تتزايد حالات الانتحار  في مصر وسط أزمات ضاغطة يعاني منها المصريين، باختلاف أشكالها منها الاجتماعية والاقتصادية وكذلك الصحية، والتي تنامت بشكل أكبر منذ انقلاب 2013، وتعددت أنواع الانتحار في بالسنوات الأخيرة، منها القفز من المباني المرتفعة، وأمام عربات المترو، والغرق في مياه النيل، والشنق بحبل، وقطع شرايين اليد، فضلاً عن تناول أقراص "حفظ الغلال"، الذي بات الوسيلة الأسرع والأكثر رواجاً للانتحار.

 

مأساة متكررة

في مأساة غير جديدة ومتكررة منذ اغتصاب عبدالفتاح السيسي للسلطة في مصر، إذ يوميا تنقل الصحف والمواقع الإخبارية أخبار عن انتحار عدد من المواطنين لأسباب اجتماعية مختلفة، ولكن عقب فقد المصريون أكثر من نصف مدخراتهم، وتراجعت دخولهم بنفس النسبة، منذ قرار البنك المركزي تعويم سعر الجنيه مقابل الدولار، أقدم زوجان لديهما من الأبناء ستة، ويزيد عمر كل منهما على 50 عاماً، على الانتحار بتناولهما معاً حبة "حفظ الغلال" السامة، في محل سكنهما بقرية دكما التابعة لمركز شبين الكوم في محافظة المنوفية، الاثنين، على خلفية تراكم ديون البنوك عليهما، وعدم قدرتهما على الإنفاق على أبنائهم الذين يدرسون في مراحل التعليم المختلفة.

وتم نُقل الزوجان إلى مشرحة مستشفى شبين الكوم التعليمي، تحت تصرف النيابة العامة تمهيداً للتصريح بدفنهما، إذ تبين أن الزوج بالمعاش، وزوجته لا تعمل (ربة منزل)، وأقدما على الانتحار جراء معاناتهما من أوضاع اقتصادية صعبة خلال الفترة الأخيرة، بفعل ما تشهده البلاد من موجة تضخم غير مسبوقة، وارتفاع في أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية.

 

شاب يحاول الانتحار على الهواء

وثق الشاب المصري مصطفى نور محاولته الانتحار بالقفز من أعلى سور قلعة صلاح الدين الأيوبي، أحد أشهر المعالم الإسلامية في العاصمة القاهرة، في بث مباشر عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وقال مصطفى، في بثه المباشر، إنه تعرض في الفترة الأخيرة لمواقف كثيرة وصعبة، جعلت منه إنساناً ضعيفاً لا يستطيع التحمل، فقرر إنهاء حياته، مضيفاً أنه ذهب إلى برج القاهرة لإلقاء نفسه من أعلى، فرفضوا إدخاله لأنه بمفرده، حيث يوجد تعليمات لدى أفراد الأمن بعدم صعود شخص بمفرده البرج بسبب تكرار حوادث الانتحار.

وأكد الشاب الذي تم إنقاذه فيما بعد، أنه سيلقي بنفسه من أعلى سور القلعة، قائلاً في صوت يملؤه الحزن: "لن أسامح والدي، لأنه من أوصلني إلى هنا". وما إن ألقى نفسه محاولاً الانتحار، ظهر صوت أحد الأشخاص، وهو يقول: "بلغوا الشرطة، يوجد شخص ألقى بنفسه من أعلى. وترك هاتفه".

 

الظروف المعيشية الصعبة تقود العمال إلى الانتحار

في فبراير الماضي فجّر انتحار عامل في شركة "يونيفرسال" للأجهزة الكهربائية غضب المئات من زملائه بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة نتيجة تقاعس الشركة عن صرف مستحقاتهم المالية لفترات طويلة. ورمى العامل نفسه تحت عجلات سيارة على الطريق السريع، تاركاً رسالة مفادها بأنه لم يعد قادراً على تلبية احتياجات أسرته، الأمر الذي دفعه إلى الإقدام على الانتحار.

مع ذلك، فإن حادثة انتحار عامل شركة "يونيفرسال" لا تعبر عن أوضاع العمال فحسب، بل عن أوضاع الكثير من المصريين الذين يواجهون صعوبات الحياة والأزمات المالية بالتفكير في الانتحار للخلاص. كما تطرح تساؤلات حول الجناة الحقيقيين الذين يحكمون البلاد وساهموا في ما آلت إليه الأحوال.

وفي أغسطس الماضي شهدت شركة يونيفرسال أيضا محاولة انتحار العامل أمين محمد حنفي، في قسم سيخ الشواية بمصنع "24 ألف"، وتمكن عدد من زملائه من إنقاذه.

وكان حنفي قد سكب "التنر" على جسده في محاولة لإحراق نفسه، في خامس محاولة انتحار بين عمال الشركة، نظراً لمرورهم بأزمات مالية شديدة نتيجة عدم وفاء الإدارة بتعهداتها بصرف مستحقاتهم.

 

الانقلاب يضع مصر في صدارة الدول العربية بأعداد المنتحرين

ومع تولي اغتصاب عبد الفتاح السيسي لمقاليد الحكم عام 2014، حلت مصر في المرتبة الأولى عربياً في معدلات الانتحار، متجاوزة في ذلك دولاً تشهد نزاعات مسلحة وحروباً أهلية، يليها السودان، ثم اليمن فالجزائر، بحسب منظمة الصحة العالمية، والتي رصدت 3022 حالة انتحار موثقة في البلاد عام 2019، بينما يتجاوز عدد المحاولات الفاشلة هذا الرقم بكثير.

وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن الأرقام التي تعبر عن حجم ظاهرة الانتحار في مصر مرعبة، وقد تصدرت البلاد قائمة الدول العربية في معدلات الانتحار بـ 3799 شخصاً عام 2016. وفي عام 2019، انتحر في مصر وحدها 3022 شخصاً.

وبحسب دراسة صادرة عن المركز الديموقراطي العربي في عام 2021، فإنّ مؤشرات الانتحار في الآونة الأخيرة كانت متزايدة مقارنة بما كان الوضع عليه في السابق، بالإضافة إلى أنّ الانتحار تزايد بشكل كبير في فئة الشباب (20-35) بنسبة 81 في المائة، في حين أتى تزايد الانتحار في فئة المراهقة (13-20) بنسبة 19 في المائة.

وأرجعت الدراسة ذلك إلى أنّ فئة الشباب هي أكثر الفئات العمرية التي تعاني من ضغط شديد من الجوانب كافة مقارنة بالفئات الأخرى، في حين أنّ الضغط الذي يعاني منه المراهقون قد يكون مجرّد ضغط دراسي أو تفكّك أسري، بخلاف الشبان الذين تتزايد ضغوطهم من نواحٍ دراسية وعملية واجتماعية، خصوصاً إذا كان الشاب هو معيل الأسرة بالإضافة إلى ضغط دراسته ورغبته في الزواج وتدهور مستوى المعيشة مع تضاؤل فرص العمل المتوفّرة له.