عندما نتحدث عن الخسائر فإننا حتمًا لا نقصد بها الخسائر المادية فحسب، وإنما نقصد من إطلاقها الخسائر المادية والمعنوية والبشرية التي ستلحق بمنظومة التعليم من جهة، وبالطلاب والبيوت المصرية من جهة أخرى.

وأعلن وزير التربية والتعليم بحكومة الانقلاب، الدكتور رضا حجازي، تقنين الوزارة لمجموعات التقوية والدروس الخصوصية، وصرح الوزير على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بأن "الفكرة التي نعمل عليها حاليًا هي تقنين الدروس الخصوصية، لضمان بيئة تعليمية تربوية آمنة خاضعة لرقابة حكومية، واستخدام أي موارد مكتسبة للوزارة من هذا الدور (تقنين الدروس) في دعم المدارس الحكومية، ورفع رواتب المعلمين".

وهناك العديد من الخسائر التي ستعاني منها مصر، ربما لأمد طويل، في حال الموافقة على قرار تقنين الدروس الخصوصية، نذكر منها:

الدولة ستخسر 8 مليارات جنيه

واللافت أن ما أعلنه "حجازي" يتعارض كليًا مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المصرية على مدار عقود، حيث كان القضاء على الدروس الخصوصية هدفًا معلنًا طوال السنوات السابقة.

وفي أكتوبر2021، شنت أجهزة الأمن وتلك التابعة للبلديات حملة شرسة على مراكز الدروس الخصوصية "السناتر" والقائمين عليها، وأغلقت بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية 97 ألفًا منها، وذلك بعد شهر واحد من قرار الوزير السابق طارق شوقي إغلاقها، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ويرى المتخصص التربوي، مجدي حمزة، أن قرار تقنين الدروس الخصوصية يمثل "ردة عن سياسة الدولة"، والخطوات التي قام بها وزير التعليم السابق طارق شوقي على مدى السنوات الماضية، تكلفت ما يقرب من ثمانية مليارات جنيه لتطوير التعليم واستخدام الحاسب اللوحي "التابلت" بهدف القضاء أو محاربة الدروس الخصوصية، ومنح المدارس فرصة أكبر لتعليم الطلاب وتنشئتهم علميًا بشكل قوي مع إكسابهم مهارات متنوعة وفقًا لخطة تعليمية محكمة وضعتها الدولة، موضحًا أن تصريحات وزير التعليم الحالي بتقنين أوضاع الدروس الخصوصية تهدم هذه الاستراتيجية التي استمرت لسنوات وكبدت خزانة الدولة كثيرًا من المليارات.

دخول عدد من غير المعلمين إلى المهنة بطرق ملتوية

وأوضح حمزة في تصريحات لموقع "اندبندنت عربية" أن هناك فرقًا بين منح رخصة للمعلمين لممارسة الدروس الخصوصية، أو منح الرخصة لأصحاب مراكز تلك الدروس (السناتر)، بما يعطي الفرصة لدخول عدد أكبر من غير المعلمين إلى المهنة بطرق ملتوية في السابق، من خلال رخصة شرعية منحها لهم الوزير. مضيفًا أن 80% من العاملين في مراكز الدروس الخصوصية ليسوا معلمين مدرسين وغير متخصصين في تعليم الطلاب، ولا يملكون الطرق التربوية في التعامل معهم، لكن الوزير بقراره الجديد سيجعلهم مدرسين وفق الرخصة الجديدة.

ووصف حمزة تقنين الدروس الخصوصية بـ"إباحة الاتجار في المخدرات والمافيا التي ستخرب عقول الطلاب في مصر". مشددًا على أن الدولة المصرية "أعلنت فشلها في مواجهة الدروس الخصوصية بهذا القرار، وأثبتت أن غير المتخصصين هم أقوى من وزارة التعليم والجهات المعنية".

الاستغناء عن المدرسة وغياب دورها العلمي والتربوي

وعن القيمة المادية المضافة الناتجة عن تقنين الدروس الخصوصية، قال حمزة إن مستقبل طلاب مصر والأجيال القادمة "لا يجب قياسه بالمال". موضحًا أن حديث وزير التعليم به "نظرة استثمارية بحتة وهي استغلال (بيزنس الدروس الخصوصية) المقدر بـ47 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) لزيادة دخل وزارته بدلًا من التفكير في وضع خطة للارتقاء بالمعلم وبالعملية التعليمية المقدمة بالمدارس".

وأكد حمزة أن تصريحات وزير التعليم ضربت العملية التعليمية في مقتل، بـ"الاستغناء عن المدرسة، وغياب دورها العلمي والتربوي". مشيرًا إلى أن الوزير في "اتجاه إعادة النظام القديم في التعليم المصري بالتكالب والصراع على الدرجات بدلًا من نظام التفكير والأسئلة الذكية".

عبء إضافي على الطالب والمعلم والأسرة

ومن وجهة نظره، أشار أستاذ المناهج وطرق التدريس ووكيل كلية التربية بجامعة أسيوط، محمد جابر قاسم، إلى أن استمرار الدروس الخصوصية يضع عبئًا إضافيًا على كل أطراف العملية التعليمية، بداية من الطالب الذي يفقد القدرة على التعلم الذاتي ويصبح اعتماده على التلقين بدلًا من الفهم، وأسرته التي تتحمل أعباء مادية إضافية، فضلًا عن إهدار مبدأ مجانية التعليم والمساواة وتكافؤ الفرص التعليمية.

ويواصل قاسم تحليله للخسائر المتوقعة على العملية التعليمية في مصر، فيقول – وفقًا لـ"الجزيرة نت" – إن هذا القرار سيتسبب في تعرُّض المعلم للإرهاق نتيجة التنقل بين الدروس، وقد يؤدي الصراع بين بعض المدرسين على إعطاء الدروس الخصوصية للطلبة إلى إهدار هيبة المعلم، كما تفقد المدارس الانضباط. ودعا قاسم إلى انتهاج أسلوب علمي للقضاء على هذه الظاهرة بدلا من تقنينها، بما يشمل الارتقاء بكل مقومات العملية التعليمية، وتعديل السلوك الاجتماعي للطالب وأسرته.

تشكل خطرًا على قيم وعادات المجتمع والذوق العام

وقال الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد ومدير مركز القياس والتقويم التربوي بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إن الدروس الخصوصية مشكلة تفاقمت عبر سنوات طويلة، وأصبحت لا تمثل خطرًا على النظام التعليمي فقط؛ ولكنها أصبحت في الآونة الأخيرة تشكل خطرًا على قيم وعادات المجتمع والذوق العام.

ويؤكد حجازي، وفق موقع "مصراوي"، أن هذا القرار سيجعل المشتغلين بالدروس الخصوصية يلجأون إلى أساليب غير تربوية وتتعارض مع الذوق العام من أجل استقطاب الطلاب والحصول على الشعبية والانتشار، معلنين بذلك المنفعة المادية ووضعها فوق أي اعتبارات أخرى تربوية.