استمرارا لمسلسل اعتادنا عليه منذ اغتصاب عبدالفتاح السيسي للسلطة، وهو تزايد الانفلات الأمني بالشارع وداخل المؤسسات الحكومية وانتشار البلطجة، وأصحاب النفوذ واعتيلائهم المشهد دون رقيب أو حسيب، تعرض طاقم ممرضات بمستشفى قويسنا، للضرب على يد ضابط طيار وأسرته، ما نتج عن ذلك إصابة عدة ممرضات بكسور بالغة، بالإضافة لإجهاض ممرضة نتيجة، ذلك التعدي، دون أن يتحرك ساكن لهذا المجلس المسيسي.

وبحسب مراقبين فإنه في دولة القمع والعسكرة أصبح كل شيء مباح حتى الشهامة اختفت، حيث تكررت في الآونة الأخيرة مشاهد الاعتداء والعنف ضد المرأة، وسط خرس وصمت رهيب من الجمعيات والمنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق المرأة.

 

غياب المجلس القومي للمرأة عن المشهد

وفي الوقت التي تثور فيه عضوات المجلس القومي للمرأة  للتنديد بالعنف الواقع على المرأة بمصر، توارين في مشهد مخزي عن الدفاع عن حقوق هؤلاء الممرضات اللاتي تم سحهلن، لأنهن بذلك سيهاجمن أحد أفراد الجيش وهو خط ممنوع أن يتحدثن فيه،  ما أثار حالة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، فكتبت داليا أبوالخير: "حد يصحي الأخت بتاعت المجلس القومي للمرأة، والحاجة اللي جمبها دي بتاعت حقوق المرأة، ويقولهم إن فيه راجل وسيد الرجال، ضرب وسحل وجلد 9 ممرضات وعاملات وأجهض واحده منهم، فاستقبال طوارئ قويسنا، ولا احنا مانسمعش صوتكم بتجعروا غير فالرضاعة وملزمة وغير ملزمة وبس؟!!".

وأيدتها شيرين عرفة مفسرة: "يا راجل دي كانت في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، بتطالب إن "علاء عبد الفتاح" مايخرجش من السجن، علشان نساء أكدوا لها، إن علاء شتمهن بألفاظ لا تليق، فما بالك بضابط يضرب نساء بالكراسي، ويكسر عظامهن، وتسبب في إجهاض واحدة منهن! أكيد ماتوا".

 

اعتداء بالجنازير

والجمعة الماضية، قام ضابط طيار في الجيش بالاعتداء على أفراد من طاقم التمريض بـ"الجنازير"، هو ومجموعة من أقاربه وذلك في مستشفى قويسنا المركزي بمحافظة المنوفية، الأمر الذي تسبّب في إصابة خمس ممرّضات وتعرّض سادسة للإجهاض، بالإضافة إلى إصابة ثلاث عاملات.

وفي حين تم التعتيم على اسم الضابط، فقد تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك مواقع محليّة، صورة قالوا إنّها تعود إلى المعتدي، إلى جانب بثّ تسجيل فيديو حول الواقعة.

ومن جانبها سردت نقيبة التمريض، النائبة في مجلس الشيوخ، كوثر محمود تفاصيل الواقعة، بأن ضابطاً في القوات الجوية التابعة للجيش تعدّى بالضرب على ممرّضات مستشفى قويسنا الحكومي، بعد أن حضر برفقة أخيه وعدد من النساء إلى قسم الطوارئ، بسبب إصابة إحدى  النساء بنزيف بسيط، في حين كان أطباء الأمراض النسائية جميعهم منشغلين في عمليات جراحية.

وتابعت نقيبة التمريض، أنّه عندما أبلغ طاقم التمريض الطبيب المختص بتفاصيل حالة المرأة المصابة بنزيف، فطلب إجراء "سونار" (صورة بالموجات فوق الصوتية) لها وتحاليل أخرى، إلى حين الانتهاء من العمليات الجراحية. لكنّ الضابط الذي كان يرافق المريضة طلب معاينتها على الفور، وتوجّه بالسباب إلى عاملين في المستشفى.

وأضافت أنّه بعد اصطحاب طاقم التمريض المرأة المريضة لإخضاعها للفحوص المطلوبة، راحت النساء اللواتي كنّ برفقتها يهدّدنَ أطقم التمريض في المستشفى ويتوعّدنها بالضرب، قبل أن يقتحم اثنان من الرجال قسم النساء ويعمدا إلى ضرب الممرّضات فيه، وما إنّ خرجت واحدة منهنّ للاتصال بالطوارئ من هاتفها، حتى تعرّضت لاعتداء، الأمر الذي أسفر عن إجهاضها.

 

بلطجة وتهديد وفجور

ورغم وجود فيديو موثق باعتداء ضابط طيار على طاقم التمريض، إلا أن الضابط بنفوزه قام بعمل محضر ضد من قام بالاعتداء عليهم وتهديدهم متخذا سلطته ونفوذه التي وصلت، إلى أن الإعلام المصري لم يجرؤ أن يذكر اسم هذا الضابط، بل لم يذكر التفاصيل بمهنية، فلم تجرؤ وسيلة إعلام مصرية، أن تذكر أنّ الشخص الذي اعتدى على الممرضات في مستشفى قويسنا بكرباج، هو ضابط طيار اسمه مصطفى أشرف حسن.

وتداول ناشطون لفيديو يقوم فيه مدير المستشفى بتحذير الممرضات المعتدى عليهن، من اتخاذ إجراءات قانونية ضد هذا الضابط البلطجي وأنه باستمرارهم في مقاضاته سيتحملون نتيجة فعل ذلك، في طريقة حقيرة لعقد الصلح بشروط البلطجي.

 

غضب على مواقع التواصل

وفور انتشار فيديوهات التحذير، سادت حالة من الغضب بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، فدون مسعد البربري: "حضرة ضابط الجيش والست حماته، اعتدوا على فريق التمريض "بالكرباج" وسحلوهم و"قتلوا" روح، بعد ما أجهضوا ممرضة من شدّة الضرب! شوف الباشا مدير المستشفى والدكتورة اللي معاه بيهددوا الموظفين اللي شهدوا على الواقعة وبيقولولهم إيه لو تمسكوا بموقفهم؟!".

وتساءل الكاتب عمار علي حسن: "هل سيعاقب الجاني؟ وهل سيعرف الشعب ما هو العقاب؟".

وكتب  الرسام والمصمم أحمد عز العرب، واقعة أخرى: "جماعة البلطجية بعد الاعتداء على العاملين فى مستشفى قويسنا، انتقلوا إلى مستشفى شبين الكوم، وواصلوا نفس الأسلوب، بالاعتداء على أطباء شبين، هذه الفوضى لا تسمح بالعمل ولا العلاج".

 

حوادث متكررة

وفي 18 سبتمبر الماضي، أفادت النقابة العامة لأطباء مصر بأنّ "أطباء وممرّضين في مستشفى البنك الأهلي للرعاية المتكاملة، الكائنة في حيّ المقطم بالقاهرة، تعرّضوا لاعتداءات مبرحة من أهالي أحد المرضى"، واصفة ما حدث بأنّه "معركة في ساحة المستشفى، ويرقى إلى حدّ الجريمة في حقّ أعضاء الفريق الطبي".

وقبل ذلك بأيام، تعرّض طبيب عظام مقيم في مستشفى ناصر العام بمحافظة القليوبية لاعتداء من قبل مرافقي أحد المرضى، في أثناء تأدية عمله بقسم الاستقبال والطوارئ. وقد سبقه اعتداء آخر على طبيب طوارئ في مستشفى بمنطقة حلوان، وإصابته بجرح قطعي في الكتف، فضلاً عن ضرب طبيب أمراض نسائية في مستشفى السويس العام من قبل مرافقي إحدى النساء، الأمر الذي أدّى إلى إحداث كسر في يده اليسرى.

 

عقوبة غير رادعة

ويتقرر الاعتداء بالضرب على أفراد المنظومة الطبية كثيرا، حيث إن العقوبات على الجناة ضعيفة وغير مردعة، وذلك بجانب  رفض وزارة الداخلية تأمين المستشفيات العامة، وعدم استجابة الحكومة والبرلمان للمطالب النقابية المتكرّرة بشأن إدخال تعديل تشريعي يغلّظ عقوبات الاعتداء على الأطباء والممرّضين في أثناء تأدية عملهم. يُذكر أنّ العقوبة الحالية غير رادعة، وهي تقضي بالحبس لمدّة ستّة أشهر في حدّها الأقصى.