بعد أن شكك السيسي في الاقتصاديين والسياسيين والخبرءا الذين نصحوه فادعى أن "التشخيص الذي كان يطرح من المثقفين والمفكرين والإعلاميين والسياسيين لا ينطبق على الواقع"، بحسب مكالمة له مع برنامج التاسعة والذي يقدمه الذراع يوسف الحسيني على القناة الأولى الرسمية، وفي رقم يعلن للمرة الأولى كشف السيسي أن "الهم المتلتل" للدولة لا يقتصر على حجم الدين الخارجي الأعتى منذ عهد الخديوي إسماعيل بَيْدَ أن حجم الخسارة الاقتصادية التي جعلت مصر "البلد مش لاقية تاكل"، هو اعترافه "..خسرنا 477 مليار دولار".


لذك يقدر المراقبون أن السيناريو كان جاهزا باربعة خطوات

‏١- المؤتمر الاقتصادي

‏٢- زيادة مرتبات والمعاشات ٣٠٠ جنيه

‏٣- التعويم

‏٤- إعلان قرض الصندوق


ولكن المراقبين شككوا في حديث السيسي ومواقفه من المقربين منه أو من يستقي منهم النصيحة، فيشترط "وضع من لهم ولاء له في المناصب كقريبين له، وإبعاد المشكوك في ولائهم، وربط الأمر بالأزمة الاقتصادية القاسية واحتمالات تعويم ثان للجنية المصري بالاتفاق مع صندوق النقد الجديد الذي أكد انه اشترط على مصر تعويم الجنيه قبل الحصول على قرض جديد".


والتعويم الكامل للجنيه كان آخر شرط فني لحصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي، وهو ما تزامن بوصول الدولار إلى عتبة الـ24 جنيها، وبحسب المحلل الاقتصادي محمد آدم (Muhammad Addam) فإن "المحللين في البنوك الدولية الكبيرة، مثل جولدمان ساكس وبنك أوف أميركا، كانوا يتحدثون عن أن مصر تحتاج على الأقل 15 مليار دولار لكي تستفيد من القرض بصورة حقيقية وينعكس على اقتصادها".


واستدرك أنه "بعد كل التنازلات التي تم تقديمها، واللهث وراء الصندوق لمدة شهور، خرج القرض بقيمة ضئيلة جدا 3 مليار دولار لا غير، ويمثل ذلك حوالي 3.5% فقط من تكلفة إنشاء العاصمة الإدارية مثلًا".


أما خبير الجودة فتحي الجزار ( Fathi Elgazzar)، فقال "بعد قرار التعويم الحر اليوم والذي كان متوقعا مؤخرا بسبب قرض الصندوق ذلك التعويم الذي خالف توقعاتي قبل فترة! أجد الكثيرين يتهكمون على مقارنة قيمة الجنية ببقية العملات ولست ارى مبررا للتهكم وسط توقعات ما هو قادم!".


ورجح أن سبب نصيحته ونهيه هو "لا تتهكموا فالقادم غلاء اسعار ومزيد من انخفاض الجنية ما بقى عجز الميزان التجاري وهو ما يبدو أنه سيدوم لفترة غير قليلة".


ورأى أنه "لم يكن لدينا خيار امام شروط الصندوق وحاجتنا للتمويل وانخفاض الجنية ممكن يكون إيجابي ع السياحة والتصدير وتوطين الصناعات العالمية لو احسنا ادارة الازمه فالأمر ما زال قابلا للاستغلال الايجابي والاستفادة " مضيفا "هذا لا ينفى الإقرار بان هناك أخطاء وقعت ولا تزال بالتمادي اكثر من اللازم في اتجاه واحد في الإنفاق الذي بطبيعته طويل الأجل جدا في مردوده وكان يجب أعمال العقل والعلم اكثر في التوازن والالويات".


تعقيد المشهد


ورأى مراقبون أن سياسات حكومة السيسي أو بالأحرى السيسي نفسه، الذي لا يترك فرصة للآخرين إلا ويكون ظاهرا في توجيهاته وأوامره و"سيطرته"، تسببت في تعقيد المشهد، بانتهاج سياسة إعادة تدوير القروض، وعدم قدرة الدولة على سداد التزاماتها الدولارية، فاتجهت الدولة للاقتراض مجددًا لسداد القديم. ولكن هذا المنهج لم يعد مجديًا وفعالًا حين حدث نوع مما يمكن تسميته بـ ”الانسداد الجزئي“ لمصادر القروض الجديدة.

 

وتعقد المشهد أكثر بهروب الأموال الساخنة من مصر بنحو 25 مليار دولار في شهر واحد بحسب مصطفى مدبولي في (المؤتمر الاقتصادي أكتوبر 22)، في حين أشار وزير المالية بحكومة السيسي، د.محمد معيط، إلى خروج نحو 35 مليار دولار استثمارات أجنبية من السوق المصرية منذ أزمة كورونا، وبحساب الفارق الخروج فإن أحدهما كاذب في تقدير حجم الأموال الساخنة الهاربة.

وزاد المشكلة عوضا عن التعاطي غير الايجابي مع الأزمات العالمية المتتالية كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وسياسات وإجراءات حكومية غير المدروسة وغير الرشيدة، زادت الفجوة الدولارية الواجب تدبيرها بشكل فوري (من بداية يوليو حتى نهاية ديسمبر 2022)، يتراوح تقديرها بين 32 و37 مليار دولار أمريكي.

 

وهناك سبب آخر بحسب المراقبين وهو (تثبيت أسعار الدولار) بقرار حكومة السيسي رغم شح موارده، وهي السياسة التي تسببت في تعقيد الأزمة بالنسبة للدولة ومواطنيها، ولم يفد في النهاية سوى مستثمري الأموال الساخنة، الذين تمكنوا من الهروب بأموالهم بسعر صرف متدن.

 

حاجات مصر الدولارية

 

بنك جولدمان ساكس قدر في دراسة موسعة حول أزمة النقد الأجنبي في مصر، إلى استنتاج يفيد أن الدولة المصرية، لكي تواجه تلك الالتزامات العاجلة، ينبغي أن تحصل على قرض من صندوق النقد، بقيمة لا تقل عن 15 مليار دولار، مع إعادة جدولة مستحقات الصندوق للعام الجاري، والقبول بشروطه، والاعتماد الكامل على بيع الأصول بأقل من سعرها العادل، وتعتبر الدراسة أن هذه جميعًا تمثل مصادر أساسية لسد الفجوة الحالية، وأن غياب أي من هذه المصادر يعني إعلان الإفلاس الوشيك، وغياب كل أو جزء من هذه المصادر يعني إعلان الإفلاس. وحتى في حال تلبية الاحتياجات الحالية، فإن ذلك لا يعدو كونه تأجيلًا لإعلان الإفلاس مرحليًا وبشكل مؤقت.

 

وتبنت عدة مؤسسات مالية رؤية "جولدمان ساكس" مثل "بنك أوف أميركا"، الذي قال إن مصر تحتاج إلى تأمين نحو 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

 

برنامجُ حكومة السيسي لبيع الأصول، فتح شهيةَ الدول الخليجية الثلاث، (الإمارات والسعودية ثم قطر) الطامح كل منها إلى زيادة نفوذه وتأثيره في المنطقة. وليس أهم من مصر في المنطقة العربية حتى تتنافس عليها أي دولة ترنو إلى التأثير في المنطقة.

 

وليس بخاف أن الاقتصاد والاستثمار أحد أبرز أدوات التأثير، لا سيما على الدول التي تشهد أزمات مثل مصر، وهي الأداة التي تمتلك منها الدول الخليجية الشيء الوفير، بحسب تقرير لمركز (مسار للدراسات).