اختفت 6 مجلدات من دار الكتب والوثائق القومية، تضم أعدادًا من صحيفة «الوقائع المصرية» التي تأسست عام 1828 بأمر من محمد علي باشا حاكم البلاد آنذاك، وكانت تُوزّع على موظفي الدولة وضباط الجيش وطلاب البعثات، وتعتبر المجلدات المفقودة من أهم وأندر الدوريات الموجودة في دار الكتب.

وتعتبر "الوقائع المصرية" أول صحيفة مطبوعة في تاريخ البلاد، حيث صدر العدد الأول منها في 3 ديسمبر 1828، بعد الصحف الفرنسية التي أصدرتها الحملة الفرنسية في مصر في الفترة من 1798 إلى 1801 ميلاديًا».

ذاكرة الحكومة المصرية وسجلها الرسمي

ووصف خالد عزب، خبير المخطوطات والتراث الرئيس الأسبق للجنة الوطنية المصرية للمتاحف، صحيفة «الوقائع المصرية» بأنها «ذاكرة الحكومة المصرية وسجلها الرسمي منذ عهد محمد علي حتى الآن؛ حيث لا تصبح المراسيم والقوانين والقرارات سارية المفعول إلا بعد نشرها في تلك الصحيفة أولًا». وأشار، في تصريح ﻟ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «لا يمكن وصف تلك المجلدات بالنادرة، لأنه توجد نسخٌ إلكترونية عديدة منها داخل مصر وخارجها، لكن هذا لا يقلّل من أهميتها، فهي أول صحيفة مطبوعة في تاريخ البلاد"، وفقًا لـ"الشرق الأوسط".

من جهتها، أعلنت نيفين موسى، رئيسة الهيئة العامة لـ"دار الوثائق القومية"، أنّها لم تتلقّ تبليغًا باختفاء المجلّدات الستة إلّا في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، إلّا أن تحقيقًا بالواقعة لم يبدأ حتى مُضيّ أكثر من عشرة أيام. وهذا ما أرجعه البعض إلى بطء بيروقراطي يُعرقل سير هذا النوع من القضايا، بينما تحتاج من المسؤولين الكثير من السرعة غير المعتادين عليها، في جوّ من الاتهامات بالتقصير والإهمال.

وكانت صحف محلية قد تداولت خبرًا حول الظهور الأخير للمجلّدات، يُفيد بأن كاميرات المُراقبة رصدت مسؤولين من سفارة أجنبية يقومون بتصوير بعض الصفحات منها لاستخدامها في مناسبة ثقافية مُقبِلة، ولم يُحدَّد مصيرها بعد ذلك، إلّا أن موسى نفت صحّة هذا الخبر، وقالت: "ما يتردّد عن وجود جهات أجنبية عارٍ تمامًا من الصحة"، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وأشارت موسى إلى أنّ تفريغ الكاميرات ودفاتر الدخول والخروج، باتت في أيدي النيابة العامة الآن، وأنّه "لم يثبت أي دخول لجهات أجنبية إلى الهيئة، ولكنّ هذه المجلّدات تم نقلها من مكانها إلى مكان آخر داخل الهيئة ولم تخرج من دار الكتب على الإطلاق".

أمّا عن سبب نقل الوثائق، فأوضحت أنّ الهيئة كانت بصدد الإعداد لكتاب مُصوَّر تذكاري للمشاركة في "إكسبو دبي 2020" (الذي أُقيم العام الماضي)، ويحمل عنوان: "مصر في المعارض الدولية: 170 عامًا من التأثير والإبهار 1851 - 2021"، وهذه آخر لقطة توقّفت عندها الكاميرات على رصد المجلّدات ولم يظهر أنها عادت إلى مكانها الطبيعي داخل "دار الكتب".

 

صورة (AA) خبر من أحد أعداد الوقائع المصرية المفقودة عن وصول السفينة المصرية المحملة بالمعروضات للمشاركة في معرض باريس عام 1867 المصدر: كتاب مصر في المعارض الدولية

 

صور من المجلدات المفقودة

وتمكن مراسل "الجزيرة نت" من الحصول على نسخة إلكترونية من الكتاب التذكاري الذي احتوى على صور من المجلدات المفقودة ويحمل عنوان "مصر في المعارض الدولية.. 170 عامًا من التأثير والإبهار 1851-2021″، وتظهر فيه صور من مجلة الوقائع المصرية للأعوام بين 1867 و1875.

وتضمنت الصور المأخوذة من المجلدات المفقودة خبرًا عن وصول السفينة المصرية المحملة بالمعروضات للمشاركة في معرض باريس في 30 مايو 1867، وآخر بتاريخ التاسع من مايو 1875 عن تشكيل قومسيون برئاسة محمد توفيق باشا ناظر (وزير) الداخلية ورياض باشا ناظر الخارجية لتجهيز الجناح المصري في معرض فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1875.

رواية أخرى عن اختفاء المجلدات ذكرها الشاعر والكاتب الجميلي أحمد تشير إلى أن المجلدات الستة فقدت منذ أكثر من عام ونصف تقريبًا، ولم يتم اكتشاف اختفائها إلا عن طريق الصدفة في أكتوبر الماضي.

وقال الجميلي - الذي عمل سابقا في دار الكتب وكان عضوًا بمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر- إن هذه الدوريات خرجت من المخازن قبل عام ونصف تلبية لطلب من رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب وقتها مصطفى عبد السميع بصفته باحثًا، وتم تسليمها له خارج قاعة الاطلاع على خلاف ما هو متبع في هذه الحالات، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

وفي مقطع مصور قبل أيام من كشف الواقعة في الإعلام، أضاف الجميلي أن إدارة المخازن تقاعست عن متابعة مصير الدوريات حتى منتصف أكتوبر الماضي حين توجه باحث آخر إلى دار الكتب وطلب الاطلاع على الدوريات نفسها لتفاجأ الإدارة باختفائها.

وفجر الجميلي مفاجأة بأن الموظف المسؤول عن تسليم هذه الدوريات كان يعمل في دار الكتب بشكل مؤقت (بنظام اليومية)، وتقدم باستقالته وترك العمل في الدار بعد أسبوعين من استلام المجلدات لتوصيلها إلى رئيس الإدارة المركزية.

صورة (2) مصحف مخطوط عام 713 هجريا من العصر الإلخاني (المغولي) وهو من نوادر المصاحف الموجودة في دار الكتب المصرية والعالم. المصدر: موقع دار الكتب والوثائق المصرية

 

اختفاء 300 مخطوطة نادرة أهمها "الرسالة" للشافعي

ولم يكن اختفاء "الوقائع المصرية" هي الواقعة الأولى والوحيدة لاختفاء المخطوطات النادرة من دار الكتب والوثائق القومية، فقد سبقها مئات من الكتب والوثائق النادرة، ومن أشهرها سرقة مخطوطة "الرسالة" للإمام الشافعي، والتي تعد أقدم المخطوطات المكتوبة على الورق في العالم، وأول كتاب أُلف في علم أصول الفقه، ويرجع تاريخها إلى أواخر القرن الثاني الهجري.

المخطوطة التي تم اكتشاف سرقتها عام 2002 كتبها الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي في حياة الإمام خلال إقامته في مصر التي وفد إليها عام 199 هجري.

وبحسب المعلومات التي نشرت لاحقا بشأن المخطوطة النادرة، فقد تمت سرقتها خلال احتفالية يوم الوثيقة العربية في أكتوبر 2002، ورغم التحقيقات والاستجوابات الأمنية والبرلمانية لم يعثر على أثر للمخطوطة.

لكن في عام 2018 نقلت صحيفة الوطن المصرية عن عضو هيئة المخطوطات الإسلامية بجامعة كامبردج البريطانية فيصل الحفيان قوله إن مخطوطة الإمام الشافعي ظهرت قبل سنوات في أحد مزادات لندن وبيعت لمشتر مجهول، لتختفي إلى الأبد.

أجرت دار الكتب جردًا بعد اكتشاف اختفاء "الرسالة"، ليتضح اختفاء نحو 300 مخطوطة أخرى، بينها 109 مصاحف بخط اليد، لكن المسؤولين قرروا إخفاء الأمر، واكتفوا بتقرير عن فقد مخطوطة الرسالة فقط خشية التعرض للمساءلة، بحسب ما ذكره الرئيس السابق لقسم الترميم اليدوي في دار الكتب بكري سلطان في تصريحات سابقة لصحيفة "الوطن".

صورة (2) مصحف مخطوط عام 713 هجريا من العصر الإلخاني (المغولي) وهو من نوادر المصاحف الموجودة في دار الكتب المصرية والعالم. المصدر: موقع دار الكتب والوثائق المصرية

 

مصر تسترجع مخطوطات نادرة مهربة

ومع انتشار هذه السرقات من هيئة الكتب والوثائق المصرية، إلا أن حكومة الانقلاب نجحت في وقف بيع بعض المخطوطات، ومنها مخطوطة نادرة مهربة منذ 126 عامًا في العاصمة البريطانية لندن.

مخطوطة قنصوة الغوري

وذكرت وزارة الثقافة في بيان رسمي، أن الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية نجحت في وقف بيع مخطوطة قنصوة الغوري، التي كان مقررًا عرضها للبيع في صالة "سوثبي" للمزادات بلندن في أكتوبر 2018، وفقًا لـ"العربية نت".

من جانبهم، كشف مسؤولون آثاريون أن مخطوط قنصوة الغوري، وهو آخر سلاطين المماليك قبل الغزو العثماني لمصر، عبارة عن جزء من ربعة قرآنية، كُتبت بقلم النسخ، للسلطان المملوكي على جدار مدرسته الملحقة بالمسجد المعروف باسمه حتى الآن في مصر، فيما وصفت صالة "سوثبي" للمزادات بلندن المخطوطة بأنها مخطوطة باللغة العربية مكتوبة على ورق مصقول، يبلغ عددها 28 ورقة، بالإضافة إلى اثنتين من الأوراق المتطايرة، كتبت بخط نسخ أنيق وبالحبر الأسود، والآيات مفصولة بالذهب.

في غضون ذلك، قالت هيئة الكتب والوثائق المصرية، إن المخطوطة مثبتة في سجلات دار الكتب المصرية منذ العام 1884، وكان آخر ظهور لها في سجلات دار الكتب في نهاية القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام 1892 ثم اختفت بعد ذلك.

المخطوطة

مخطوطة "المختصر في التاريخ"

ومن هذه المخطوطات التي استرجعتها مصر، مخطوطة "المختصر في التاريخ" التي ألفها محيي الدين الكافيجي المتوفى سنة 879 هجرية، ويعالج فيها الجانبين النظري والتطبيقي لعلم التاريخ، والتي اكتشفت سرقتها من دار الكتب عام 1976.

ظلت المخطوطة التي كانت تحمل رقم "528 تاريخ" في دار الكتب المصرية مختفية لنحو 42 عامًا حتى ظهرت ضمن معروضات أحد مزادات دار بونهامز عام 2018، لتتدخل السلطات المصرية وتتمكن من إثبات ملكية المخطوطة لدار الكتب المصرية، لتعود مجددا إلى مصر.