بعض التلاميذ يشعرون بالملل من المدرسة والدراسة، ويود بعضهم ألا يذهب إلى المدرسة لأنه يشعر بأنه لا يتلقى جديدًا، وأن الدراسة أصبحت رتيبة وروتينية، ويشعر بعضهم أنهم لا يريدون بذل أي جهد لاستكمال الدراسة.
ملل مؤقت أم ملل دائم؟
وفي دراسة حديثة أجراها مايكل فورلونج وزملاؤه، سلطوا الضوء فيها على ما قد يعنيه الطلاب في الواقع عندما يشكون من الملل في المدرسة. بدلًا من النظر إلى الملل على أنه مقصور على مادة أو فصل دراسي معين، قاموا بدراسة الطلاب الذين يبلّغون عن مواقف مدرسية غير مواتية أوسع نطاقًا، أو “عقلية الملل في المدرسة”.
وجد الباحثون أن تلميذًا من كل ثمانية تلاميذ في المدارس الإعدادية والثانوية أفصح عن آراء سلبية تجاه المدرسة واصفًا إياها بأنها مملة وأن فائدتها قليلة. وبناء على إعادة النظر في أقوالهم لاحظ الباحثون أن الملل المدرسي علامة على أشياء عميقة داخليًا أو مواقف خارجية أو تحدٍ عاطفي عميق، وفقًا لموقع "التربية الذكية".
ومن أهم هذه الأشياء التي اكتشفوها:
مشاكل لها علاقة بالمدرسة أو متطلباتها (التحدي يفوق طاقتهم).
الحاجة إلى مصادر جديدة للتحفيز (التحدي أقل من طاقاتهم).
عدم تماشي قدرة التلميذ مع المهارة المطلوبة لتنفيذ المهمة الموكلة إلى التلميذ.
محدودية الاهتمام أو الدافع في موضوع معين.
نظرة دونية لقيمة ما يتعلمونه.
عدم الرضا وعدم التفاعل.
اليأس والحزن.
الاكتئاب والقلق واللامبالاة.
وفرّق الباحثون ما بين الملل المؤقت المرتبط بمادة ما أو وضع ما وما بين الملل الدائم المرتبط بأسلوب عام في المدرسة والحياة. هذا مهم، لأن الملل الدائم يرتبط بشعور أقل بالسعادة وبعدم التفاعل مع المدرسة. وجد فورلونج وزملاؤه أن الطلاب الذين يندرجون في هذه الفئة يشعرون بالسعادة أقل بكثير من أقرانهم. كما أنهم كانوا أقل شعورًا بالرضا عن حياتهم وأقل إحساسًا بالانتماء الى المدرسة وأقل إيمانًا بأنفسهم.
أسباب شعور التلاميذ بالملل
ويرى الدكتور أمجد جميعان -وهو مستشار أول في الطب النفسي للأطفال - أن البيئة المدرسية، بما فيها من عدم اهتمام وتسيب، تسهم في شعور الطفل بالملل في المدرسة، إلى جانب التنمر بالمدارس.
أيضا من أسباب شعور الطالب بالملل من المدرسة عدم توفر الأنشطة المدرسية غير المنهجية، لتحفيز الطالب، وعدم توفر نماذج يقتدي بها الطالب حتى يحب مدرسته، إلى جانب البيئة المدرسية غير المحفزة، مثل اكتظاظ الصفوف، وعدم اهتمام الإدارة، فيشعر بالكسل والملل طوال الوقت، وفق الاستشاري جميعان، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
ويشير إلى أن الفقر المادي والأوضاع المعيشية الصعبة عند الطالب تظهر لديه رغبة في مغادرة المدرسة والتوجه للعمل، بسبب ظروف عائلية.
ويرى خبير التربية الوالدية والعلاقات الأسرية، الدكتور يزن عبده، أن من أهم أسباب هذه الظاهرة هي أن المدرسة قاصرة وبشكل كبير عن تحقيق المتعة عند الأبناء، فالعديد من الأساليب التعليمية تميل إلى التلقين وصب المعلومات في عقل الطلبة، الأمر الذي يرفضه الطلبة، وبالتالي ينتظرون انتهاء اليوم الدراسي بفارغ الصبر، ويشعرون أنهم داخل سجن لا يحترم قدراتهم ولا يلبي حاجتهم للمتعة، فليست هناك أساليب ممتعة تثير التحدي الإيجابي عند الطلبة، وليس هناك تعلم عن طريق المشاريع، ولا حتى أنشطة ممتعة لتقديم المعلومة والوصول إلى المعارف التي ترغب المدرسة في إيصالها للطلبة، وفق الدكتور عبده.
ويضيف – أيضًا - أن من المشاكل التي يشعر التلاميذ أنها تسبب لهم الملل هي "البيئة المكانية للمدرسة التي تعد في بعض جوانبها غير مناسبة؛ فمن دورات المياه الخربة، إلى المشارب غير المناسبة، إلى اكتظاظ الصفوف بأعداد كبيرة من الطلبة، إلى التهوية غير المناسبة، إلى البرد القارص في العديد منها في الشتاء، والحر اللاهب في الصيف، وغيرها من الأمور التي تجعل المدرسة طاردة -وليست جاذبة- للطلبة".
ويرى الدكتور عبده أن المدارس لا تطلق العنان لتطوير الهوايات والمهارات الفنية والرياضية بشكل كاف، فحصص الفن أو الرياضة غير مهمة في النظام التعليمي العربي، وإن حضر الطالب هذه الحصص يجدها مملة تقليدية بعيدة كل البعد عن اكتشاف قدراته فيها فضلا عن تطويرها.
كيف نساعد التلاميذ على التخلص من الملل؟
وتوضح الدكتورة ندى كريم، الأخصائية النفسية، أن الطالب بعد فترة من الراحة وبعد أن توقف روتين يومه الدراسي، لا يجد رغبة في العودة إلى الدراسة وبذل الجهد مرة أخرى، وهو ما يجب عليه التخلص منه لإمكانية استكمال الدراسة، وذلك بعدد من الخطوات:
- لا تجعل الدراسة مصدر كآبتك، فيمكنك تحويلها إلى مصدر سعادتك، عن طريق تفكيرك في النجاح والتفوق والرغبة في التحسن والتطور.
- تذكر أصدقاء المدرسة وأفصل الأوقات بينكما وسوف تشتاق للدراسة والمدرسة.
- تناول طعامًا صحيًا واهتم بصحتك ورياضتك كي تعاود المدرسة، وأنت في أتم صحة وأتم اتزان نفسي.
- لا تفكر بشكل سلبي في الاستذكار، بل تذكر أنها معرفة إضافية لحياتك وعقلك.
- لا تهتم بالجهد الذي تبذله في الدراسة، وتذكر المتعة التي تنالها من خلال التعرف على المعلومات الجديدة التي تجهلها.
- ابدأ في القراءة وسماع الموسيقى، هذه الأفعال تصفى الذهن، وتجعلك متقبلًا لكل ما يمكن أن يكون مصدرًا لإزعاجك، وفقًا لـ"اليوم السابع".
- الحفاظ على الحياة الاجتماعية الاندماج مع المحيط الخارجي أمرٌ ضروري جدًا من أجل الاستمتاع بالوقت، والتحدّث مع الآخرين وتبادل المعلومات والخبرات، وفقًا لـ"موقع موضوع"
- العمل على تنظيم الوقت والشعور بأهميته، فاستغلال الوقت بالشكل الصحيح وبالأمور اللازمة وإنجاز المهام في وقتها، يجنبك الشعور بالملل والكسل.
- يجب تغذية النفس بأفكار إيجابية، ووضع أهداف تشعرك بقيمة الحياة، فمن غير الممكن أن تشعر بالملل عندما تسعى لبناء حياتك المستقبلية وتحقيق الأهداف التي وضعتها.
- إشعال فضول الوصول للمعرفة والاكتشاف يزيد من الاستمتاع وملء أوقات الفراغ، ويمكن تغذية هذا الفضول من خلال القراءة وبرامج الرحلات والتاريخ.
- يساعد تعلم استعمال التكنولوجيا الحديثة على إمضاء الوقت من دون الشعور بالملل، حيث تقدّم التكنولوجيا الكثير من الخدمات، والتعرّف على الكثير من المعلومات الممتعة.
- يجب الابتعاد عن الأصدقاء المملّين، الذي يرون العالم بنظارات سوداء، كما ينصح عند الشعور بالملل التواصل مع الأصدقاء القدامى الذين كانوا قريبين للقلب.
- ممارسة الرياضة مهمة جدًا للصحّة الجسدية والصحّة النفسية للجسم، فممارسة المشي، أو الذهاب للنادي على تمضية الوقت بشكل سريع ومفيد من دون الشعور بالملل والكسل.
كيف يمكن للمربين المساعدة؟
تقول ناتالي غوين - الحاصلة على درجة الدكتوراه، وأستاذة الإرشاد المدرسي في جامعة والدن، ومعالجة في غرينزبورو بولاية كارولينا الشمالية الأميركية - إن "هناك العديد من الطرق التي يمكن بها للآباء والمعلمين مساعدة الأطفال الذين يشعرون بالملل في المدرسة.
وتضيف، أولا وقبل كل شيء، من المهم الكشف عن أسباب عدم مبالاة طفلك؛ بهذه الطريقة يمكنك التوصل لحلول تعالج المشكلة حقا، وستكون قادرا بشكل أفضل على التحدث إلى الطلاب والتعاطف مع موقفهم إذا فهمته حقا، وستأخذ الأمر بجدية إذا فهمت ما يحدث وكيف يشعرون تجاه المدرسة"، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
ودعت غوين إلى سؤال الطفل عن تفاصيل ما فعله في المدرسة، ما الذي وجده مملا، أو مثيرا للاهتمام أو التحدي، وما إلى ذلك. وترى أن هذه المحادثات يمكن أن تساعدك بالبدء في التركيز على ما قد يسهم بفهم مشاعر اللامبالاة.
وتضيف أنه غالبًا عندما يكون لديك طلاب لديهم احتياجات لم تتم تلبيتها، فإن النتيجة ستكون طلابًا غير متفاعلين. ولكن بمجرد أن تستكشف ماهية الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها، وتبدأ في معالجتها، سيبدأ الطالب غالبًا في الشعور بمزيد من المشاركة وأقل مللًا في المدرسة.
كما ينصح بإشراك كل من المعلم والطفل، ونصحت الخبيرة بالتحدث إلى معلمي طفلك وجعلهم يعرفون ما يجذب طفلك وما لا يجذب انتباهه؛ فتقول "تحدث معهم حول ما ينقله طفلك لك من دون إلقاء اللوم على المعلم. حاول كبح أي سلبية وقدم ملاحظات بناءة حول ما يحتاجه طفلك. ضع في اعتبارك إشراك طفلك بهذه العملية".
وتختم الأستاذة الجامعية في الإرشاد المدرسي بقولها إنه من الضروري عدم تجاهل مخاوف الطفل، وتصديقه عندما يقول إنه يشعر بالملل؛ "اجلس مع المعلم لتبادل الأفكار والتوصل إلى حلول لإبقاء طفلك منخرطًا ومتحمسًا بشأن حياته المدرسية اليومية".
ومن الواجب على المعلم أن يستخدم أسلوب التحفيز؛ لأن الطالب يشعر بالملل والضجر عند دخول المعلم إلى الغرفة الدراسية والبدء بشرح الدرس دون تمهيد، أو حوافز، أو مقدمات، أو تهيئة نفسيّة الطالب للدروس والأبحاث.
كما على المعلم أن يكون مرحًا مع الطلاب؛ لإبعاد الملل عنهم، ويبدأ ذلك بابتسامة جميلة عند الصباح، فعندما يكون الأستاذ مرحًا مع طلابه، ويتبادل الحديث معهم ويتفقد أحوالهم فإن هذا الأمر سيقربهم منه ويجعلهم يقبلون منه أي نصيحة أو واجب يكلفهم به، كما أن هذا التصرّف يجعل الأستاذ يدخل إلى قلوبهم وليس عقولهم فقط.