على خطى السيسي الذي يعيش في عالم مواز بعيدا عن الحقائق وهموم الشعب المصري، زعم مصطفى مدبولي رئيس حكومة الانقلاب أنه لولا تدخل الدولة "كانت الأسعار هتروج في حتة تانية خالص"، وتضمنت تصريحاته اعترافات تتعلق بإدارك الحكومة انقلات الأسعار وما يبدو أنه إخلاء المسؤولية عن الخطط الفاشلة واعتمادها فقط على القروض وعدم قدرتها المطلقة على تخطي العجز الدائم بالميزانية العامة للدولة.

وتحدث مصطفى مدبولي، ظهر اليوم، وكأن الأزمة الاقتصادية طارئة "الحكومة تعلم جيدًا ارتفاع الأسعار وتبذل كل قدراتها لتخفيف عبء هذه الزيادات عن المواطن المصري، التحدي الأكبر أمام مصر هو توفير العملة الصعبة ولا نعلن عن كل خطواتنا لحل هذه الأزمات".

وادعى أن الأوضاع العالمية هي المؤثر الأكبر على أداء "الحكومة" فقال: "ما نمر به من ظروف عالمية حالية لا يحتمل وجود زيادات مبالغ فيها في أسعار السلع الضرورية لعدد من القطاعات الحيوية والتي من بينها قطاع صناعة الدواجن الذي يمس حياة المواطنين اليومية".

وأمام بناء القصور وإهدار الأموال على المشروعات الفاشلة والتي تمتص مدخرات مصر دون عائد، زعم أن "الدولة لن تقبل استمرار هذه الأوضاع، فهذه زيادات مبالغ فيها في ظل هذه الظروف، وإذا لم تتوقف هذه الزيادات، فالدولة ستتدخل بآلياتها، ولن نسمح بعدم استقرار قطاع صناعة الدواجن، فهذه الصناعة مهمة جداً".

وفي هروب مطلق من الانهيار الاقتصادي الذي تمر به مصر، حمل "مدبولي" خلال مؤتمر صحفي بمجلس الوزراء الأربعاء، 7 ديسمبر، "التدخلات العنيفة تؤدي إلى اختفاء السلع أو إخفاء بعض التجار للسلع لذلك نتدخل بـ«ميزان حساس»، مؤكدا أن الدولة تحارب ذلك وتعمل على تكثيف الرقابة على الأسواق من خلال جهاز حماية المستهلك ووزارتي الداخلية والتموين" متناسيا أن السلع التموينية ليست فقط هي التي ارتفعت أسعارها ولكن أيضا الحديد والالمونيوم والغاز والذهب وجميع السلع المستوردة بما في ذلك القمح والصويا والذرة الصفراء.

وناقض "مدبولي" نفسه وهو يتملص من مسؤولية حكومته وأجهزتها المعنية عن مراقبة الأسعار في مسرحية سمجة وتضليل متعمد، عندما "ناشد" المواطنين "الإبلاغ عن أي مبالغة من جانب التجار في أسعار السلع، قائلا: نطلب من المواطن إنه يساعدنا".

كلام مضلل
وسبق لمدبولي تكرار ترهاته التي هي نسخة من تصريحات زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وتهدف إلى تكذيب أن جزءا كبيرا من أسباب الأزمة الاقتصادية نابع من السياسات الداخلية للحكومة، وهذا باعتراف عدد من المسؤولين أهمهم وزير المالية ورئيس الحكومة نفسه، بحسب تقارير.

وسبق واعترف "مدبولي" بأن الأزمة الخارجية تسببت في 35% فقط من التضخم وارتفاع الأسعار في مصر، فيما الباقي هو أزمة داخلية بالأساس.

واعترف وزير مالية الانقلاب محمد معيط بالخطأ في إدارة الاقتصاد المصري بالاعتماد على الأموال الساخنة التي تسببت في أزمة دولارية منذ عام 2018.

وتسبب حجم الاقتراض من الخارج المهول في زيادة حجم الدين الخارجي إلى نحو 155.7 مليار دولار، وزيادة أعباء خدمة الدين من الفوائد والأقساط وهو أمر أنهك الموازنة العامة المصرية، بحسب تحليل لدويتشه فيله.

مؤسسة التجارة الخارجية والاستثمار الألمانية رجحت أن يصل مجموع الديون الخارجية والداخلية هذه السنة إلى نحو 94% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يزيد على 400 مليار دولار.

ومن 2018 وحتى 2022، خرج من مصر حوالي 55 مليار دولار، بدأت بخروج 15 مليار دولار أثناء أزمة الأسواق الناشئة في 2018، ثم خروج ما يقرب من 20 مليار دولار بسبب الجائحة العالمية خلال 2020، في حين تسببت الحرب الروسية الأوكرانية بخروج 20 مليار دولار من البلاد خلال 2022، بحسب "معيط".

وكشفت دراسة تحليلية للدكتور خالد عبد الحميد أستاذ مساعد بأكاديمية الشروق، أن الاقتصاد المصري يعاني من أزمة مزمنة تتعلق بالعجز المالي حيث تزيد مصروفات الدولة عن إيراداتها.

وأوضحت الدراسة أنه خلال الفترة بين 2000/ 2001 وحتى 2019/ 2020 بلغ متوسط العجز المزمن في الموازنة العامة 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب زيادة النفقات العامة بنحو 47.3 مليار جنيه سنويًا، في حين تزيد الإيرادات بنحو 28.6 مليار جنيه سنويًا.

ومنذ العام المالي 2015/ 2016 بلغ العجز المالي في الموازنة العامة حوالي 441 مليار جنيه بنسبة 7.5% من الناتج المحلي، بحسب الدراسة.