لا تنتهي الكوارث في المدارس، بسبب ضعف منظومة القيم أو التعامل التربوي أو إجراءات السلامة مع التلاميذ.

 

وما حدث اليوم من إصابة طالبة بنزيف في الرأس لضرب معلم لها بالعصا، أو توقيف بعض الطالبات في الشمس لمدة حصة كاملة بسبب عدم ارتدائهن الزي المدرسي ما أدى لإصابتهن بإجهاد حراري.. يجعلنا نتساءل: هل الضرب أو العقوبة للتلاميذ لها مسوغ شرعي أو علمي؟ ومتى يكون الضرب؟ وما أهم مواصفاته؟ هذا ما سيجيب عنه هذا التقرير.

 

ضربها بالعصا على الرأس فسبب لها نزيفًا بالرأس

 

شهدت مدرسة طرانيس العرب التابعة إلى مركز السنبلاوين في محافظة الدقهلية، اليوم الثلاثاء، واقعة مؤسفة ومؤلمة، حيث أُصيبت تلميذة بالصف الرابع الابتدائي تدعى بسملة، وتبلغ من العمر 10 سنوات، بـ نزيف حاد في المخ نتيجة تعدي مدرس اللغة العربية عليها بضربها بالعصا على رأسها، ما أدى إلى إصابتها بالإغماء في آخر اليوم الدراسي، وعلى الفور تم نقلها إلى المستشفى.

 

وفوجئت أسرتها بأنها مصابة بـ نزيف حاد في المخ نتيجة تعدي المدرس عليها بالضرب على رأسها، وسرعان ما توجه والد الضحية إلى مركز شرطة السنبلاوين، وحرر محضر ضد المدرس بسبب تعديه على نجلته.

 

واعترف المدرس أمام جهات التحقيق أن التلميذة بسملة لم تستطع أن تكتب كلمة ما على السبورة عندما طلب منها ذلك، ثم اعتدى عليها بالضرب على رأسها بواسطة العصا، ما أدى إلى إصابتها بـ نزيف في المخ.

 

تلميذتان تتعرضان لإجهاد حراري بسبب عقاب معلمة الفصل

 

وفي مدرسة الدلتا للغات الخاصة بمحافظة الإسكندرية، تعرضت تلميذتين لإجهاد حراري متأثرين بعقاب معلمة الفصل نتيجة عدم ارتداء الزي المدرسي الخاص بالمدرسة في العام الحالي، حيث جعلتهن تقفان مع عدد كبير من زملائهن بالمدرسة لمدة حصة كاملة في الشمس بفناء المدرسة.

 

وحسب ما ذكرته ولية أمر التلميذتين، رشا محمد، فإن إدارة المدرسة أبلغت أولياء الأمور بزي مدرسي جديد لهذا العام، بتكلفة تصل إلى 3 آلاف جنيه، فضلًا عن مصروفات المدرسة السنوية البالغة قيمتها 17 ألف جنيه، قائلة: أحنا عندنا الزي من السنة اللي فاتت، وأغلبنا عنده أكثر من ابن في المدرسة.. ليه نتحمل تكلفة تانية جديدة؟

 

وتقدمت ولية الأمر، بشكوى مع عدد من أولياء الأمور المتضررين من عقاب إدارة المدرسة للتلاميذ، لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفتح تحقيق بشأن طريقة عقاب المدرسة للتلاميذ.

 

العقاب البدني والنفسي لا ينجم عنه أي تطوير حقيقي للشخصية

 

وقضت المحكمة الإدارية العليا، قبل عامين، بخصم أجر عشرة أيام من راتب إحدى المعلمات لقيامها بضرب التلميذة "ز.ص.أ" بالصف الثاني الابتدائي بفصل 2/2 بمدرسة مصنع السكر الابتدائية التابعة لإدارة إدفو التعليمية بمحافظة أسوان، عشر ضربات بالخرطوم دون مبرر وهو ما شهد به التلاميذ والتلميذات بالفصل.

 

وأكدت المحكمة على مجموعة من القواعد لحظر العنف والعقاب البدني بالمدارس منها أنه يتوجب على المدرسين معاملة التلاميذ معاملة حسنة بما يحفظ كرامتهم وأن المدرسة مؤسسة تربوية وليست مؤسسة عقابية، وإخفاق مستوى التلميذ يوجب استنهاض متابعة الأهل، ويتعين على الإدارات التعليمية الرقابة على المدرسين بحظر استخدام العنف لحفظ المجتمع المدرسي واستقراره، وأن قانون الطفل يجرم عدوان المدارس والأسر ومؤسسات الرعاية على الأطفال وتعريضهم للخطر أو الإساءة أو العنف، وفقًا لـ"صحيفة الوطن".

 

وأوضحت أن التلميذ الصغير يجب أن يكون المحور الحقيقي في جميع الخطط التطويرية، وهم الثروة الحقيقية للوطن لتعزيز بناء الشخصية المصرية الواعية بقضايا أمتها، كما يجب تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي أو النفسي والعقاب البدني والنفسي لا ينجم عنه أي تطوير حقيقي للشخصية، وهدف التعليم تنمية شخصية التلميذ وزرع الثقة في شخصه بجانب الأهداف المعرفية.

 

الضرب سلاح المدرس المفلس قصير البال

 

ويعلق الدكتور أحمد العشماوي، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، قائلًا إن الضرب في حديث "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"، جاء في معرض الأمر بالصلاة خاصة بقصد تطويع من يجهل الصلة بالله لا غير، وأكد العشماوي أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب غلامًا بقصد التعليم ولا أمر بذلك، وأن الحل يكمن في المثابرة وإيجاد الحيل لكسب الأطفال وجعلهم يحبون التعليم، "لأن الضرب سلاح المدرس المفلس قصير البال".

 

المعلم الذي لا يرى في نفسه قدرة على تحمل تلامذته يترك المكان

 

وتقول مايسة فاضل، أستاذة علم النفس التربوي بالمركز القومي للامتحانات، وتضيف أن أي إيذاء بدني يشعر به الطفل بالإهانة تقتل عنده الحمية، فهناك رأي لابن خلدون يقول فيه إن الطفل الذي يعتاد على الإيذاء البدني أو الضرب تقتل فيه الحمية والشجاعة والشخصية القوية، وتجعله يعتاد الكذب ليهرب من المسئولية إن أخطأ حتى لا يضرب.

 

وتتساءل أستاذة علم النفس التربوي، ما هو بديل الضرب؟ وتجيب بأن أي تربوي أو معلم مهني يفهم مهنته بشكل جيد وعنده ضمير سيستطيع أن يفهم مفاتيح شخصية كل طفل، فكل واحد منهم له نمط تعلم، وسيراعي الفروق الفردية بين الأطفال وينوع من طرق التدريس وطرق العقاب، فبدلًا من أن يكون إيذاء بدنيًا من الممكن أن يكون حرمانًا من شيء يحبه "الضرب إهانة لا تنسى من عقل الطفل"، وعند العقاب يجب أن يعرف على ماذا يعاقب وفيم أخطأ وما البديل، فالضربة الخفيفة على اليد أو في الاشاحة بالوجه تؤثر أكثر من الضرب المبرح.

 

وترى مايسة أن من بين الطرق المختلفة الكثيرة للعقاب يختار المدرسون الضرب لأنهم يستسهلونه، على الرغم من أنه مع الوقت لن يؤدي لنتيجة. وتقول مايسة أن النماذج المشوهة التي نراها في المجتمع هي نتيجة تربية خاطئة في الماضي، وهذا يستلزم أن نربي المدرس في البداية بشكل صحيح، وأن تؤدي كليات التربية دورها بشكل صحيح ونعده إعدادًا جيدًا للتعامل مع الطلبة.

 

وتؤكد فاضل على أن عدم تربية الطلبة بشكل جيد والتعامل معهم بعنف في المنزل لا يبرر الرد عليهم بعنف، فعلى المدرس أن يحاول استيعاب الطالب ويعاقبه بطرق تربوية أخرى، فالعنف إذا لم يُقابل بلين لن ينتهي.

 

وعلى الرغم من الظروف والضغوط التي يعاني منها المدرسون التي تدركها جيدًا الخبيرة التربوية، حسب قولها، إلا انها كانت تقول لطلبتها أن المعلم الذي لا يرى في نفسه قدرة على تحمل تلامذته يترك المكان، لأن الخطأ الذي يخطئه يعيش مئات السنين، لأنه يربي بطريقة خطأ ويظل خطأه يتنقل عبر الأجيال.

فن التعامل مع الطلاب.. إليك الطرق الصحيحة للتعامل مع الطلاب - موقع معلومات

كيف كان النبي يتعامل مع الأطفال؟

 

ويوضح لنا الدكتور أحمد العشماوي كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال والمراهقين ويصوب أخطاءهم، فيقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب الأطفال ويقبلهم وأناخ ظهره لهم ليرتحلوه، ولما قال له الأقرع بن حابس: أتقبلون صبيانكم؟ إن لي عشرة من الأبناء ما قبلت أحدهم؟ فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم "وما أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؛ من لا يَرحم لا يُرحم".

 

وأضاف العشماوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأل الدعوات الطيبات الصالحات من الأطفال، وكان يقول: هؤلاء لم يبلغوا الحلم ولم يجر عليهم القلم. ويؤكد العشماوي أن من حق الأطفال الرحمة والرأفة لأن ذلك يؤثر بالإيجاب في حياة الأطفال المستقبلية وأما القسوة عليهم حتى ولو كانت على سبيل التعليم فإنها تؤثر سلبًا على حياة الطفل مستقبليًا لأنها تخلق منه شخصًا عدوانيًا معقدًا نفسيًا، ولهذا حذر من عواقب القسوة والغلظة على الأطفال في حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس "من لا يرحم لا يرحم".

 

ويتابع العشماوي أن "الكيل الذي يكيل به الإنسان مردود عليه ويكال له به، وليحذر الآباء من أن يتركوا أبنائهم عرضة لأذى يعلق في ذاكرتهم من جراء العقوبة بالضرب في مجال التعليم، لأن التعليم له طرقه المجدية مع الكل، أما العنف فلا يأت بخير أبدًا، بل ربما أتى بنتيجة عكسية".

 

ويقول عشماوي إن كثير من الطلاب كرهوا وامتنعوا عن مواصلة المشوار التعليمي بسبب العنف والأذى الجسدي، بل إن كثيرًا من المدمنين والمجرمين والمنحرفين كان السبب في حاله هو العنف في التعليم.