قبضة أمنية تمكنت من السيطرة على مفاصل الحياة في مصر التي لم تشهد زخما وفعاليات في الشارع مناهضة لنظام الانقلاب الغاشم القمعي منذ نهاية عام 2015، حيث تمكن السيسي وعصابته من اعتقال عشرات الآلاف من المناهضين له، بما فيهم النشطاء من طلاب الجامعات المصرية والتي كان يعول عليهم المجتمع كثيرا، في حمل راية النشاط الثوري، فالشباب دائما ما يكونوا شرارة انطلاق الثورات، وصوت المجتمع في رفع رايات العدل والحرية، بالإضافة إلى اعتقال قيادات وأعضاء الجماعات المؤثرة وأصحاب الرأي.

أين صوت طلاب الجامعات؟

لم تشهد الجامعات المصرية طوال تاريخها، عدم وجود حراك طلابي، مثلما حدث في السبع سنوات السابقة، فكان صوت شباب الجماعات يصول ويجول في معظم الجامعات العامة و الأزهرية، ناطقا بقضايا الوطن ومساندا لقضايا العالم العربي والإسلامي، لكن مع تشديد القبضة الأمنية والزج بقيادات العمل الطلابي في المعتقلات، والقبض على أي صوت ولوكان مدافعا عن المسجد الأقصى.

وبحسب مراقبين فإن الجامعات المصرية  كانت أحد الحصون القوية المدافعة عن الأقصى وعن دماء الفلسطينيين، الذي انتهكت حرمته وسفكت فيه الدماء، ومنع فيه الصلاة أحيانا، بل أقيمت فيه حافلات ماجنة وعارية، ولكن كان الصمت الرهيب، هو المسيطر على أطلال تلك الجامعات، ففي حين انتفض العالم كله حتى في الدول المساندة لدولة الاحتلال، لم يخرج صوتا واحد معبرا عن طلاب مصر لمساندة المرابطين بالمسجد الأقصى، ولا حتى من النقابات أو من الشعب الذي دائما ما كان مساندا للقضية الفلسطينية.

أسباب توقف المصريين عن التظاهر

وسط نهج قاسي اتخذه نظام أعتمد في إدارة حكمه على القمع والاستبداد، وخاصة قمع التظاهر بصورة وحشية، لم يكتفي باعتقال المتظاهرين بل فتح عليهم نيران الأسلحة الحية التي أودت بحياة الآلاف، وباستثناء مجزرة رابعة، فإنه لم تمر مظاهرة دون وقوع عشرات من القتلى، والمعتقلين الذين واجهوا أحكام بالمؤبد والإعدام.

ومن جانبه أرجع الناشط السياسي محمد الكاشف، اختفاء المظاهرات والفعاليات، التي كانت تملأ الجامعات ومدارس مصر وشوارعها في حالة الاعتداء على الحياة السياسية في مصر أو مع قضايا العالم العربي والإسلامي، وخصوصا القضية الفلسطينية، وكيف كانت ملصقات دعم القدس تغطي جدران المؤسسات والمباني إلى الفارق الشاسع في تعامل الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين الآن مقارنة بفترة الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ ففي عهده كان المقبوض عليهم لا يكملون أياما معدودة في الاحتجاز، ثم يُفرج عنهم بعد محاضرة من ضابط أمن الدولة حول ضرورة مراعاة ظروف البلد، وضرورة عدم اللجوء للعنف أو الاعتداء على المنشآت.

وأضاف: "كنا نشعر أن الضباط في قرارة أنفسهم يكنون لنا احتراما ولا يكرهوننا، وذلك على النقيض تماما مما يحدث الآن؛ فعندما نظم النشطاء وقفة عام 2017 عقب نقل سفارة الولايات المتحدة لدى إسرائيل إلى القدس على سلم نقابة الصحفيين شعر من قُبض عليهم وقتها بأن الضباط يرونهم أعداء للوطن، وهناك من ظل في الحبس الاحتياطي نحو عامين".

نظام يتعامل بقسوة أكبر من نظام الاحتلال

كما يرى المحلل السياسي علاء فاروق أن تراجع الزخم في الشارع المصري ، بسبب القمع الدموي للمعارضين من النخب والمثقفين أو النشطاء وحتى على المستوى الشعبي، وشهد المصريون بعد 30 يوليو 2013، مناظر الدم الكثيرة؛ هونت في عيونهم ما يحدث في الحياة السياسية؛ فقد شاهدوا الأجهزة الأمنية المصرية -بل والعربية- تتعامل مع مواطنيها بقسوة تفوق ما يرونه من جنود الاحتلال الإسرائيلي.

الضغوط المعيشية

بينما أرجع الصحفي والناشط محمد صالح صمت المصريين إلى ضغوط الحياة التي تحاصرهم؛ حيث إن معظمهم لم يعد راتبه يكفي بعد تحرير سعر صرف الجنيه، والزيادات المتلاحقة والكبيرة في أسعار السلع الأساسية وفواتير الغاز والكهرباء والمياه التي أصبحت تلتهم دخولهم، فلجأ بعضهم لأعمال إضافية تقتل ما تبقى له من وقت، ولم يعد لديهم رفاهية المشاركة في مظاهرة أو وأي نوع من أنواع الاحتجاج فيقبض عليهم ويغيبون عن أعمالهم، وربما يفصلون منها.

لكنه يؤكد أن التراجع عن المشاركة في الفعاليات الداعمة للحرية في مصر أو الداعمة للقضايا العربية والإسلامية، لا يعني أن الموضوع انتهى تماما؛ مدللا على ذلك بالتفاعل الكبير مع الوسوم الداعمة للتظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي، والحسرة التي تنضح من تغريدات البعض على عدم قدرتهم على الإعلان عن غضبهم من النزول للشارع.

مواقع التواصل الاجتماعي المكان الآمن للاحتجاج

نظرا للقمع الشديد الذي يتعرض له المتظاهرين، لم يجد النشطاء سوى مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن آرائهم وانتقاد ذلك النظام، واتجه النشطاء المصريين لتعويض غياب الشارع عبر التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، وإطلاق وسوم تدين ما يحدث من فساد وقمع للحريات، وكان أبرزها وسم "موعد مع الحرية"، حيث يؤكد المغردون عليه على مواصلة الكفاح من أجل تغيير هذا النظام القمعي، والتأكيد على مواصلة العمل الثوري ، الذي اقترب على الانفجار، وأنها مسألة وقت فقط ، ويعود الزخم للشارع.

أمل مؤجل

ويرى خبراء ومراقبون أنه بالرغم عدم نزول المصريين للشارع وخاصة في الدعوات الأخيرة، فإن العراك مع دولة الظلم قد انتهى بل سيظل قائما لعد زوال أسباب احتقان الشارع، فالشارع المصري ساكن لكنه غاضب، فهناك حالة احتقان غير مسبوقة بين المصريين بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد، من موجات ارتفاع قياسية لأسعار السلع الرئيسية والخدمات، وعدم قدرة الغالبية العظمى من المصريين على الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأسرهم

وتابعوا سيظل هناك أمل مؤجل طالما بقيت مسببات الاحتقان الشعبي، فإن حالة الانفجار ستكون مؤجلة، فقط، ما يفرض على صانع القرار عدم الركون إلى تبريرات المقربين منه بأنه يحظى بدعم شعبي، أو أن المواطنين لم يخرجوا للشوارع لرضاهم عن القرارات التي تتخذها القيادة السياسية، بل أن الهبة الشعبية قادمة لا محال.