لم يحضر وأعلنت المعارضة عن حضور 2% بينما العليا للانتخابات أعلنت مشاركة 8% وذلك ما كان متوقعا ففي انتخابات 2019 التي شهدت حشداً جماهيرياً وحملات توعوية وترشيحات متعدّدة وحرباً حزبية طاحنة بكلّ الوسائل القانونية واللاقانونية، لم يتجاوز حجم المشاركين فيها مليونين وتسعمئة ألف ناخب فقط، وفق إحصائيات الهيئة.

 

برلمان اللون الواحد

انتهت الانتخابات التشريعية في تونس من دون ضجيج، وسط مكاتب اقتراع شبه مهجورة، بسبب العزوف الشعبي عن المشاركة في الاستحقاق، ومن مجمل تسعة ملايين ناخب مسجَّل، لم يشارك إلّا نحو 804 آلاف فقط، في رسالة واضحة بأن التونسيين لم يعودوا راضين على المسار الذي رسمه الرئيس قيس سعيد.

 ومع ذلك تجاهل رئيس تونس كل المؤشّرات، ماضياً إلى تنظيم حوار وطني قاطعتْه كل الأطراف الوطنية، بصرف النظر عن موقف منظومة الحكم التي أزاحها سعيد في 2021، ومنه إلى استفتاء على الدستور لم يشارك فيه إلّا مليون شخص فقط.

 

مطالبات بتنحي سعيد 

طالبت المعارضة في تونس، الرئيس قيس سعيد، بالتنحي غداة الانتخابات التشريعية التي شهدت نسبة امتناع قياسية تجاوزت 90 في المئة، وأضعفت أيضاً موقف السلطات في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي حول قرض مهم للاقتصاد المتعثر والتي جاءت نتيجته بالرفض.

ودعا زعيم ائتلاف المعارضة الرئيسي، أحمد نجيب الشابي، الرئيس إلى «الرحيل فوراً» بعيد الإعلان عن نسبة مشاركة بلغت 8.8 في المئة فقط في الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب الجديد.

وأضاف الشابي، الذي يتزعم جبهة الخلاص الوطني، أن «هذا تخل شعبي كبير عن العملية» التي بدأت بتعليق أعمال مجلس النواب وإقالة رئيس الحكومة في 25 تموز 2021 وتولي جميع السلطات والحكم بمراسيم.

وأشار إلى أن «92 في المئة أداروا ظهورهم للعملية غير القانونية التي تنتهك الدستور»، داعياً الأحزاب السياسية الأخرى إلى «الاتفاق على تعيين قاضٍ كبير» قادر على «الإشراف على انتخابات رئاسية جديدة».

وتجمع جبهة الخلاص الوطني عدداً من الشخصيات والأحزاب أبرزها حزب النهضة الإسلامي الذي كان أكبر الأحزاب في البرلمان مدى عشر سنوات.

 

الشعب قاطع الانتخابات

من جهته اعتبر حزب "آفاق تونس " (ليبيرالي- لديه نائبان في البرلمان المنحل)، في بيان، إن "إرادة الشعب التونسي اتجهت إلى مقاطعة ما يُسمّى بالدور الأول من الانتخابات التشريعية ورفض التصويت على مجلس نيابي صوري".

ودعا الحزب الرئيس سعيد "لاحترام إرادة الناخبين والاعتراف بفشل منظومته السياسية وعجزها عن تلبية تطلّعات الشعب التونسي".

وأوضح أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة "رسالة واضحة للتعبير عن الرفض لهذه المنظومة غير المسبوقة والبعيدة عن المشاغل الحقيقية للمواطن".

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادّة، فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جرّاء الأزمة الروسية الأوكرانية.

والانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد، تعتبر أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ سعيد فرضها في 25 يوليو 2021، سبقها حل مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء 25 يوليو 2022.