"تسريح العمالة المصرية " هو شعار ترفعه حكومة الانقلاب متمثلة في الشركات والمصانع والمؤسسات لمواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها وتعجز عن إيجاد حلولا لها، خاصة مع تفاقم أزمة نقص العملة الأجنبية في البلاد والتي ألقت بظلالها عن نقص السلع والمواد الخاص وغلق عشرات المصانع، بالإضافة إلى القرار الكارثي بتعويم الجنيه المصري.


وبدأت عدد من الشركات في تسريح عمالها أبرزها عمال شركة المصرية للاتصالات، كما طال القرار العمالة في عدد من المصانع الهامة أبرزها مصانع الحديد والصلب وأيضا العمالة المؤقتة بالمزارع.


المثير للانتباه أن تسريح العمالة أصبحت ظاهرة علنية منذ استيلاء السيسي على الحكم، حتى أصبح من المألوف تناول أخبار تفيد بتسريح عشرات العمال بمصنع أو شركة بدعوى توفير النفقات.


تسريح عمال المصرية للاتصالات


وأثار برلمان السيسي أمس الأحد موجة من الجدل عقب الكشف عن قرار لشركة المصرية للاتصالات بفصل 1218 عاملاً، من المتعاقدين معها عن طريق شركة (IBS) لتوريد العمالة، وهو الأمر الذي يتنافي مع ادعاءات قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بتوفير إجراءات الحماية الاجتماعية للعمال، وتخفيف حدة الوضع الاقتصادي من خلال تحسين أوضاعهم المعيشية.


وأفاد أحد نواب برلمان الانقلاب في بيان عاجل أن أن "المصرية للاتصالات" تورطت أخيراً في فصل أكثر من ألف عامل بشكل تعسفي، بحجة ترشيد نفقات الشركة، ما يعد تسريحاً جماعياً للعمال في ظل ظروف معيشية صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية، علماً بأن المادة 13 من الدستور ألزمت الدولة بـ"الحفاظ على حقوق العمال، وحمايتهم من مخاطر العمل، وحظر فصلهم تعسفياً على النحو الذي ينظمه القانون".


ووفقا للإحصائيات الرسمية، فإن عدد شركات توريد العمالة في مصر تبلغ 597 شركة حتى نهاية عام 2021، وتعتمد كثير من الشركات والبنوك الحكومية على العمالة الرخيصة الموردة منها، والتي تقدر بعشرات الآلاف من العمال البسطاء الذين يعملون كأفراد أمن عادة، في قطاعات أبرزها: البنوك والاتصالات والبترول والمقاولات والأغذية والمشروبات والسياحة والفنادق.


أوضاع معيشة صعبة


ويعيش العمال وخاصة العمالة المؤقتة أوضاع معيشية صعبة تحت حكم نظام العسكر في مصر، في ظل تدني الأجور وغلاء المعيشة الفاحش، وما يفاقم أزماتهم هو تأخر صرف الرواتب في الكثير من الشركات، بالإضافة إلى عدم الوفاء بحقوق المنصوص عليهم في القانون.


تلك الأوضاع المأسوية دفعت آلاف العمال إلى اللجوء للإضرابات والاحتجاجات الساخطة من أجل استرداد حقوقهم، ولكن الشركات لم تسمع يوما لمطالب العمال.


أسباب مختلفة للفصل التعسفي


ومؤخرًا تظاهر عمال شركة الصناعات الكيماوية المصرية "كيما" في محافظة أسوان، جنوبي مصر، للمطالبة بصرف نسبتهم من أرباح الشركة.


وأكد العمال أن أرباحهم تقدر بالملايين، ووصلت نسبتها لأكثر من 12% من أرباح الشركة، أي ما يعادل 40 شهرًا للعامل، لكن الشركة صرفت 12 شهرا فقط، تحت بند "مكافأة تطوير" وليس الأرباح، الأمر الذي أثار غضبهم فقرروا التظاهر. وكان الرئيس التنفيذي، العضو المنتدب لشركة الصناعات الكيماوية "كيما" محمد حسنين رضوان، قد تقدم باستقالته منذ يومين لرئيس القابضة للصناعات الكيماوية.


ويعد مسلسل الفصل التعسفي للعمال كابوس يقف في وجه كل عامل يخرج يطالب بحقه المهضوم تحت حكم العسكر، فعلى مدار العام الحالي والماضي سجلت الاتحادات العمالية حالات عدة لفصل العمال، أبرزها إدارة شركة النيل للمواد العازلة (بتونيل) إلى فصل ممثلي العاملين بالشركة وإيقاف العمل بجميع أقسام الشركة، في محاولة منها لإرهاب عمال الشركة وإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم الاقتصادية والسعي لإنشاء منظمتهم النقابية المستقلة.


وحرر ممثلو العمال المفصولين محضر إثبات الحالة رقم 2286 لسنة 2022، بينما تابعت الإدارة تصعيدها، فأصدر مدير عام الشئون الإدارية بالشركة قراراً بإيقاف 14 عاملاً عن العمل، بينهم عامل مريض حصل على إجازة مرضية لمدة ثلاثة أشهر لم تنتهِ حتى الآن.


كما رصدت دار الخدمات العمالية، العام الماضي، 254 حالة فصل تعسفي، بينها 253 حالة في القطاع الخاص وحالة واحدة في قطاع الأعمال العام موزعة على النشاطات الاقتصادية المختلفة، حيث سجلت المنشآت الصناعية 84 حالة، يليها قطاع السياحة 131 حالة، وقطاعات أخرى 38، وأخيراً التعليم حالة واحدة بإحدى المدارس الخاصة، فضلًا عن رصد 214 حالة إكراه على تقديم الاستقالة في المنشآت الصناعية بواقع 14 حالة في القطاع  الخاص و200 حالة في قطاع الأعمال العام.


ورصدت دار الخدمات النقابية والعمالية أيضاً 2891 حالة تأخر في صرف المرتبات، بينها 2890 حالة في القطاع الخاص، وحالة واحدة في قطاع الأعمال العام، موزعة على 2500 حالة في المنشآت الصناعية، و90 حالة في التعليم و301 حالة في قطاعات أخرى.


انتهاكات بالجملة


وحسب مراقبين، فإن معاناة العمال زادت مع موجات غلاء المعيشة المتواصلة بسبب قيام الحكومة برفع أسعار الكهرباء والوقود وبدء التخلي عن دعم المواد التموينية الضرورية والخبز.


وأكد تقارير دولية، مؤخرا، أن الأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار قد يؤديان إلى خروج تظاهرات جديدة وعدم استقرار في عدة دول بالمنطقة ومنها مصر.


وفي عام 2021 رصدت دار الخدمات النقابية والعمالية، 8041 انتهاكًا لحقوق العمال في مصر، حيث سجل انتهاك تأخر صرف الراتب أعلى المعدلات، إذ يمثل 35.9% من إجمالي الانتهاكات بواقع 2891 انتهاكاً، يليه عدم وجود دار حضانة والذي مثل 27,2% من إجمالي الانتهاكات بواقع 2190 انتهاكاً.


زيادة معدلات البطالة


وحذر أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم والإدارة، إيهاب الدسوقي، من خطورة استهانة الحكومة بتسريح العمالة التي أصبحت ظاهرة خلال السنوات الأخيرة، والتي نتج عنها زيادة معدلات البطالة، مشيرا إلى مسؤولية الحكومة عما يحدث في مصر من تخريب للاقتصاد.


وأشار الدسوقي إلى التكلفة الاجتماعية التي تتكبدها مصر بفعل البطالة من انتشار الفساد والسرقة والإرهاب، مطالباً الدولة بالتدخل لإنقاذ القطاعات الإنتاجية والخدمية عبر منح الشركات مزايا وتسهيلات ائتمانية وضريبية.


فيما أكد خبراء، أن سياسية الحكومة الخاطئة وراء تفشّي البطالة وإغلاق الكثير من المنشآت الإنتاجية والخدمية.