بعد كل قرض جديد، وبعد كل أزمة اقتصادية، يخرج الإعلام المصري بأن هناك خطة اعتمدتها الحكومة لتقليص الديون الخارجية والتي تزيد يوما بعد يوم، وسيتم عرضها على عبدالفتاح السيسي، للموافقة عليها، لكن الحقيقة أن الخطة الحقيقية هي الاستدانة، وتكبير الحجم الخارجي للدين، وأن هذه التصريحات من باب خداع ودغدغة مشاعر المصريين، والدليل على ذلك أنه عقب اعتماد خطة 2021، لما نرى شيئا ملموسا، وأنه على أرض الواقع فقد زاد الدين الخارج بنسبة 17% عن العام الماضي، ليصل في 2022 إلى 157.8 مليار دولار في مارس الماضي، مقابل 134.8 مليار دولار في مارس 2021.

 

وعود زائفة

لا يمتلك السيسي أو حكوماته سوى الوعود الزائفة فمنذ اغتصاب السيسي للسلطة لم ينزل الدين الخارجي دولارا واحدا والدليل على ذلك عندما تولى الدكتور محمد معيط وزارة المالية، خلفاً لعمرو الجارحي عضو لجنة سياسات جمال مبارك. ولم يكن معيط غريباً عن الوزارة، حيث كان نائباً لوزير المالية لشؤون الخزانة العامة في الفترة بين عامي 2016 – 2018، كما كان قبلها مساعداً للوزير.

وقبل مضي 3 أشهر على جلوسه في مقعد الرجل الأول في الوزارة، أعلن معيط أن الحكومة ستطبق سياسات واضحة في الأسابيع المقبلة تهدف إلى خفض مستوى الدين العام، مضيفاً أن هذه السياسات تشمل التشجيع على المزيد من الإصلاح الهيكلي، ووضع أهداف للاقتراض الداخلي والخارجي، والاستمرار في العمل على تحقيق معدلات النمو.

ووعد معيط، الذي جاءت تصريحاته متزامنة مع إعلان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء ارتفاع الدين الخارجي بنهاية يونيو 2018  إلى أكثر من 92 مليار دولار، بوضع سقف للاقتراض الخارجي خلال الفترة القادمة.

لم تمض ساعات على تصريحات معيط، حتى تم الإعلان عن اتفاق وقعته وزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي، مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، إحدى المؤسسات التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، تحصل بمقتضاه مصر على قرض بثلاثة مليارات من الدولارات، بغرض "دعم توفير سلع أساسية للمواطنين، ثم توالت العديد من القروض التي لم تتوقف حتى الآن.

ويقول الخبير الاقتصادي ممدوح الوالي إن خطة تخفيض الديون لا تنبثق عن خطة من وزير أو مسؤول فالعمل على تخفيض مديونية الدولة ووضع سقف للاقتراض لا يتم بقرار وزير المالية، ولا بخطة وزارته، وإنما يتعين أن تتفق الدولة، بكافة وزاراتها، على توجه عام. فلو نظرنا إلى الدين الخارجي المصري، عند مستواه الحالي، سنجد أن معدل فائدة 4.5%، يضيف إلى رصيده كل عام أكثر فعندما تولى الوزير الحالي كانت مصر تدفع أربعة مليارات دولار سنويا والآن تدفع 7 مليارات دولار.

 

3 خطط للتقليص والدين في تضاعف

ومنذ أيام أعلنت وزارة المالية بحكومة الانقلاب أنها تخطط لخفض نسبة الدين للناتج المحلي خلال 5 سنوات للعودة بنسبة الدين العام للتراجع.

وقالت المالية  في تقرير لها أنها تستهدف تحقيق نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي 85.6 % خلال العام المالي الحالي وأجهزة الموازنة العامة للدين العام بنسبة 87%.

وأوضحت إلى أن الخطة تتضمن خفض الدين العام بنسبة كبيرة تدريجيا حتى عام 2026 إلى مستوى 72% لدين حكومة الانقلاب للناتج المحلي الإجمالي و70.5% خلال عام 2027، وبالنسبة لدين أجهزة الموازنة العامة للدين العام من المخطط أن تنخفض إلى 75.4% عام 2026 و71% عام 2027.

وفيما يخص عمر الدين العام تستهدف الخطة الانقلابية  رفع عمر الدين العام كمؤشر للاستقرار من 3.1 سنة صعودا إلى 4.5 سنة عام 2026 و4.7 سنة عام 2027.

وتابعت بأن خدمة الدين العام تعد أحد أهم التحديات حيث تلتهم فوائد خدمة الدين العام 565 مليار جنيه من مخصصات الإنفاق العام، زاعمة أنها تخطط لخفض نسبة خدمة الدين العام من 7.7% إلى 6.5% عام 2026 و6.1% عام 2027.

في عام 2019 قال وزير المالية محمد معيط، خلال مشاركته في ورشة عمل تحت عنوان مصادر التمويل لمستثمري القطاع الخاص "خلال عامين سنقضي على الدين نهائيا، ونُسلم مصر آمنة إلى من يأتي بعدنا".

ثم في عام 2020، صرح الوزير أيضا أنه لا يوجد ما يدعو للقلق، متوقعا سداد الدين الخارجي بالكامل بحلول عام 2023.

 

خبراء: تصريحات لخداع المصريين

وكما شكك الخبراء سابقا في التصريحات في ذلك الوقت عن قدرة الحكومة على الوفاء بتصريحاتها، وأن تلك التصريحات من باب الشو الإعلامي لا يمت للواقع بشيء، وأنها للاستهلاك المحلي، لتهدئة الرأي العام وخداعهم.

ويرى الاقتصادي المصري محمد كمال عقدة مدير مركز "نظرة في الأزمات" (مقره أميركا) أن الاقتصاد المصري سيعاني خلال الفترة المقبلة بسبب ارتفاع الدين العام المحلي والخارجي وأن  تصريحات الحكومة، لن توفي بها في ظل لهثا الشديد للحصول على قروض أخرى .

وأشار في تصريحات صحفية إلى أن ذلك سيؤثر سلبا على القطاع الخاصة، وذلك لعدم قدرته على الحصول على قرض من البنوك المصرية بسبب مزاحمة الدولة له في عملية الاقتراض من السوق الداخلي أو العالمي، وبالتالي سيتراجع الاقتصاد وستضعف قدرة القطاع الخاص على المنافسة والإنتاج ودفع الضرائب، والتي تعد أحد مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة، فضلا عن تراجع التصنيف الائتماني للشركات المصرية مما سيؤدي لرفع الفوائد على الاقتراض على الجميع بما فيها الحكومة.

كما استبعد الخبير الاقتصادي المصري أحمد ذكر الله قدرة الحكومة على سداد ديونها خلال الفترة المقبلة والتي حددتها بخمس سنوات، مؤكدا أن القاهرة أمام "ورطة" بدأتها باستدانات كبيرة لتنفيذ مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، مما دفعها لإنفاق أموال ضخمة لم تكن محسوبة أو داخل نطاق الأولويات، فضلا عن أنها لم تكن قادرة على إعادة تدوير العجلة الإنتاجية، مما أدى لتراكم الديون في مصر.