يعيش المصريون أزمة اقتصادية حادة عصفت بكل أمل في نهضة مستقبلية، وانعكس ذلك على طبقة الفقراء التي تمثل شريحة عريضة من مكونات هذا المجتمع، باعتبارها أبرز من طالتهم تلك الأزمة.

وفي حين يعاني الشعب آثار الأزمات الاقتصادية التي ورط العسكر مصر فيها، وبدلا من زيادة الإنتاج لتوفير الاحتياجات الأساسية، توغل قادة الانقلاب في إهدار أموال الشعب وتنفيذ مشروعات ومدن في الصحراء بدون دراسة جدوى ليتم استنزاف الموازنة العامة، واستهلاك العملة الأجنبية التي تحتاج إليها لاستيراد احتياجاتها الأساسية.

 

دولة قهر الغلابة

تناولت صحيفة "الأخبار" اللبنانية ملفا كاملا عن فساد العسكر ووضعت له عنوان "دولة قهر الغلابة" تناولت خلاله الأزمة، كما تحدثت فيه عن الأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وأرجعت ذلك إلى سياسة النظام التي اعتمدت على التوسع في الاقتراض، وإقامة مشاريع ضخمة لا طائل من ورائها، لم تغط نفقاتها الهائلة، بل أثقلت كاهل الدولة بالديون وورطتها في أزمة ديون خطيرة.

ونوهت الصحيفة إلى أن فاتورة الديون "تتضخم أكثر فأكثر، مُثقِلة كاهل الموازنة التي ارتفعت مخصّصات سداد القروض فيها بنسبة قياسية تتجاوز 62% عن العام الماضي، وراهِنةً أجيالاً بأكملها لخدمة الدَين وفوائده، في دوّامة لا يبدو أن ثمّة مخرجاً قريباً منها، طالما أن أصحاب القرار يرفضون الإقرار بكارثيّة تَوجهاتهم، ولا يفتأون يَنحون باللائمة على الحظ العاثر وعبث الأقدار".

 

مدن خاوية على عروشها

لم يكتف قائد الانقلاب ببناء مدن خاوية على عروشها مثل العاصمة الإدارية الجديدة أو مدينة العلمين الجديدة؛ بل توسع في إهدار أموال المصريين فمنذ أيام قام عبد الفتاح السيسي، بافتتاح مدينة المنصورة الجديدة المطلّة على البحر المتوسط، والتي أُنفقت مليارات الجنيهات على إنشائها، واعترتْها عمليات فساد أدّت إلى تهشيم بنيتها التحتية حتى قبل تشغيلها، الأمر الذي جعل كلفتها تفوق ضِعف ما كان مخططا له في الميزانية.

ورغم أن تكلفة إنشاء تلك المدينة مرتفعة كثيرا بالنسبة إلى محدودي الدخل. لكن المفارقة أن المنصورة الجديدة لا يفضّلها حتى الأثرياء وأبناء الطبقة الوسطى، وذلك بالنظر إلى أن أمامها سنوات وسط تساؤلات عن مدى الحاجة إلى هذه العمارات التي يتم تشييدها بسرعة قياسية، من دون دراسة جدوى تحدد التكلفة المناسبة والأسعار العادلة لبيعها، خصوصا في ظل عزوف المواطنين عن شراء الوحدات السكنية المطروحة من حكومة الانقلاب بشكل شبه كامل، لارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه مقارنة بمشاريع القطاع الخاص التي تتميّز أيضا بخدمات ما بعد البيع، ولا سيما في حالة الشركات الكبيرة.

ومنذ اغتصاب السيسي للسلطة في عام 2014، وفي خضم أزمة اقتصادية طاحنة، سعى إلى إنشاء عدد من المدن الجديدة في قلب الصحراء، ومن بين تلك المدن المستحدثة، العلمين الجديدة التي باتت مقرا صيفيا لحكومة الانقلاب، والعاصمة الإدارية الجديدة التي يجري تشييدها منذ 8 سنوات.

على أن هذه المشاريع، ذات التكلفة الباهظة، خلقت ديونا متزايدة على الدولة بسبب التوسع في عمليات استيراد مستلزمات البناء، وعدم توافر العديد من الخامات محليا، إلى جانب عمليات الفساد المنظم التي ارتُكبت بوساطة الشركات المنفذة، ومن بينها شركات تابعة للجيش بشكل مباشر، أو أشرف عليها لواءات متقاعدون، في ما كلف خزينة الدولة ملايين الدولارات التي أُنفقت على خطط لم تتم الاستفادة منها إلى اليوم لأسباب عدة.

 

اندفاع متسارع نحو هوة الفقر

يواجه المصريون ارتفاعا غير مسبوق في أسعار سلع وخدمات استراتيجية، وفق ما تُظهره البيانات الشديدة القتامة.

فبحسب آخر إحصاءات  "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء"، بلغ التضخّم، الشهر الماضي، 16.3% على أساس سنوي، وهو الأعلى منذ 4 سنوات قياسا عام 2018.

كذلك، يوثق الجهاز، في دراسة أصدرها انخفاض دخْل 19.8% من الأسر، ومعاناة حوالي ثُلُث العائلات من عدم كفاية مداخيلها للوفاء باحتياجاتها خلال الشهر السابق على الدراسة، وهو ما اضطر 95% من الأسر إلى الاقتراض، «في حين اعتمدت 2.1% على مساعدات أهل الخير».

ووضعت الدراسة قائمة من 12 سلعة وخدمة أساسية لقياس معدل إنفاق المصريين عليها، لتأتي النتيجة مفزعة، حيث «قل إنفاق 93.9% من الأُسر على اللحوم، و93.1% على الطيور، و92.5% على الأسماك، و74.7% على الأرز، وحوالي 70% على البيض والزيت والفواكه، وأكثر من 50% على خدمات النقل والمواصلات والملابس».

ورغم كارثية تلك الأرقام؛ فهي لا تغطي تبِعات قرار تحرير البنك المركزي لسعر الصرف، والذي أفْقد الجنيه ربع قيمته، ليبلغ 24.58 جنيها مقابل الدولار في حين وصل 38 في السوق السوداء.