تسارعت معدلات التضخم في مصر خلال سبتمبر الماضي لأعلى مستوى منذ نوفمبر 2018، إذ سجلت أسعار المستهلكين 15% على أساس سنوي في مقابل 14.6% خلال أغسطس، في حين قفز التضخم الأساس الذي يستبعد أسعار السلع الأكثر تقلبًا إلى 18%.

 

التضخم أم سعر صرف الجنيه؟

قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن "السيطرة على معدلات التضخم في الوقت الحالي أهم من الحفاظ على سعر صرف الجنيه"، مضيفًا أن "بعض الدول قد تلجأ إلى خفض قيمة عملتها لتعزيز الصادرات".

وتابع في كلمته، أمس الأحد، خلال فعاليات اليوم الأول من المؤتمر الاقتصادي 2022 المنعقد في العاصمة الإدارية، أن "المصريين لديهم انطباع بأن سعر صرف الجنيه مرتبط بقوة الاقتصاد، وبالتالي عندما ينخفض الجنيه يرى المصريون الاقتصاد سيئًا، علاوة على الانخفاض الهائل الذي حدث في إجمال الديون من الناتج المحلي"، وفقًا لـ"إندبندنت عربية".

وتراجع الجنيه إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، إذ يسجل حاليًا 19.71 جنيه في مقابل الدولار، بحسب بيانات البنك المركزي وسط زيادة كبيرة في الطلب على العملة الأجنبية ونقص في المعروض منها، بينما ارتفع الدولار الأمريكي بأكثر من 25% منذ مارس الماضي في مقابل الجنيه.

ومن وجهة نظره، يرى رئيس البحوث في "نعيم" المالية آلن سانديب، أن "التضخم وسعر الصرف مهمان ومترابطان اقتصاديًا واجتماعيًا وعلى صعيد السياسات، ففي حين أن التضخم مقياس اقتصادي رئيس، لا سيما من ناحية القدرة الشرائية للمواطنين التي يلعب فيها سعر الجنيه دورًا أساسًا، فإن استقرار سعر الصرف أيضًا أمر بالغ الأهمية لجذب استثمارات جديدة للبلاد"، وفقًا لوكالة "بلومبيرج".

 

البنك المركزي فشل في كبح التضخم

اتخذ البنك المركزي ثلاثة إجراءات أملًا منه في أن تسهم في الحد من التضخم خلال الربع الرابع من هذا العام 2022 وتمثلت هذه الإجراءات في:

1- رفع أسعار العائد الأساسية للبنك 300 نقطة أساس بشكل تراكمي منذ مارس عام 2022 ليسجل سعر العائد الأساس للإيداع وسعر العائد الأساسي للإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي 11.25% و12.25% و11.75% للترتيب، وكذلك سجل سعر الائتمان والخصم 11.75% مؤخرًا.

2- اتخذ عددًا من الإجراءات العاجلة لتيسير الاستيراد، ومنها الإفراج عن الاستيراد الخاص حتى 25 ألف دولار أمريكي مرة واحدة لكل 6 أشهر.

3- رفع البنك المركزي نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي (الذي تلتزم البنوك بالاحتفاظ به لدى البنك المركزي) من 14% إلى 18%، وتتابع لجنة السياسة النقدية عن كثب كافة التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية، ولن تتردد في استخدام كافة أدواتها النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار، وفقًا لـ"اليوم السابع".

إلا أن إجراءات البنك المركزي باءت بالفشل؛ إذا ارتفع التضخم إلى 15% على أساس سنوي في مقابل 14.6% خلال أغسطس الماضي، في حين قفز التضخم الأساس الذي يستبعد أسعار السلع الأكثر تقلبًا إلى 18%.

وكانت مصر قد شهدت عدة موجات تضخمية أبرزها الموجة التضخمية في عام 2016 التي صاحبت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني، والذي شمل أولى خطوات تحرير سعر صرف الجنيه، وإجراءات ضبط المالية العامة للدولة؛ مما أدى إلى ارتفاع المعدل السنوي التضخم العام في الحضر في مصر إلى 29.5% في عام 2017.

ووفقًا لـ"البوابة"، يرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن ارتفاع الأسعار يتسبب في مزيد من ارتفاع التضخم وطول مدة استمراره، وهو ما يتطلب من البنك المركزي مراعاة طريقة تكوين التوقعات لدى المواطنين والمؤسسات نظرًا لتأثيرها على التعامل المستقبلي، لافتًا إلى أن التضخم يستمر في الارتفاع رغم رفع أسعار الفائدة، كما أن رفع البنك المركزي للفائدة ببطء كان له أثر عكسي عمل على ارتفاع التضخم.

 

متى سيصل التضخم إلى ذروته؟

استمر التضخم في الارتفاع بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، متأثرًا بتراجعه خلال أزمة كورونا.

وتوقعت عالية ممدوح، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار بلتون لإنتربرايز، استمرار التضخم في اكتساب الزخم في الربع الثالث من عام 2022، مع زيادة شهرية متوقعة تتراوح بين 2.5% و3% في يوليو لتعكس الإنفاق الموسمي وكذلك أسعار الطاقة الجديدة التي أعلن عنها". والتي توقعت: "أن يبلغ متوسط التضخم 15.9% في الربع الثالث من عام 2022، ارتفاعًا من متوسط 13.2% في الربع الثاني من عام 2022".

إلا أن مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، للأبحاث الاقتصادية، توقعت أن يصل معدل التضخم إلى حده الأقصى عند 17% في الربع الرابع من العام الحالي. ويتوقع بنك جولدمان ساكس أيضا أن تكون ذروة التضخم عند 17% هذا العام قبل أن يتراجع إلى النطاق المستهدف للبنك المركزي بنهاية عام 2023. ويبلغ النطاق المستهدف للبنك المركزي للتضخم 7% (± 2%) بنهاية عام 2022.

 

هل يتراجع التضخم بعد تثبيت أسعار البنزين؟

قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، السبت الماضي، تثبيت أسعار البنزين والسولار لمدة ثلاثة شهور أخرى.

وقالت اللجنة إن أسعار البنزين بأنواعه الثلاثة ستظل كما هي في السوق المحلية عند 8.00 جنيه للتر لبنزين 80، وعند 9.25 جنيه للتر لبنزين 92، وعند 10.75 جنيه للتر لبنزين 95، وعند 7.25 جنيه للتر السولار، وسعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز عند 5000 جنيه للطن، وفقًا لـ"اليوم السابع"

في تعليقه، قال نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية، الدكتور أشرف غراب، إن قرار تثبيت الأسعار، يأتي في إطار مواجهة وخفض معدلات التضخم، ويتماشى مع قرار البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة والذي انعكس بتحسن وضع السوق بالنسبة لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، وفقًا لـ"العربية نت".

بينما يرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية أننا لا بد أن نفهم في البداية ما
إذا كانت أزمة ارتفاع التضخم ناتجة عن صدمات العرض أم الطلب، وجدوى السياسات التي تم اتخاذها لمواجهة هذا التضخم.

وذهب المركز في تحليله إلى أن التضخم في مصر في فترة ما بعد الكوفيد كان ناتجًا عن صدمات الطلب، ولكنه لم ينته واستمر وتحول إلى تضخم ناتج عن صدمات العرض، وقال: إن استخدام سعر الفائدة كحل وحيد لعلاج التضخم بغض النظر عن معرفه نوعه، أمر خاطئ يمكن أن يؤدى لخسائر كبيرة في الناتج، ولابد أن يقتصر هذا العلاج عندما يكون التضخم ناتجًا عن صدمات الطلب.

وأكدت الدكتورة عبلة عبداللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن نتائج التحليل تظهر رسائل واضحة وهى أن التضخم الذى عانينا منه خلال الفترة الماضية غير مرتبط بالطلب، واستخدام سعر الفائدة ليس العلاج بل يسبب آثارًا عكسية تتمثل في تراجع الإنتاج، لافتة إلى أنه من النقاط الإيجابية خلال الفترة الأخيرة تغير السياسة النقدية واستخدام أدوات أخرى، مؤكدة الحاجة إلى العمل على زيادة الإنتاج لمواجهة التضخم.

ومن جهته قال رامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزي، إن للتضخم أضرارًا كثيرة وبالتالي من المهم استباقها ومواجهتها وهو ما قام به معظم البنوك المركزية حول العالم.

وأوضح، خلال الجلسة الرابعة بعنوان "التضخم والسياسات النقدية"، أنه لو تم ترك التضخم بشكل مطلق وعدم التعامل معه بشكل مباشر كانت ستحدث أزمات أكبر على المدى المتوسط، مثل زيادة كلفة الإنتاج والصناعة، وبالتالي تباطؤ الاقتصاد لتراجع الطلب، وكساد محتمل.